الاجتماع الذي عقدته وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس في الكويت مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الي وزيري خارجية مصر والاردن، وكذلك جولتها في فلسطين ومصر وإسرائيل، والاجتماع الاستثنائي الذي عقدته في الأقصر مع الامين العام للجامعة العربية عمرو موسي يشير إلي أن الإدارة الأمريكية قررت إلا تضيع الوقت والتحرك بسرعة لوضع استراتيجية بوش الجديدة الخاصة في العراق موضع التنفيذ، واستطلاع إمكانية تحريك بقية الملفات المعطلة في الشرق الاوسط وفي المقدمة القضية الفلسطينية للتوصل الي انجاز سريع تتطلع الإدارة الأمريكية التي تعيش اخفاقات كبيرة في الشرق الأوسط الي تحقيقه، ولمواجهة الهجوم الذي بدأه الحزب الديمقراطي المسيطر علي الغالبية في مجلس الكونجرس الان. دولة فلسطينية مؤقتة اول افكار الادارة الامريكية ظهر في رام الله حين طرحت رايس فكرة إسرائيلية قديمة سبق ان عرضها رئيس الحكومة الميت اكلينيكيا ايريل شارون، باقامة دولة فلسطينية مؤقتة بدون حدود نهائية، علي اساس ان هذا الانجاز سيساعد علي فتح الافاق امام امكانية حل الملف السوري الإسرائيلي الملف الذي لا يزال مستعصيا علي اي حل. وجاء الرفض الفلسطيني سريعا برفض هذه الفكرة وأكد رئيس السلطة محمود عباس ان المطلوب هو القفز الي الموضوعات الرئيسية، خاصة ان الادارة الامريكية السابقة ايام الرئيس السابق بيل كلينتون ساهمت في التوصل الي حل معظم القضايا الرئيسية، ولولا تعنت حكومة ايهود باراك، رئيس الحكومة الإسرائيلية الاسبق وتردده تم التوصل الي اتفاق ينهي الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي باقامة دولة فلسطينية مستقلة علي اراضي 1967 عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الي الدولة الجديدة، مع منح تعويضات للذين يستحيل عودتهم. وهكذا جاءت الزيارة الثامنة التي قامت بها رايس الي القدس ثم رام الله بدون نتائج علي الاطلاق، واكتفت باعادة ترديد العبارات القديمة مثل التعهد بدفع مسيرة السلام، واحياء خريطة الطريق التي ماتت، وربما يكون الانجاز الوحيد هو التعهد بتقديم مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية من جديد، والتعهد برفع الحصار. من الناحية الاخري فان عباس الذي رفض الدولة المؤقتة بشكل قاطع، اكد اصراره علي المضي نحو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في نهاية هذا الشهر وانهاء الصراع بين الفصائل داخل قطاع غزة المضطرب، بعد ان ادي هذا الصراع الي مقتل 30 شخصا من حماس وفتح خلال الشهر الماضي فقط. وطلب عباس من رايس ان تساعد الشعب الفلسطيني والسلطة بان تبذل جهدها لدي إسرائيل لانهاء الحصار المفروض علي الفلسطينيين، وايقاف بناء الجدار العازل، والافراج عن المعتقلين والمحتجزين، والاموال الفلسطينية المحتجزة، علي اساس ان تلك الاجراءات من شأنها توفير اجواء ملائمة لاطلاق عملية سلام شاملة، في ظل التزام الفصائل الفلسطينية المختلفة بما فيها حماس بالهدنة المقررة وعلي اطلاق الصواريخ علي المستوطنات الإسرائيلية. تعزيز قوات الامن وفي اشارة الي طبيعة المواجهة التي قد تحدث بين فتح وحماس في ظل الاجواء المتوترة والجهود الاخيرة التي تبذل للمصالحة وتشكيل حكومة الوحدة، فان تعزيز اجهزة الامن الفلسطينية كان مطلبا رئيسيا تقدم به محمود عباس لوزيرة الخارجية، كوندا ليزا رايس من اجل اعادة تسليح قوات الشرطة والامن الفلسطينية التي فقدت جزءا كبيرا من تسليحها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. ويبدو طلب اعادة تسليح القوات الرسمية الفلسطينية التابعة للرئاسة طلبا عاجلا في مواجهة اصرار حكومة حماس علي عدم حل قوات الشرطة التنفيذية التي تم تشكيلها العام الماضي وتضم قرابة 12 الف جندي من ميليشيات حركة حماس، والتي اصبحت تهيمن وتسيطر علي الشارع في غزة، في مواجهة حالة الضعف التي تعاني منها قوات الشرطة الرسمية. وكشفت رايس عن وجود خطة دولية تعد لتدريب الاجهزة الامنية الفلسطينية، واقناع الكونجرس بالمصادقة علي تخصيص 86 مليون دولار كمساعدات للسلطة الفلسطينية لتقوية وتطوير الاجهزة الامنية التابعة للرئاسة الفلسطينية مباشرة. ويبدو ان الادارة الامريكية تحاول الاستفادة من اخطائها التي ارتكبتها في العراق بتفكيك الجيش العراقي، في محاولة لبناء قوة فلسطينية قادرة علي السيطرة علي الاوضاع الامنية، وتعزيز الشرعية بحيث تصبح قادرة علي مواجهة تحديات الشارع وتقويض الاتفاقيات التي تم التوصل اليها مثل اتفاقية "اوسلو" التي فتحت الابواب امام اقامة السلطة الفلسطينية نفسها. وفي تقرير السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس ان اضعاف القدرات العسكرية للقوات الامنية الفلسطينية ، وتقوية الفصائل الراديكالية مثل حماس والجهاد الاسلامي والتي تتلقي مساعدات عسكرية ومالية من ايران وسوريا من شأنه اضعاف القوي المعتدلة، وانهيار الثقة فيها لدي الشعب الفلسطيني الذي سيجد تكرارا لما يحدث في الصومال والعراق من سيطرة ميليشيات المحاكم الاسلامية وميليشيات المحاكم الاسلامية وميليشيات مقتدي الصدر علي حساب الحكومات المدنية الشرعية. مواجهة إيران اما الملف الثاني الذي حاز علي الاهتمام في اجتماعات رايس وجولاتها في المنطقة فهو خاص بالملف الايراني الذي دخل الي نقطة بالغة التعقيد، باصدار مجلس الامن قرارا جماعيا لاول مرة منذ فترة طويلة بفرض عقوبات علي ايران، التي ترفض حتي الان الامتثال للطلبات الخاصة، باخضاع برنامجها النووي لرقابة واشراف وكالة الطاقة الدولية، وعدم المضي في برنامجها لتخصيب الوقود النووي الذي سيفضي الي امكانية تصنيع قنابل نووية. وتعتقد الادارة الامريكية ان المهمة الرئيسية الان هي بناء تحالف عربي- امريكي في مواجهة ايران علي اساس ان البرنامج النووي الايراني يهدد اولا الدول العربية عبر اصرار ايران علي ان تصبح القوة الاقليمية الاولي في المنطقة بعد انهيار العراق وتفككه. وان ايران لا تستهدف إسرائيل التي تستطيع الدفاع عن نفسها، في ظل امتلاكها قوة نووية هائلة وحتي ان لم تفصح عنها بشكل علني، وبالتالي فالمطلوب بناء تحالف عربي- امريكي لمواجهة ايران، التي تحاول هزيمة الولاياتالمتحدة في العراق واستمرار توريطها هناك، وهو ما اكدت عليه رايس بتأكيداتها ان هزيمة الولاياتالمتحدة في العراق هزيمة للدول العربية ايضا. تصحيح الأوضاع في العراق يبقي الملف الاهم وهو الخاص بتصحيح الاوضاع في العراق في ضوء انهيار كل الخطط الامريكية السابقة، وتوصيات لجنة بيكر هاميلتون، التي رفض بوش معظمها، وان قرر زيادة القوات الامريكية هناك بعدد 21 الف جندي اضافي ، وتخصيص 2 مليار دولار بشكل عاجل لتحسين الاحوال الاقتصادية. وفيما تري الدول العربية المنضوية في اجتماعات 6 + 2 التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن، ان حل القضية الفلسطينية وتحقيق تسوية علي المسار السوري الايراني، والتفاهم مع ايران وعدم التصعيد الي حد اشعال حرب جديدة في المنطقة، هي مقدمات اساسية لحل الازمة في العراق، لا تزال الادارة الامريكية تطرح افكارا بعيدة عن الافكار العربية، وتعتمد نفس الافكار القديمة فلم تقدم طرحا جديدا ملائما للقضية الفلسطينية، واعادت طرح فكرة الدولة المؤقتة التي رفضتها كل الفصائل الفلسطينية وفي المقدمة السلطة بزعامة محمود عباس، كما ظلت علي تجاهلها للملف السوري. ولا يزال طرح الادارة الامريكية للقضية العراقية طرحا امنيا قائماً علي مواصلة التصدي للميليشيات المسلحة والقاعدة، دون تحقيق تقدم في العملية السياسية في العراق يطمئن القوي السياسية والاجتماعية الممثلة للسنة، علي عدم تهميشهم، وعدم السماح للشيعة ببناء دولة شيعية جديدة في العراق في ضوء استمرار خطط التصفية العرقية وتطهير مناطق كاملة في بغداد، وحالات التهجير والهروب الواسعة التي يقوم بها المواطنون السنة هربا من الميليشيات المسلحة وجماعات الخطف والتفجير والاغتيالات. اجمالا فان جولة رايس الحالية اظهرت ان استراتيجية بوش الجديدة، لا تزال بعيدة عن الواقع ولم تجد اي ردود فعل ايجابية في العالم العربي، الذي حدد الاستراتيجية المطلوبة الواضحة، وهي التي ستعرض علي القمة العربية العادية في مارس المقبل، والتي تبدو انها بعيدة كل البعد عن الاستراتيجية العربية، بحيث اصبحت الاستراتيجية الامريكية هي الجزء الاهم من الازمة بدلا من ان تكون الجزء الاهم من الحل.