في النظر للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة عموما والعراق وأفغانستان خصوصا يمكن القول ان الإدارة الجديدة تريد الانسحاب العسكري خلال المرحلة وفي غضون سنة ونصف السنة تدريجياً وكما يقولون انسحابا مسؤولاً، فالحالة العراقية تشهد تراجعاً في العمليات العسكرية عما كان في السنوات السابقة إذ يعيش العديد من المناطق باستقرار نسبي وكثيرا من القادمين من هناك يعتقدون ان العمليات مستمرة في أكثر من مكان لكن الحكومة وقوات الاحتلال لا تعلنان عن ذلك، والبعض يرى ان الاستقرار السياسي هش وشكلي وليس حقيقيا، وهذا يدفع إلى القول انه في حالة الانسحاب الأمريكي سيشهد العراق حالة من عدم الاستقرار، والعملية السياسية كذلك كرست الطائفية بالاعتماد على مبدأ المحاصصة السياسية في المواقع المختلفة ومن هنا فان ترسيخ التقسيم الطائفي والعرقي في الساحة العراقية لا يخدم مستقبل الدولة، إذ تزايدت الانتماءات الضيفة وتعمقت في بنية المجتمع وأصبحت منعكسة على كل شيء، فالأحزاب والتنظيمات السياسية شكل واضح لهذه الاتجاهات، ناهيك عن الاعتقاد لدى بعض مكونات المجتمع بان الحكومة قد مارست التزوير ليكون حزبها الحاكم في المقدمة عندما جرت الانتخابات للمجالس المحلية في أربعة عشرة محافظة باستثناء المحافظات الشمالية التي يقطنها الاكراد لأن مجالسهم منتخبة ولهم قانونهم الخاص الذي يحكم العملية السياسية هناك، هذا وقد فشلت الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام على بناء مفهوم المواطنة القانوني للدولة، فالولاء والانتماء والارتباط والمرجعية هي طائفية أو عرقية، وبالتالي فان مفهوم المواطنة للدولة كوحدة سياسية متكاملة لم يتحقق بالشكل الذي يحفظ سلامة النظام ومستقبله، وستبقى حالة الانسحاب العسكري الأمريكي ذات تأثيرات متعددة الجوانب ومن الممكن ان تطفو على السطح قضايا كثيرة وجديدة فيما يتعلق بمستقبل الدولة العراقية. أما أفغانستان فالرؤية الأمريكية تستند إلى زيادة عديد القوات العسكرية حيث بدأت طلائع تلك القوات بالوصول وذلك لشن مزيد من الهجمات ومحاولة اجتثاث الإرهاب المتمثل بالقاعدة طالبان، إذ يرى الرئيس أوباما ان حالة بن لادن ومناصريه هي "إفلاس فكري"، فالعمليات العسكرية ضد هذه القوى تشكل نقطة الانطلاق في التعامل مع هذه القضية المعقدة وعلى الرغم من ذلك فقد تم ارسال مبعوث خاص لهذا الملف. وباعتقادنا ان على هذا المبعوث ان يدرس جيداً أمران مهمان في هذه الحال الأول يتمثل بالمكون الاجتماعي وما يحتويه من مكونات فكرية عقائدية شكلت بينه العقل الأفغاني، والثاني هو وعي وإدراك التاريخ السياسي لهذه الدولة عبر العقود الأربعة الأخيرة، ناهيك عن المكون الجيوسياسي، واستناداً لهذه الابعاد فان الحزم العسكري لن يقضي إلى أي حل، فاستخدامات القوة مهما كانت لا تستطيع ان تجلب الاستقرار السياسي لهذه الدولة المنهارة على ذاتها، والبديل الواضح هو الحل السياسي التوافقي بين كل المكونات وهذا ما غاب عن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أفغانستان سابقا ويغيب حالياً.