في الواقع لست أدري ما هو حقيقة عمل بيوتنا الدبلوماسية بالخارج ، وهل هي تنتمي الى الشعب أم تنتمي الى فئة مختارة يطلق عليهم بالدبلوماسيين .. أزحف مع السنين في الغرب ، وكانت لي اتصلات واسعة مع عديد منهم ، وعملت في نفس المجال في احدى سفارات دول الخليج وتوليت فيها منصبا يسمح بالمشاركة في المؤتمرات واللقاء مع بقية السفراء الآخرين ، وللأسف أقولها بملء الفاه أني وجدتهم فئة غريبة الشكل وأختص بسفرائنا حتى لا أعم المشكلة ، وكثيرا ما أجد سفراؤنا يتشدقون بكلمات رطبة وهي صنعهم كالاسطوانة التي تتعثر في دورانها من كثرة التكرار ولا تخرج الا نشاذ .. ماذا ينفع سفير في عمل اللقاءات أو الاحتفالات أو الرسميات وما هو الا تشريفاتي ، وماذا ينفع سفير في التهام مرتب كبير بالخارج مع كل المميزات دون ايجابيات للبلد التي يمثلها ، وما ينفع سفير في الاستجابة الفورية مع السجود الى كل طلبات السيد الأعلى في مصر وخدام البلاط من المرتزقين.. وما بالك لو وصلت الهانم زوجة الفرعون حيث يفتح لها محال الأزياء والشراء ، والسؤال من يدفع حقوقها ؟! أو اذا وصل صاحب العزبة نفسه في زيارة عابرة منتكسة في بدايتها ، كل شئ يجري في السفارة جري الحصان .. يقول قائل من بينهم : جاءوا مرافقين مع الطاغوت الأكبر وعلى أكتافهم نجوم لم يظهروها حيث لا يستطعيون ذلك في بلاد الأجانب ، وكانوا يجرون وينهشون على كل ما هو حرام ولا داعي أن أزيد ونحن في شهر رجب الكريم ... ماذا ينفع سفير أو سفارة لا ترعى حقوقها أبنائها في الخارج وتعاملهم معاملة العبيد ، وفي قنصليات باغية همها الأول كيفية التهام أموال المغتربين في تمغات حراقة لا يعمل عليها حتى بياع الحرام أو اللعب بالقمار ، ماذا ينفع في تكوين جالية مصرية بالخارج وهي كلها من صنع السفارات ومن أجل التجسس على الجميع أو انتفاع حفنة من الناس المقربين المنافقين الذين يبتزون أفراد الجارية دون مشاركة فعلية .. ماذا ينفع في بلد تئن من الديون حتى نخاعها ، ثم تكون بيوتها الدبلوماسية أكبر البيوت عن الدول ذات المكانة والمال .. لماذ لا يقرأ أن مطلع على دليل التليفونات في الخارج ورؤية السفارات العظمى وكم هواتفها ومكاتبها ، وكم هاتف ومكاتب بيوتنا الدبلوماسية وكم تتكلف وهي من صميم حساب الفقير مهضوم الحق كادح النهار ... كم من شعبنا يعرف كم ميزانية السفارات في الخارج وكم مرتبات عامليها ... ما حقيقة عمل السفارات ، أليس هو من أجل الوطن والفئة المغتربة في الخارج ، والدفع بتجارته والبحث عن العلوم ودعما للصداقة وغيرها في البلد التي يمثلون وطنهم فيها ، ما هو حقيقة عمل السفارات لدينا ، انها ضيعة باسم الوطن ، ولا أعتقد أن شعبنا يعلم عنها شئ ، والكل يجري ويتمنى أن يكون ابنه دبلوماسيا في داخل هذه الفتة التي تتبع وزارة تمنيت كثيرا غلقها مع الداخلية وبنائهما من جديد .. حينما أرى خريج جامعات يعملون أو يعملن في بلادنا برواتب لا تزيد ساعات عمل ضحلة في المغترب ، وفي أعمال حرفية لا يبغيها أهل البلاد وهم في ذلك سعداء ، وحينما نرى من نفس العجينة والشهادة دبلوماسيون يحصلون على رواتب جد كبيرة ، ورغما عن ذلك ينسون الفضل ويعاملون اخوانهم مهاجرين من أصحاب الشهادات الجامعية معاملة العبيد في داخل القنصليات ، وما العيب في أن يكون المهاجرين هم الدبلوماسيون والدبلوماسيون هم المهاجرين ، انه مرض عضال متكرر في كل البيوت الدبلوماسية بالخارج ، وربما لا يمكن لأحد رؤية السفير أو سيدنا القنصل الذي وصى عليه من أجل هذا المنصب ودائما متغيب في اجتماع أو لم يحضر بعد ، وان حضر فبعد الثانية عشرة ظهرا أو ما يفوق... ما عمل سفارتنا في الخارج الا للمتعة والرحلات وقضاء وقت سعيد مع ثرثرة وأكل في لحوم بعضهم من قلة العمل ، وترحيل ما يمكن ترحيلة من خيرات الى الوطن بعد انتهاء المدة والى مدة أخرى . كنت أنظر الى قنصل عام وهو يعيش عيشة الملوك وفي شقة قصر مع خدم وحشم ، وقنصليتنا في ذاك الوقت في داخل كوخ .. ماذا تنفع كل هذه المكاتب في الخارج والتي عليها تنابلة سلطان ، أين أبناء البلد الوطنيين الذين يمكن خدمة وطنهم باخلاص .. من هنا كان الضياع وما نحن عليه ، ولا يمكن لأي كاتب أن يكتب هذا الكلام ، فنحن نقترب من الذات العليا ونرتكب أخطاء نحاسب عليها ، حينما أقرأ للسفير الوالي أبحاثه القيمة التي تفوح أدبا وعلما وتنشرها الشعب المنظورة ، أستغرب أن من بين السفراء من يكتب هذا الكلام ، ولا شك من بينهم كثيرين ، كما من بين العسكريين ، الذين أكرهم قلبا وروحا بعد يوم 23 يوليو من العام الأغبر الذي يطلق عليه عام 52 ... نحن في حاجة الى يقظة الا كلمة حق تلقى دون التواء أو منفعة شخصية ، ولا بد أن يكون للفقراء حق في هذه البلاد فهي بلادهم ، وليس من حق أي فئة في البلاد أن تعيش منعمة على عرق الفقراء ، ولازلت أتذكر مع احترامي الشديد للقضاء وفي وقفتهم العظيمة الأخيرة حينما كنت أسير على شاطئ النيل عندما كان يسمح لي بحق الزيارة دون اعتراض أن وجدت ناديهم يأخذ حيزا كبيرا من على الشاطئ ، فوجئت بهذا ولماذا هم يحتلون هذا المكان الطيب وبهذه المساحة ، وليكن قضاء ، أو محاميين أو أطباء أو أي حرفة أخرى هامة في البلاد، وليكن أيضا نادي للبسطاء وليس بهذه المساحة ... مصر ملك للجميع وليست ملك فئات محددة من البلاد يجب أن تعيش وترتع على حسب الآخرين ، كل هذا لأنهم لم ينالوا تعليما وحظا في هذه الحياة أو توصية يدخل عليها أبناءهم وزارة تنابلة السلطان ... ومن هنا حينما نقول اسلام ، نبغي عدل ، نبغي تقوى ، نبغي خشية الرحمن حتى لا نخلد في النار .