التطهير والاحتجاز والبناء...هي ملامح الإستراتيجية الأمريكيةالجديدة في العراق والتي تتبناها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وتروّج لها في أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي .. ويمكن القول: إن هذه الإستراتيجية بدأت فعلاً على الأرض في العراق لضمان نجاح نموذج العراق الجديد وتحقيق النصر في الحرب على "الإرهاب" على حد تعبير رايس. أما مبادئ هذه الإستراتيجية العسكرية والسياسية الجديدة في العراق فرشح أنها تهدف إلى تطهير مناطق "المقاومة" من سيطرة المقاومين وبناء مؤسسات عراقية وطنية مستقرة. والمتتبع لخط سير الإستراتيجيات الأمريكي في العراق يدرك حجم التخبط الذي تقوم عليه؛ ففيما كانت البداية عام 2003 الإطاحة بصدام وهزيمة القوات العراقية وتشكيل حكومة مؤقتة ، مع سلطة التحالف المؤقتة ومجلس الحكم العراقي، حدد بوش عام 2004 خطة عريضة من خمس خطوات لإنهاء الاحتلال، وهي: نقل السيادة للحكومة العراقية الانتقالية، وإعادة بناء البنية الأساسية في العراق، والحصول على مزيد من الدعم الدولي، والتحضير لأول انتخابات عراقية في يناير، والمساهمة في إرساء الأمن. في عام 2005 يدعي الأمريكيون أن إستراتيجيتهم في العراق كانت تركز على عملية التحول الأمني ، وزيادة الاعتماد على القوات العراقية ، والتحول السياسي إلى ديمقراطية دستورية دائمة. واللافت أن كثيراً من بنود هذه الإستراتيجيات المتلاحقة لم يتحقق مطلقاً..فلا أمن، ولا حكومة مركزية قوية، ولا توافق سياسياً داخلياً ، بل فوضى ومحاصصة طائفية وديمقراطية زائفة. في 2006 يسعى الأمريكيون وفق إستراتيجيتهم إلى الفرار بجلودهم وإخلاء الميدان ، بحجة أن الوقت حان لتستلم القوات العراقية الزمام، ولعل إعلان رامسفيلد عن سحب لواء أمريكي يتجاوز عدد أفراده سبعة آلاف جندي في ربيع 2006 أول المؤشرات على إستراتيجية الفرار الآمن هذه. إلا أن المعضلة الوحيدة أمام تطبيق هذه الإستراتيجية هي شبح الأمن؛ إذ يبرز هاجس المقاومة العراقية كتحد كبير أمام القوات الأمريكية والعراقية على حد سواء. يحاول الأمريكيون التحايل على شركائهم بتجنب الحديث عن انسحاب كلي للقوات العسكرية، في محاولة لتجنب قول الحقيقة المرعبة بالنسبة لحلفائهم من العراقيين، وهو الهدف الحقيقي من الإستراتيجية الجديدة "التراجع التدريجي للدعم العسكري الأمريكي للعراقيين". العراق جزء رئيس من محور إقليمي جديد..هذه هي الحقيقة التي تريد الولاياتالمتحدة تأكيدها بقوة. فَ(رايس) تتحدث عن العراق إلى جانب بعض دول منطقة الشرق الأوسط مثل أفغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين ، باعتبارها جميعاً وحدة إقليمية ستشكل مجتمعة تغييراً حقيقياً للعالمين العربي والإسلامي ، وفق المفهوم الأمريكي للشرق الأوسط الجديد. ما يدور اليوم في العراق لا يجري بمعزل عما يدور أمريكياً في مناطق أخرى؛ فالولاياتالمتحدة إلى جانب رغبتها في الانسحاب من المستنقع العراقي الذي تورطت فيه تبحث عن مساحات جديدة لقواتها العسكرية وتواجدها العسكري في المنطقة، والحديث اليوم يدور عن منطقة المغرب العربي تحديداً بعد سنوات طويلة من إهمالها أمريكياً والاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط. المغرب العربي يمثل للأمريكيين مساحة جيدة لتستغل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً بالنظر إلى مواصفات عديدة، أهمها: بعدها الجغرافي عن الصراع الإسرائيلي العربي مما يؤهله لقيادة موجة التطبيع العربي الإسرائيلي الشامل. أما الحديث عن مصالح واشنطن في المغرب العربي فله تفرعات من بينها • دعم المبادرات الأمريكية للترويج للديمقراطية في الدول العربية عموماً. • توثيق التحالف بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة لتأمين منطقة الشمال الإفريقي من أي أنشطة إرهابية، خاصة ما يتعلق منها بجماعات موالية للقاعدة بالنظر إلى الجماعة السلفية في المنطقة وأرَق أمريكا من أنشطتها. • تأمين آبار النفط (خاصة الجزائرية) لضمان تدفقها للأسواق الغربية، مع الأخذ في الحسبان أن غالبية الاستثمارات في هذا المجال أمريكية. • الحصول على تسهيلات عسكرية بعد إعلان خطط خفض القوات الأمريكية في القارة الأوروبية، ويتم ذلك في ضوء ترتيبات برامج الشراكة بين حلف الناتو، ودول جنوب حوض المتوسط. • الحصول على حصة في سوق السلاح خاصة الجزائري منه (عقدت الجزائر مؤخراً صفقة عسكرية تبلغ قيمتها ملياري دولار مع روسيا)، لذا ترغب الولاياتالمتحدة في الحصول على نصيب من طلب دول المغرب العربي على السلاح خاصة في ظل استمرار الأسعار المرتفعة للبترول. ومن هنا يتسنى لنا فهم الإستراتيجية الجديدةلواشنطن في العراق على أساس لعبة أحجار الشطرنج وتحريكها من مساحة إلى أخرى.. أمريكا تنسحب من مستنقع لتبحث عن آخر تقليلاً للخسائر وهذا هو حالها اليوم في العراق. المصدر الاسلام اليوم