لم يجد حسن صقر المعتقل بسجن طرة سوى كلمات بسيطة يرسلها إلى زوجته طالبًا منها الصبر على الابتلاء بعد مقتل طفليهما "عمر وحمزة" بحادث سيارة، واصفًا لها كيف كانت هذه اللحظات قاسية على قلبه، لم يجد خير معينٍ في هذه المحنة إلا زوجته، ويصف شعوره بالعجز من دفن ولديه وتلقّى العزاء فيهما. جاء يوم ال17 من نوفمبر الماضي والذي انتظره حسن صقر والمعتقل بسجن طرة منذ 14 أغسطس من العام الماضي ليرى زوجته وشقيقه وأطفاله "عمر وحمزة وسمية وخالد" بعد طول انتظار، ولم يكن يعلم أن هذه هي المرة الأخيرة التي سيرى فيها ولديه وشقيقه، فقد وقع حادث مروع أثناء عودة الأسرة إلى بورسعيد توفي على إثره طفلاه "عمر وحمزة" وشقيقه محمد، ونُقِل خالد الرضيع إلى المستشفى في حالة خطرة. لم تتوقف مأساة هذه الأسرة على فقد طفليهما فقط، وإنما ظل طفلهما "خالد" بالمستشفى بين الحياة والموت، وأجريت له منذ يومين عملية جراحية في المخ كتب الله لها النجاح. وتداول عدد من نشطاء عبر موقع الفيسبوك رسالة كتبها المعتقل حسن صقر إلى زوجته حملت عنوان "رسالة من القلب" الرسالة جاءت كالآتي:
"الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى ساكنة القلب إلى بحر الحب إلى مدرسة الصبر إلى زوجتي الحبيبة الغالية، أهدي إليك هذه الكلمات، بعد أن منَّ الله علينا واصطفى وَلَدَيْنا؛ عمر و حمزة" عندَه تعالى وأدعو الله أن يكونا من الشهداء {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. لم أستشعر كلمات رسول الله صلى الله عليه و سلم التي قالها عند وفاة ولده إبراهيم «إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون" إلا عندما تلقيت خبر وفاة وَلَدَيْنا الحبيبيْن، كم كانت لحظات قاسية على القلب سكب الله علينا صبرًا ورضا من عنده" فاللهم لك الحمد ". لقد كنتِ يا زوجتي الحبيبة بعد الله عزَّ وَّ جل نِعْمَ المعين في هذه المحنة بعد أن سمعتك ولسانك يلهج ويقول: اللهم لك الحمد" فتعلق قلبي بالله واطمأن إلى اختيار الله عزَّ وجلَّ فتذكرت قول عبد القادر الجيلاني: "إن المصيبة ما جاءت لتهلك وإنما جاءت لتمتحن صبرك وثباتك". ولا أنسى يا زوجتي الحبيبة كلماتك الخالدة وأنت في أوج محنتك ومصابك : " الحمد لله يا حسن ربنا أخد اثنين وترك اثنين " فاللهم لك الحمد " اعلمي يا زوجتي الحبيبة أن هذا الابتلاء ما هو إلا منحة من الله عز و جل وكما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه"، على قدر الإيمان يكون البلاء "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم" وكما قال الإمام بن القيم: "إن من أسرار الابتلاء حصول الإخلاص في الدعاء، صدق الإنابة إلى الله، التضرع إلى الله، تمحيص الذنوب والمعاصي، بلوغ الدرجات العلا في الجنة "، فلنرضَ بقضاء الله عز وجل"، فاللهم لك الحمد ". اعلمي يا زوجتي الحبيبة أنَّ لله تعالى حكمة في هذا البلاء لا يعلمها إلا هو فاجعلي هذا يقينًا في قلبك واسمعي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم "إن الله عز وجل بقسطه جعل الفَرَج والروح في الرضا واليقين وجعل الهم والغم في الحزن والشك، وقيل لرابعة العدوية متى يكون العبد راضيًا؟ قالت "إذا كان سروره بالمصيبة كسروره بالنعمة " و قديمًا قال أحد الصالحين " كم من نعمة في شكل نقمة وكم من رحمة ضمن مصيبة"، " فاللهم لك الحمد ". تذكري يا زوجتي الحبيبة يوم أن رزقنا الله بمولودنا الأول فسميناه "عمر" ليكون كعمر بن الخطاب "شهيد المحراب"، ويوم أن رزقنا الله بمولودنا الثاني فسميناها "سمية" لتكون كسمية بنت خياط" أول شهيدة في الإسلام"، ويوم أن رزقنا الله بمولودنا الثالث فسميناه "حمزة" ليكون كحمزة بن عبد المطلب "سيد الشهداء". و كنا ندعو الله عز و جل أن يختارهم شهداء فاستجاب الله دعاءنا واختار "عمر وحمزة " فندعو الله أن يكونا من الشهداء . ثم منّ الله علينا في العام الماضي سبتمبر 2013 وأنا في الاعتقال ورزقنا بمولودنا الرابع فسميناه "خالد" ليكون كخالد بن الوليد جعل الله النصر على يديه،" فاللهم لك الحمد "، زوجتي الحبيبة إنّ أشد ما في هذه المحنة هو الشعور بالعجز وما أصعب الشعور بالعجز، العجز عن رؤية أولادي وهم يُغَسَّلون والعجز عن دفن أولادي والعجز عن تلقي العزاء في أولادي، ولكن عزاؤنا في ذلك أننا نقدم أولادنا شهداء فداءً لهذا الدين ولسنا أقل من إخواننا وأخواتنا الذين قدموا وما زالوا يقدمون التضحيات في سبيل هذه الدعوة المباركة، "فاللهم لك الحمد " وتذكري يا زوجتي قول " الخنساء "التي قدمت أولادها شهداء يوم القادسية " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. وأختم كلامي إليك زوجتي الحبيبة بهذه الكلمات الغالية التي قالها الإمام "حسن البنا "وهو يقول: ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فالرزق والأجل والنفع والضر والحياة والموت والمرض والشفاء والسعادة والشقاء كلها بيده يصرف الناس فيها كيف يشاء فلن يموت أحدنا إلا بأجله . أحمد الله تعالى أن رزقني زوجة صالحة مثلك، وأدعو الله أن يجمعنا في جنته مع "عمر وحمزة" ويبارك لنا في "سمية وخالد" فاللهم لك الحمد ".