كتب الصحفي والمفكر الإسلامي "فهمي هويدي" مقالا جديدًا له بعنوان "تفكير في خبر سار" تناول فيه "هويدي" الخبر الذي تداولته الصحافة والقنوات الإعلامية عن نية قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين بمناسبة ذكرى 25 يناير. ناقش "فهمي هويدي" مجموعة من الملاحظات الهامة هي أن ذلك الخبر السار بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين تردد كثيرًا وسمعناه كثيرًا دون إطلاق موعد محدد للإفراج عن هؤلاء المعتقلين مما يثير الدهشة لهذا التأجيل والمماطلة؟ فان إطلاق سراح بعض المحبوسين في بعض المناسبات والأعياد هو تقليد يراد به إشاعة الفرحة ومكافأة حسني السير والسلوك، لهذا يصبح الانتظار على الإفراج عنهم مفهومًا و واضحًا، الإ أن الأمر يختلف تمامًا بالنسبة للمظلومين الذين اعتقلوا دون ذنب وأن ارتكبوا ذنبًا فكان بسيطًا يمكن التسامح معه فلا مبرر إذا للانتظار للإفراج عنهم. وأضاف "هويدي" قائلا إن كان قائد الانقلاب يعلم أن هؤلاء الشباب تم اعتقالهم ظلمًا دون أسباب ودون ذنب، وأن انتقادنا التأخير في إطلاق سراحهم فإن السؤال الأهم والأجدر بالبحث هو لماذا اعتقلتهم الشرطة أصلا، ولماذا قررت النيابة استمرار حبسهم!، وتابع "هويدي" قائلا إن المشهد من هذه الزاوية يفتح الباب واسعًا لتساؤلات أخرى تبعث على الحيرة والبلبلة تكشف عن عورات تسيئ إلى النظام القائم ولا تشرفه. وأضاف "هويدي" قائلا إنه يخشى أن يكون وراء الاتجاه إلى الإفراج عن الشباب المظلومين سبب آخر غير إنصافهم ورفع المظلومية عنهم، كأن يكون الهدف من الرسالة هو استرضاؤهم في ظروف اقتراب ذكرى الثورة والانتخابات البرلمانية..! ومما سبق ننشر مقال الكاتب الصحفي فهمي هويدي الذي جاء فيه: الصحفيون الذين رافقوا الرئيس عبدالفتاح السيسي في رحلته إلى دولة الإمارات نقلوا عنه بعض الأخبار المهمة، كان المفرح منها قوله إنه سيتم الإفراج قريبًا عن مجموعة من الشباب الذين ألقي القبض عليهم دون ذنب أو نسبت إليهم اتهامات بسيطة. وهى خطوة طيبة لا ريب، تستدعي مجموعة من الملاحظات ألخصها فيما يلى: المماطلة والتأجيل في إطلاق سراح المعتقلين • إن ذلك الخبر السار سمعناه من الرئيس مرتين على الأقل خلال الأشهر الأخيرة. ورغم أنه لم يحدد موعدًا لإطلاق سراح أولئك الشبان، إلا أنه قال إنه طلب من وزير الداخلية دراسة حالات المحتجزين تمهيدا للإفراج عنهم، وربما كان الجديد هذه المرة أنه وعد بأن يتم ذلك قبل حلول الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة في 25 يناير، ولا أظن أنه أراد أن تتم تلك الخطوة بمناسبة عيد الشرطة التي تحل في نفس اليوم، خصوصًا أن الشرطة هي من اعتقلتهم وألقتهم في السجون طوال الأشهر الماضية، وأرجو أن يكون حظ أولئك الشبان أفضل من مصير قانون التظاهر الذي رفضه الجميع في مصر، في إجماع نادر، وقيل لنا إن الرئيس وافق على تعديله، لكن هذه الخطوة تأجلت لأن المؤسسة الأمنية ارتأت أن توقيت التعديل غير مناسب، وهى معلومة أكد صحتها أن ذلك الكلام لم يصوب، وأن التعديل المنشود لم يتم ولايزال مؤجلا إلى توقيت غير معلوم. تأجيل الأفراج عن المعتقلين ما هو الإ تكريس لمظلوميتهم وإمعان في التنكيل بهم • إنني أفهم أن قرار إطلاق سراح بعض المسجونين فى بعض المناسبات والأعياد تقليد أريد به إشاعة الفرحة ومكافأة حسني السير والسلوك منهم من خلال الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة العقوبة المقررة، ومن هذه الزاوية يصبح انتظار المناسبة مفهومًا، إلا أن وضع المظلومين الذين اعتقلوا بغير ذنب أو ارتكبوا ذنبًا يمكن التسامح معه، هؤلاء وضعهم مختلف تمامًا؛ حيث لا مبرر لانتظار المناسبة أو ترقبها، لأن كل يوم يقضونه في السجن هو تكريس لمظلوميتهم وإمعان في التنكيل بهم. ملف المعتقلين السياسيين في مصر يكشف عن عورات تسيء إلى النظام القائم ولا تشرفه. • إن الكلام يعني أن الرئيس يعلم أن شبانًا تم اعتقالهم منذ عدة أشهر بغير ذنب جنوه، وأن هناك آخرين تم اعتقالهم لأسباب تافهة ما كانت تستحق أن يذلوا وأن تضيع عليهم فرص الانتظام في دراستهم جراءها، وإذا كان لنا أن ننتقد التأخير في فرز حالاتهم وإطلاق سراحهم، فإن السؤال الأهم والأجدر بالبحث هو لماذا اعتقلتهم الشرطة أصلا، ولماذا قررت النيابة استمرار حبسهم ثم تمديد ذلك الحبس مرة بعد مرة، والمشهد من هذه الزاوية يفتح الباب واسعًا لتساؤلات أخرى تبعث على الحيرة والبلبلة تكشف عن عورات تسيء إلى النظام القائم ولا تشرفه، هذه التساؤلات تتعلق بضوابط القبض العشوائي، وحدود الحبس الاحتياطي الذي عدل القانون لإطلاق مدته، بحيث أصبح غطاء قانونيًّا للاعتقال والتعسف في التنكيل بالخلق، تشمل تلك التساؤلات أيضًا مدى استقلال النيابة وعلاقتها بجهاز الأمن الوطني، بعدما كشفت الممارسة عن أن تحديد الحبس يتم استنادًا إلى توجيهات جهاز الأمن التي ينفذها وكلاء النيابة دون مناقشة. • شيء جيد أن يتقرر الإفراج عن الشباب الذين اعتقلوا ظلما خلال الفترة الماضية. ولكن إذا كانت تلك الخطوة تتم في إطار رفع الظلم عنهم وتخفيف التوتر الحاصل في محيطهم، فإن ذلك يسوغ لنا أن نلفت الانتباه إلى وجه آخر للمشكلة، ذلك أن حملة الاعتقالات العشوائية التي كان الشباب من ضحاياها طالت غيرهم أيضا. أعنى أن الذين دفعوا بهم إلى عربات الأمن أثناء المظاهرات مثلا لم يدققوا في هوياتهم ولا شغلوا بأعمارهم، وهو ما يسوغ لنا أن نتساءل عن مصير مظلومين آخرين من غير الشباب جرى التنكيل بهم ودمرت حياتهم وأسرهم؛ بسبب احتجازهم في ظروف مماثلة تمامًا لتلك التي تعرض لها الشباب المنوي الإفراج عنهم. هل لاقتراب ذكرى الثورة والانتخابات البرلمانية هو الهدف الحقيقي من رسالة الأفراج عن المعتقلين وليس رفع الظلم عنهم؟ • إذا جاز لي أن أكون أكثر صراحة فإنني أخشى أن يكون وراء الاتجاه إلى الإفراج عن الشباب المظلومين سبب آخر غير إنصافهم ورفع المظلومية عنهم، كأن يكون الهدف من الرسالة هو استرضاؤهم في ظروف اقتراب ذكرى الثورة والانتخابات البرلمانية، وقد عن لي ذلك الخاطر حين لاحظت عدم إشارة التصريح سابق الذكر إلى غير الشباب، وكأن الظلم كان من نصيب الأولين وحدهم، يؤيد الظن الذي ذهبت إليه أن الصوت العالي لعناصر النخبة الموالية يمضي في ذات الاتجاه، أي أنهم يطالبون فقط بالإفراج عن الشبان الذين ألقي القبض عليهم جراء دعوتهم للاحتجاج على قانون التظاهر، وهو مطلب مشروع لا ريب ينبغي أن يصطف حوله الوطنيون في مصر، ولكن المطلب الأخلاقي الأكثر مشروعية أن يصطف أصحاب الضمائر الحية وراء الدعوة إلى إقامة العدل الذي يعمم الإنصاف على كل المظلومين بغض النظر عن هوياتهم وأعمارهم. • الملاحظة الأخيرة أنني أخشى أن يفهم من تصريح الرئيس السيسي أنه هو من سيصدر قرار الإفراج المنتظر، ليس فقط لأنه لا يملك هذه السلطة من الناحية القانونية، وإنما أيضا لكي لا يظن أنه هو من أصدر أوامر الاعتقال، ذلك أن الرئيس له الحق في أن يعفو عن بعض الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن، أما الذين لايزالون تحت التحقيق ولم تصدر بحقهم أية أحكام فمصيرهم متروك للقضاء الذى له وسائله في تقدير القرار المناسب، وفى القضايا السياسية التي هي موضوعنا، فإنه يسترشد برأي الأجهزة الأمنية التي لا تستطيع تجاهل توجيهات الرئيس.