بعد الإعلان عن تشكيل "السواعد الضاربة" ومجموعات "حماية الشرعية"، بالتوازي مع تصاعد التهديدات والاعتداءات المتبادلة، تدخل العلاقة بين تياري رئيس السلطة محمود عباس، والقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع؛ تنذر بجر الحالة الفلسطينية في قطاع غزة نحو فتنة واقتتال وفلتان أمني بعد سنوات من الاستقرار والهدوء. ففي غمرة معاناة قرابة 50 ألفًا من موظفي غزة، ورفض حكومة رامي الحمد الله الاعتراف بشرعيتهم، أقدمت السلطة على قطع رواتب المئات من كوادر حركة فتح بعد اتهامهم بما يسمى "التجنح"، وهو مصطلح يستخدم للدلالة على التيار المؤيد للقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان. قضية الرواتب قطع الرواتب سياسة قديمة استخدمها رئيس السلطة محمود عباس، كجزء من العقاب ضد مخالفيه، سواء في الإطار العام كما حدث مع حركة حماس، أو حتى ضد مخالفيه على الصعيد الداخلي في حركة فتح، وهي حالة شاذة في التعامل الأخلاقي والوطني، وتمثل تجاوزًا فجًا لكل القوانين. ويؤكد القيادي الفتحاوي سفيان أبو زايدة، أحد المعروفين بولائهم لدحلان، أن عباس ومنذ أن أصبح رئيسًا للسلطة منذ ما يقارب عشر سنوات "استخدم سلاح الراتب كوسيلة لعقاب أو ردع أو إرهاب كل من يجرؤ على التعبير عن موقف أو رأي يتعارض مع أي قرار يتم اتخاذه، سواء كان هذا القرار قانونيًّا أو غير قانوني، أخلاقيًّا أو غير أخلاقي، قرارًا يتعلق بشأن تنظيمي أو بشأن سلطوي". وأشار إلى أن الراتب "تحول - وفق منطق عباس- من حق مكتسب إلى سيف يستخدمه الحاكم لتعزيز سلطته وفرض إرادته على الموظفين الذين يتم التعامل معهم على أنهم عبيد في مزرعته". يشعل غضب "الدحلانيين". عملية قطع رواتب مئات الكوادر في غزة، أشعلت حالة من الغضب في صفوف هؤلاء الذين يرون أنهم أفنوا حياتهم في الحركة، وتحملوا الكثير في سبيلها، واليوم يعاقبون في قوت أبنائهم دون أي سبب، كما يقولون. ويقول أبو محمد صيام، أحد الضباط في السلطة الفلسطينية، لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"، إنه ينتمي لحركة فتح منذ أكثر من 25 عامًا، وفوجئ بقطع راتبه ضمن عشرات آخرين، لافتًا إلى أن كل ذنبه هو المشاركة في فعالية لحركة فتح بغزة، وُجهت فيها انتقادات لعباس. ووصف ما يقوم به عباس، بأنه "جريمة تتم بتآمر من أشخاص يحقدون على غزة، ولا يريدون مصلحة حركة فتح بل يريدون تمزيقها"، لافتًا إلى أنه بدأ إجراءات قانونية عبر مؤسسة حقوقية لنيل حقه. وجرت عمليات الفصل على مراحل كان آخرها في الشهر الأخير؛ حيث طال الفصل أكثر من 250 شخصًا. الحراك الفتحاوي يهدد ورغم أن القيادي التابع ل"تيار دحلان" سمير المشهراوي، أعلن عن توفير مظلة مالية للمقطوعة رواتبهم، إلا أن ذلك لم يخفف من وطأة "جريمة" قطع الرواتب، ولم يخمد حالة الغضب المتصاعدة، والتي تحولت من تعليقات غاضبة إلى ممارسات ميدانية، بالتوازي مع الإعلان عن تشكيل مجموعات لتنفيذ إجراءات رادعة بحق متهمين بالتورط في قطع الرواتب. فقبل عدة أسابيع؛ أصدر ما يسمى "الحراك الفتحاوي" المعروف بولائه لدحلان، بياناً شديد اللهجة ضد عباس وفريقه، وأعلن فيه بشكل واضح: "لن نصمت على مجزرة قطع الرواتب، وسيكون لنا خطوات احتجاجية تصعيدية متعددة، وفي كل الاتجاهات، ولن نعدم الحيلة في إيصال صوتنا إلى المؤسسات الدولية الداعمة للسلطة، وإلى منظمات حقوق الإنسان، وإلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في غزة والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وإن فعالياتنا لن تقتصر على ذلك، وسيفاجأ الجميع بحجم الرد ومستواه". السواعد الضاربة وفي تطور خطير آخر، أعلن الحراك المذكور بتاريخ (22-1-2015)، عن تشكيل "السواعد الضاربة"؛ ردًّا على "جرائم قطع الأرزاق، ورفضا لحالة الظلم والديكتاتورية". وقال البيان: "سنضرب بيد من حديد لا تعرف الشفقة ولا الرحمة كل رؤوس هؤلاء الخونة كتبة التقارير المرتزقة وقادتهم الخونة الفاسدين". وأضاف: "إنه في ظل استمرار الانحدار الأخلاقي للطاغية محمود عباس وزمرته المتآمرة، وتجاوز كل الحدود والخطوط الحمراء؛ كان لابد لنا من موقف ورد يعيد هذه الزمرة الفاسدة إلي صوابها، وأن نتحمل مسئولياتنا كاملة في الانتصار لأبناء شعبنا المظلومين والمقهورين". منحنى الصراع بين التيارين، تجاوز التهديد الكلامي، إلى وقائع ميدانية خطيرة، تمثلت في عمليات اعتداء واضحة وعلنية، وأخرى تتم تحت حجب الظلام. تهديدات واعتداءات ميدانية ففي حين أصدر الحراك الفتحاوي قائمة بأسماء مجموعة من الشخصيات التي اتهمها بأنها تقف وراء التقارير الكيدية، وهددها بالويل والثبور، كان أعضاء موالون لدحلان من المقطوعة رواتبهم يتنقلون من فعالية لأخرى لفتح ويعملون على إفشالها؛ كما حدث يوم (24-1) خلال المؤتمر الحركي للأطباء، والذي تحول إلى عراك أصيب فيه عدد من الأشخاص، بينهم القيادي في فتح – تيار عباس – محمد جودة النحال ومساعده. تأزم الملف مع فشل الهيئة القيادية العليا لحركة فتح في إثناء عباس عن سياسة قطع الرواتب، فتح الساحة نحو تنفيذ التهديدات، فتصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة سياسة حرق السيارات التي تتبع كوادر فتح، ومن التيارين. فقبل عدة أيام؛ أقدم مجهولون على سكب مادة حارقة على سيارة القيادي في حركة فتح عادل عبيد، التي كانت متوقفة أمام بيته في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وأشعلوا فيها النيران ولاذوا بالفرار، بعد أسبوع من إشعال النار في سيارة للقيادي في حركة فتح أحمد علوان، فضلاً عن الاعتداء وحرق مؤسسات يعمل فيها شخصيات موالية لعباس، بالتوازي مع توجيه رسائل تهديد لمئات الكوادر الأخرى. واتهم مدير مفوضية العلاقات الدولية لحركة فتح بغزة مأمون سويدان، جماعة دحلان بإرسال رسائل تهديد لكوادر ومناضلي حركة فتح في قطاع غزة، عادًا ذلك بأنه يعبر عن "عقلية قطاع الطرق والعصابات التي تحرك هذه الجماعات". وقال: "أنصار دحلان أرسلوا أكثر من 2000 رسالة لكوادر ومناضلي الحركة في قطاع غزة، بهدف ابتزازهم وتهديدهم لثنيهم عن التزامهم بقرارات قيادة حركة فتح الشرعية والرئيس محمود عباس". "حماة الشرعية" جماعة عباس، لم تقف عند حد سياسة قطع الرواتب، بل اشتركت هي الأخرى في ممارسة التهديد والاعتداء الميداني، وردت على الإعلان عن تشكيل "السواعد الضاربة"، بالإعلان عن تشكيل مجموعات "حماة الشرعية". وهددت المجموعة التي أطلقت على نفسها "مجموعات حماة الشرعية ضد العصابات الدحلانية" صباح الأربعاء من أسمتهم "دحلان وعصابته"، باستخدام "لغة الحراب وكسر الجماجم" ضدهم، واتهموهم بتفتيت حركة "فتح"، وتهديد كوادرها والتعدي على مؤسساتها". وقالت المجموعة، إنها "قررت البدء بالرد الفوري بكل قوة على كل التجاوزات والاعتداءات والجرائم الدحلانية، وستلاحق كل رؤوس ورموز الحراك الفتحاوي الدحلاني الخياني بالداخل والخارج، المسئولين عن الاعتداء على القيادات والمؤسسات الفتحاوية، وتخريب الانتخابات، وحرق المركبات، وتشويه سمعة وشرف المناضلين في البيانات". حركة حماس استشعرت خطورة الأزمة الداخلية الفتحاوية، وانعكاساتها على الحالة الأمنية بغزة التي شهد لها القاصي والداني في الفترة الماضية، مع بوادر العودة لمربع الفلتان عبر الحرق والاعتداءات. وحمل الناطق باسم الحركة الدكتور سامي أبو زهري حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حركة "فتح"، المسؤولية الكاملة عن التجاوزات الأمنية الأخيرة في غزة. ودعا في تصريح صحفي، حركة فتح إلى "وقف تصدير مشاكلها الداخلية إلى الشارع الفلسطيني، ودعا الأجهزة الأمنية إلى أخذ دورها لحماية أمن المواطنين ووقف محاولات حركة فتح لإثارة الفوضى في البلد". أزمة قيادة فتحاوية ويرى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، أن هناك خشية أن يتحول هذا الصراع إلى موجة عنف بين الجانبين، وهو ما تخشاه الأجهزة الأمنية في غزة. وقال "القرا": "في الحقيقة هذه مرحلة جديدة تظهر أن الصراع يأخذ موجة جديدة ونقلة خطيرة"، عادًّا أن ما يجري يدلل على أن حركة فتح تعاني من أزمة قيادة. وشدد على أن الجبهة الداخلية لا تحتمل هذا الصراع لأسباب عديدة، منها آثار الحرب وقطع الرواتب.