يتساءل كثير من شبابنا عن حكم دفع البلطجية من مجرمي الشوارع وبلطجية الشرطة والعسكر، الذين يعترضون المظاهرات السلمية؛ هل يجوز ردّ عدوانهم؟ وهل لو تمادى هؤلاء وقتلوا بعض المتظاهرين – كما هو حاصل الآن- هل يجوز قتلهم، أم أننا سنظل واقفين عند قولنا: سلميتنا أقوى من الرصاص؟ الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، اما بعد،، فإن الأصل في المظاهرات هو السلمية، والبعد عن تخريب ممتلكات الأفراد ومؤسسات الدولة، وستظل كلمة الدكتور محمد بديع فك الله أسره (سلميتنا أقوى من الرصاص) عنوانا أساسا لهذه المسيرات، وقد استطاع الثوار –ومن خلال توجيهات العلماء الربانيين- أن يكفوا أيديهم، جاعلين قوله تعالى { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} (النساء: 77) شعارا لهم، وارتضوا أن يكونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ... وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ " رواه أحمد، كان ذلك قبل الانقلاب وبعده، وجنبوا مصر حربا أهلية أراد أعداؤها أن يجرونا إليها. لكن يبدو أن هذه السلمية غير المتوقعة أحزنت الأعداء، وجرأت الحمقى من الانقلابين وأدواتهم من بلطجية الشوارع والعسكر والداخلية على قتل الآبرياء العزل؛ من أطفال ونساء وشباب وفتيات ونساء ورجال، وأخذ الأمر يزداد قبحا يوما بعد يوم، بعد أن أمنهم شيطانهم الأكبر (السيسي) بأنه لا قصاص منهم، وزادهم جرأة ما أفتاهم به إمامهم الأحمق (علي جمعة) بأن هؤلاء الثوار (ريحتهم نتنة... طوبى لمن قتلهم)، وعليه فإن الفتوى كما قرر علماؤنا يقول ابن القيم: تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد. إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 11)، ومن ثم فأقول وبالله التوفيق: 1. نحن حريصون كل الحرص على سلمية هذه الثورة، ماضون في سلميتها، شعارنا فيها قوله صلى الله عليه وسلم:" سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ" رواه الحاكم وصححه الألباني، وقوله:"أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ" رواه أبو داود وصححه الألباني. 2. إن الشباب في المسيرات والمظاهرات لا يسعون لقتل لأحد، بل غيرهم من يسعى لقتلهم، وهَمُّ شبابنا فضح الانقلابيين وإظهار بطشهم وجرمهم بالوسائل التي أباحها الشرع، وأقرتها قوانين ودساتير البلدان المحترمة، غير أن المجرم السيسي يخشى أن تفضحه الأعداد، فأكثر من البطش والقتل، وغلق الشوارع والميادين، وأمر بالتصفية والقتل كل من يخرج أو لديه نية للخروج في مظاهرة أو مسيرة. 3. إن سلميتنا هذه لا تعني أن يتجرأ البلطجية (بلطجية الشوارع، وبلطجية العسكر، وبلطجية الداخلية) على شبابنا، ولئن كان عام ونصف عام لم يرعو فيه البلطجية المجرمون عن سفك دماء المتظاهرين بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، بل جرأهم الصبر على هتك الأعراض هو الفعل الشنيع الذي يستقبحه الشعب المصري كله، ولهذا فإن ردّ العدوان بمثله كما قال ربنا: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة: 194) لا يخرج هذا الردّ عن السلمية، بل هو السلمية بعينها. 4. هذا المجرم البلطجي ( بلطجي الشوارع والعسكر والداخلية)، يأخذ في الشرع حكم الصائل، ويعرف الصائل بأنه: الذي يثِب على غيره معتديا عليه يريد ماله أو نفسه بغيا وظلما، وقد اتفق الجمهور على أن دفع الصائل واجب، خلافا لأحمد الذي قال بالجواز، ورأي الجمهور هو الصواب، ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ»، ولا يستشهدن أحد بما في الصحيحين من حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» قَالَ فَقُلْتُ: أَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ»؛ إذ من المعلوم بالضرورة لكل ذي عينين أن البلطجية (بلطجية الشوارع، وبلطجية العسكر، وبلطجية الداخلية) حريصون على قتل شبابنا وشبابنا حريص على السلمية، ولو كف البلطجي ( بلطجي الشوارع والعسكر والداخلية) ما امتدت إليه يد ثائر بسوء، كما كان الأمر في 25 يناير. 5. لذا على الثوار أن يردوا تطاول المتطاولين واعتداء المعتدين إذا ما توفر في الصائل ما يأتي: أ- أن يكون هناك اعتداء حقيقي لا متوهم، ولا مجرد تهديد، أو اعتداء محتمل، والحاصل الآن أنه اعتداء مبيت يصرح به وزير داخلية الانقلاب ورجال شرطته، ومن قبلهم قائد الانقلاب (المجرم السيسي). ب- ألا ينزجر البلطجي ( بلطجي الشوارع والعسكر والداخلية) بكلام ولا بتهديد من الثوار، وهنا يكون ردعه بما يمكن ردعه به، مع الأخذ في الاعتبار أن يكون الدفع بالأقل والأخف، فإن لم ينزجر إلا بالأقوى زجر به، فإن دفع بكسر ذراع أو قدم لا يقتل، وإن لم يزجر إلا بالقتل قتل. 6. دفع الصائل البلطجي ( بلطجي الشوارع والعسكر والداخلية)، يتحقق إن كان الاعتداء على الإنسان أو على غيره، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن أنس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، ومنه ما روي عند أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَهُوَ يقَدِرُ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". 7. ومعلوم أن الصائل البلطجي ( بلطجي الشوارع والعسكر والداخلية) لا ضمان له لا في الدنيا ولا في الآخرة، سواء كان دفعه جزئيا بكسر عضو، أو كليا كقتل وإزهاق روح، وعند النسائي من حديث ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ – أي ضرب به- فَدَمُهُ هَدَرٌ" حسنه الألباني، وفي المسند عند أحمد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَتْ ثَنِيَّتُهُ أَوْ ثَنِيَّتَاهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ. لَا دِيَةَ لَكَ "، وعند البخاري من حديث صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «خَرَجْتُ فِي غَزْوَةٍ، فَعَضَّ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وعلى هذا فمن شهر بندقيته وضرب بها، ونال الثوار منه ضربا أو كسرا أو قتلا فلا دية له، ولا شيء عليهم. ----------------- مستشار التدريب بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (سابقا) عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين