ثلاثة اعتداءات على المساجد في السويد خلال ثمانية أيام فقط تسببت في تنامي مشاعر القلق والتوتر بين المسلمين في الدولة الأوروبية. بداية هذه الاعتداءات كانت في يوم الخميس 25 ديسمبر 2014م، يوم أصيب خمسة أشخاص بحريق في مسجد بالطابق الأرضي من أحد المباني بمدينة إيسكيلستونا التي تقع على بعد 90 كيلومترًا غرب العاصمة السويديةستوكهولم. يوم الإثنين 29 ديسمبر 2014م اندلع حريق في مسجد بالدور الأرضي من أحد المباني بمدينة أيسلوف الواقعة جنوبالسويد، حيث تم إخماد الحريق بصورة سريعة لكنه تسبب في وقوع أضرار مادية ملحوظة بالمسجد. فجر يوم الخميس الأول من يناير 2015م ومع الساعات الأولى للعام الجديد، قام مجهولون بإلقاء عبوة حارقة على مسجد بمدينة أوبسالا طبقًا لتصريحات المتحدث باسم شرطة المدينة، والذي أضاف أن العبوة الحارقة لم تسفر عن وقوع حريق أو وقوع أي ضحايا؛ حيث إن المسجد كان خاليًا وقت هذا الاعتداء. المجهولون قاموا أيضًا بكتابة “شعارات عنصرية قبيحة” طبقًا لوصف الشرطة السويدية. وطبقًا لمنظمات مناهضة العنصرية، فقد تعرضت السويد ل 12 اعتداءً على مساجد خلال عام 2014م. أين المشكلة؟ نتيجة الحروب المندلعة في منطقة الشرق الأوسط خصوصًا في سوريا، والاضطرابات الحادثة في منطقة القرن الأفريقي، وتصاعد المشاكل الاقتصادية في هذه المناطق، وتزايد المخاوف من التطرف الإسلامي، كل هذا أدى إلى تصاعد عمليات العنف ضد المهاجرين عمومًا والمسلمين خصوصًا. تزايدت النقاشات في جميع أنحاء القارة الأوروبية بشأن تشديد القيود المفروضة على الهجرة؛ مما أثار حالات من الاستياء والشكوك داخل وخارج القارة الأوروبية. هذه النقاشات ساهمت في صعود وبروز نجم الأحزاب اليمينية في كل من بريطانيا والدانمارك والمجر وفرنسا. في ألمانيا على سبيل المثال تم رصد 70 هجومًا واعتداءً تم شنها على مساجد بين عامي 2012 و2014م. وفي بريطانيا سجلت الشرطة زيادة واضحة في جرائم الكراهية ضد المسلمين. بالنسبة لعدد سكانها، السويد تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد طلبات اللجوء بين دول الاتحاد الأوروبي بعد مالطة، كما تحتل السويد المرتبة الثالثة بعد ألمانيا وفرنسا في طلبات اللجوء بشكل عام. ففي عام 2014م بلغ عدد طلبات اللجوء إلى السويد 81 ألف شخص، نصفهم من سوريا وحدها. من ناحية أخرى فقد تمكن الحزب الديمقراطي السويدي اليميني المتشدد من الحصول على نسبة 13% من إجمالي الأصوات في الانتخابات التي شهدتها البلاد في شهر سبتمبر الماضي، لتصبح هي النسبة الأعلى التي يفوز بها هذا الحزب المناهض للهجرة طوال تاريخه. ويصف عدد من المحللين السياسيين في السويد فوز هذا الحزب بهذه النسبة بأنه “يجعل العنصرية أكثر قبولاً في المجتمع السويدي”، وهو ما تم ترجمته بالفعل لهجمات متتالية ضد المساجد. الإسلاموفوبيا والنازية الجديدة أصبحت الإسلاموفوبيا في السويد هي القضية المتصدرة لوسائل الإعلام في العديد من المحطات التليفزيونية السويدية في أعقاب الهجمات التي تعرض لها عدد من المساجد، وما لحق بها من مظاهرات مستنكرة لهذه الأعمال المشينة. قادة الحزب الديمقراطي السويدي يرفعون حاليًا شعارات تحذر مما اسموه “انتحار الثقافة السويدية”، ويطالبون بخفض معدلات الهجرة إلى السويد بنسبة 90%. هذا الأمر دفع رئيس حكومة ائتلاف أحزاب اليسار والخضر إلى وصفهم ب”الفاشيين الجدد”. وقد وصفت “أنكي أومان” وهي كاتبة سويدية تعيش بالعاصمة المصرية القاهرة أعضاء الحزب الديمقراطي السويدي بأنهم “حفنة من النازيين” نتيجة لتحريضهم المستمر ضد المهاجرين عامةً والمسلمين خاصةً. وقالت الكاتبة في إحدى مقالاتها إن 13% فقط من السويديين هم الذين يعتبرون أن سبب جميع مشاكلهم المهاجرين (حيث إن هذه النسبة هي التي حصل عليها الحزب الديمقراطي السويدي في الانتخابات)، وأن الحل يكمن في إلقاء هؤلاء خارج البلاد وإغلاق الحدود. كما يقولون إن هناك عملية “أسلمة” تتم في السويد، وأنه يجب على الشعب السويدي مساعدتنا لأن المسلمين يسيطرون على السويد. وفي تصريحات لموقع الجزيرة نت وصف إمام مسجد ستوكهولم الكبير ما يحدث في الآونة الأخيرة من اعتداءات على المسلمين بأنه “العنصرية والنازية الجديدة والكراهية للأجانب وللمسلمين بشكل خاص”. وقال الإمام إن التصرفات المتطرفة لبعض الجماعات المحسوبة على الإسلام مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة بوكو حرام النيجيرية “تعمل على تغذية مشاعر الكراهية تجاه المسلمين”. ويبدو أن تخوف البعض في السويد من التطرف الإسلامي انقلب إلى تطرف ضد الإسلام، وبالتالي فإن الخوف من المشكلة أنشأ نفس المشكلة لكن بشكل معكوس، حتى أصبحت الضحية هي الجلاد والجلاد هو الضحية. وفي الآونة الأخيرة زادت الهجمات ليس ضد المساجد فقط ولكن ضد المسلمين كأشخاص، خصوصًا النساء المحجبات اللاتي يتخوف البعض من تعرضهن لاعتداءات أكبر لأنهن بمثابة أهداف مكشوفة لسهولة معرفة أنهن مسلمات من الزي. وكان أسوأ اعتداء تعرض له المسلمون في السنوات الثلاثة الأخيرة هو تعرض امرأة محجبة عمرها 43 عامًا وابنتها البالغة من العمر 17 عامًا إلى اعتداء وحشي بالضرب في مدينة مالمو من قبل أحد مؤسسي شبكة عنصرية يمينية معادية للمسلمين في السويد. قام الرجل البالغ من العمر 54 عامًا يوم 4 أغسطس 2012م بضرب المرأة الأم ضربًا مبرحًا وضرب رأسها بالجدار حتى أغمى عليها أثناء زيارتها للمستشفى الجامعي بالمدينة. السويديون يستنكرون غالبية الشعب السويدي بشكل عام يؤيد سياسة الباب المفتوح التي ظلت فاعلة على مدار 65 عامً في التعامل مع المهاجرين الذي يجدون صعوبات سياسية أو اقتصادية أو أمنية في بلدانهم الأم. ويبدو أن هذا الأمر يأتي من كون 20% من سكان السويد تقريبًا إما ولدوا خارج السويد أو من آباء مهاجرين من خارج حدود السويد، وحصلوا على الإقامة بها. يوم الجمعة الماضي قام المئات من المواطنين السويديين أمام القصر الملكي في العاصمة ستوكهولم وعدد من الأماكن الأخرى تضامنًا مع السكان المسلمين في أعقاب الهجمات التي تعرض لها عدد من المسجد مؤخرًا. كما قام السويديون في وقت سابق بإلصاق صور لقلوب على أبواب أحد المساجد التي تعرضت للاعتداء من قبل متطرفين تعبيرًا عن تضامنهم وتعاطفهم. وفي عام 2013م كان عدد من السويديين قد أطلقوا “حملة الحجاب” من أجل التضامن مع النساء المحجبات اللاتي تعرضن لاعتداءات متكررة منها اعتداء على امرأة حامل. في هذه الحملة قامت المئات من النسوة السويديات بنشر صور لهن على مواقع التواصل الاجتماعي وهن يرتدين الحجاب تعبيرًا عن تعاطفهن مع المسلمات. رد فعل المسلمين بدأ المسلمون في السويد عمليات تواصل مع منظمات دولية بغرض محاولة الحد من ظاهرة العداء المتزايد لهم. حيث أعلنت الأمانة العامة لما يسمى “وقف الرسالة الإسكندنافي” عن اعتزامه التنسيق مع المنظمات الإسلامية في السويد للتواصل مع منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي من أجل بحث تداعيات تكرار مثل هذا النوع من الاعتداءات. وأوضحت هذه المنظمة غير الحكومية أن المسلمين في السويد يدرسون إمكانية التواصل مع مقرر الأممالمتحدة الخاص المسئول عن مكافحة العنصرية ومقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بحقوق الأقليات الدينية لبحث “كيفية مساعدة السلطات السويدية في مواجهة هذه الظاهرة الجديدة” دون تدويل الأزمة. ردود الفعل السويدية رئيس الوزراء السويدي أدان الحوادث بشدة ودعا إلى إدانتها بمنتهى القوة قائلاً: “في السويد، ينبغي ألا يخاف أي شخص من ممارسة ديانته”. وقد صرح رئيس الوزراء أن الحكومة ستقوم بوضع تمويلات إضافية من أجل تعزيز الأمن في محيط دور العبادة. وقالت المتحدثة باسم جهاز الاستخبارات السويدي إن الهجوم على المسجد “جريمة خطرة”، كما وصف وزير الخارجية الهجوم بأنه “مثير للاشمئزاز وغير مقبول”. وشددت وزيرة الثقافة والديمقراطية على أهمية تزايد الوعي بالحقوق المدنية لدى الجميع، لأن منع الناس من التعبير عن دينهم يشكل تهديدًا لمبدأ حرية التعبير. كما طالبت الوزيرة بأخذ التقارير التي تحذر من تنامي ظاهرة الكراهية على محمل الجد. شرطة مدينة أوبسالا التي شهدت أحد الاعتداءات وصفت في بيان رسمي لها الحادث بأنه “محاولة إجرامية لإشعال النار وتحريض على الكراهية”. المسلمون في السويد في السويد لا يتم إضافة خانة الديانة خلال عمليات المسح الإحصائي لتعداد السكان، وبالتالي فلا توجد إحصائيات رسمية حول عدد المسلمين في السويد. التقارير غير الرسمية تشير إلى أن عدد المسلمين يصل إلى 900 ألف نسمة من إجمالي 9.5 مليون سويدي، أي ما يقارب نسبة 10% تقريبًا من مجموع السكان. وتشير تقارير أخرى إلى أن عدد المسلمين عام 2009م بلغ بالضبط 106 ألف و327 مسلمًا سويديًّا. غالبية المسلمين في السويد هم من السنة مع أقلية شيعية، وأخرى أحمدية وعلوية. أحد مؤرخي الأديان في جامعة مالمو يشير إلى أن عدد السويديين الذين تحولوا من المسيحية إلى الإسلام منذ ستينيات القرن الماضي بلغ 3500 شخص فقط، وهو يدل على أن غالبية المسلمين هناك هم مهاجرون، وأن تأثيرهم في المجتمع ليس كبيرًا. في المقابل لوحظ تحول عدد من المسلمين إلى المسيحية في السويد أغلبهم من الإيرانيين والباكستانيين وبعض العرب. يوجد في السويد 17 مسجدًا في جميع أنحاء البلاد منها 5 مساجد في العاصمة ستوكهولم. أبرز هذه المساجد مسجد ستوكهولم الكبير أو مسجد زايد بن سلطان آل نهيان، وهو أكبر مساجد السويد، والذي تم بناؤه عام 2000م.