جاء إعلان موقف الفصائل ومنظمات المجتمع المدني الأخير برفض آلية الأممالمتحدة بشأن إعادة إعمار قطاع غزة عقب العدوان الإسرائيلي الأخير عليه معبرا من المخاوف التي تحملها باتجاه تكريس وإدامة الحصار على القطاع. ويظهر الموقف من الآلية المعروفة باسم آلية روبرت سيري مبعوث الأممالمتحدة للشرق الأوسط بما يعكس إجماعا وطنياً شاملاً يؤكد على ضرورة مقاومتها كونها تجعل الاحتلال الإسرائيلي المتحكم الرئيسي في إدخال مواد البناء. ويصف مختصون في الشأن الاقتصادي خطة سيري بأنها حصار جديد على غزة بنكهة دولية، محذرين من تداعيات هذه الخطة على إعمار ما دمره الاحتلال في القطاع خلال عدوانه الأخير في يوليو وأغسطس الماضيين. ويؤكد المختصون في أحاديث منفصلة ل"صفا" أن فرض الرقابة على إدخال مواد البناء إلى غزة سيعيق عملية الاعمار، ويحد من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على مواجهة التحديات الاقتصادية التي خلفها العدوان الاسرائيلي. وتنص خطة سيري على آليه رقابة مشددة وفق نظام حاسوبي متطور، تشرف على إدخال واستخدام جميع المواد اللازمة لإعادة إعمار ما دمره العدوان على غزة. وشن الاحتلال إسرائيل في السابع من يوليو الماضي عدوانا همجيا استمر ل"51" يوما، خلف هدم آلاف البيوت وتدميرا هائلا في البني التحتية. تأخير الإعمار ويحذر أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر معين رجب من أن خطة سيري ستؤخر إعادة اعمار غزة وسيضعف من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على مواجهة التحديات الاقتصادية التي خلفها العدوان الإسرائيلي. ويرى رجب أن الرقابة على إدخال مواد البناء وتوزيعه من شأنه تأخير إعادة الإعمار بحيث تحتاج إلى سنوات طويلة في الظروف العادية، عدا عن إعاقة التنمية الاقتصادية على المدى القريب والبعيد. ويعتبر أن السلطة الفلسطينية "تطمح لفتح معابر قطاع غزة أمام حركة الواردات من مواد البناء بحرّية تامة، إلا أنه ليس لديها أي خيار آخر في الوقت الحالي، حيث أنه يكاد من المستحيل فتح المعابر بدون رقابة دولية في ظل التعنت الإسرائيلي". وبحسب الشركة الدولية "شيلتر كلاستر" فإن إعادة إعمار قطاع غزة يحتاج إلى خمسة أعوام في حال تم إدخال 400 شاحنة يوميا من مواد البناء دون رقابة أو قيود، لكن في حال تم تطبيق آلية الرقابة سوف يحتاج القطاع إلى 20 عام لإعادة الإعمار. آلية مجحفة ويؤكد الخبير الاقتصادي حامد جاد أن آلية سيري في إدخال مواد البناء لغزة "مجحفة" بحق الشعب الفلسطيني ولا تلبي الاحتياجات الأساسية لإعادة الإعمار، نظرا لبط تنفيذها واحتياجها لسنوات طويلة. ويشير جاد إلى أنه عندما دخلت أول شحنة من مواد الإعمار في الرابع عشر من الشهر الماضي، مكثت في المخازن دون توزيع لمدة أسبوعين، وإلى أن تم التوزيع عبرّت الآلية عن حالة من السخرية بعدما تم توزيعه من كيس واحد أو اثنين لأصحاب البيوت المدمرة جزئيا. ويوضح أن هذه الآلية إن نظرنا إليها بهذه الوتيرة "فمن المؤكد أن العائلات المشردة من بيوتها المدمرة ستمضي عشرات فصول الشتاء تحت العراء ومستبعد إعادة الإعمار خلال سنوات طويلة". ويشير جاد إلى أنه وفي حال فرضت علينا الخطة فمن الأجدر على الأممالمتحدة تعيين عدد من الشباب الفلسطيني العاطلين عن العمل في حراسة المخازن، وإدخال مواد البناء بكميات كافية وفتح المعابر. ويتابع الخبير الاقتصادي "نحن بحاجة إلى كميات كبيرة تقدر ب1500 شاحنة يوميا من مواد البناء، وليس 400 فقط وتحت رقابة مشددة"، مبينا أن هذه الآلية لا تعبر عن سقف تطلعات الشعب الفلسطيني في اعمار ما دمره الاحتلال. حصار بنكهة دولية من جهته يقول الخبير الاقتصادي عمر شعبان إن الأممالمتحدة تستبدل الحصار على قطاع غزة بحصار جديد بنكهة دولية عبر خطة سيري لإعمار غزة، مؤكدا أن المجتمع المدني الفلسطيني والدولي عبّر عن موقفه الرافض بالمطلق لهذه الآلية. ويقول شعبان في مقال له نشر اليوم إن "هناك أطراف عديدة بدأت تظهر تذمرها الشديد من الحصار الأممي الجديد تحت ما يسمى بآلية الأممالمتحدة، فالسلطة الفلسطينية وجميع الفصائل عبرت عن رفضها لهذه الآلية". ويضيف "يبدو أن جيش الموظفين الدوليين الذين يجوبون قطاع غزة بسياراتهم الفارهة وبمرتباتهم الخيالية بعد أن كانوا عاطلين عن العمل في بلدانهم وبعض مستشاريهم المحليين هم المستفيدون الوحيدون من هذا الحصار الأممي الجديد". ويتوقع شعبان أن ما أسماه "آلية الحصار الأممي" الجديد على وشك السقوط لتذهب للجحيم هي ومن صاغها ومن روّج لها. وكانت الفصائل في غزة أعلنت رفضها لآلية الأممالمتحدة الخاصة بإعادة إعمار القطاع، معتبرة أنها "تعيق وتعطل الإعمار وتعمل على إطالة أمده". كما أكدت شبكة المنظمات الأهلية آن آلية الرقابة الأممية على إدخال مواد البناء تكرس وتشرعن وتديم الحصار بما يشكل تجاوز فاضح للقانون الدولي الإنساني الذي يؤكد على أن الحصار يشكل عقاباً جماعياً على غزة يجب رفعه كليا.