رغم أنّ اندلاع العنف في إسرائيل وفلسطين هذا الشهر يعتبر من نواح كثيرة أمرًا معتادًا، ولكنه كان مختلفًا قليلًا من البداية بشكل يثير الاهتمام: فالجمهور الأميركي يشهد قصة الصراع هذه المرة من خلال عيون الفلسطينيين. ربما حدث ذلك بشكل عفويّ، ولكن بعد اختطاف المتطرفين الإسرائيليين لطفل فلسطيني يدعى “محمد أبو خضير” وقتله، على ما يبدو انتقامًا لمقتل ثلاثة من المراهقين الإسرائيليين في وقت سابق، ثم اعتقال الشرطة وضربها لابن عمه “طارق أبو خضير”، وهو الفلسطيني الأمريكي ذو ال 15 عامًا، والذي كان يقضي عطلته مع عائلته. وربما كان من الشائع بالنسبة لنشرات الأخبار التلفزيونية نقل القصص المتعاطفة حول تعرض طفل أمريكي للأذي مع تصاعد وتيرة العنف في الشرق الأوسط، ولكنّه ليس من الشائع جدًّا أن يكون ذلك الطفل فلسطينيًّا. وحينما بثت وكالات الأنباء مقابلات متعاطفة مع أم طارق الغاضبة، سهى أبو خضير، قالت “إن الفلسطينيين يواجهون مثل تلك الممارسات كل يوم، ولكنهم يضطرون للتعامل معها، ولكن بالنسبة للأميركيين، فهذا أمر لا إنساني”. وبعد أكثر من أسبوعين منذ اختطاف أبي خضير، تصاعد العنف في غزة وتحول من جرائم قتل انتقامية إلي حملة عسكرية. ولكن على غير المعتاد في الصحافة الأمريكية، ظلت الرواية الإنسانية حول الصراع بين إسرائيل وفلسطين في صف الفلسطينيين، حيث قتل أكثر من 500 فلسطينيّ، وأقل من 30 جنديًّا اسرائيليًّا. وعندما بدأت قذائف الهاون الإسرائيلية الأولى في التساقط على غزة، كان الحدث الأكثر إثارة وجذبًا وتميزًا هو حادث وفاة أربعة من الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا بنيران الزوارق الحربية الإسرائيلية؛ بينما كانوا يلعبون كرة القدم مع الصحفيين على الشاطئ. وقال أحد الشهود لمحطة إنّ بي سي نيوز “بدا الأمر كما لو أنّ القذائف كانت تطارد الأطفال”. وقبل نهاية هذا الاسبوع، ومع تحرك القوات الاسرائيلية تجاه غزة، توجه الانتباه إلى مستشفى الشفاء حيث كان هناك “بحيرات من الدم”، كما وصفها أحد الأطباء النرويجيين العاملين هناك لقناة الأخبار. كما بثت محطة إن بي سي صورة الرجل الذي فقد 20 من أفراد عائلته. كما وثقت وكالة اسوشييتد برس استحالة توفير الرعاية الطبية تحت الحصار؛ ونقلت صورة الطبيب المشرف على ثلاثة أسرة في مستشفى الشفاء في وحدة العناية المركزة والذي اضطر لصنع سلك خاص لقياس سرعة القلب باستخدام وصلة من كابل الإنترنت”. كما تناقلت وسائل الإعلام الاجتماعية، صور جثة المراسل، حيث تظهر كلمة PRESS بحروف كبيرة على صدره وهي مغطاة ببقع الدم، وكذلك صورة أب يحمل جسد ابنته الممزق. كما قال بيتر بومونت مراسل صحيفة الغارديان في غزة في تغريدة على تويتر، قام بإعادة نشرها حوالي 3.000 شخص: “لقد رأيت بعض المشاهد المروعة حقًّا هذا الصباح، فقد رأيت رجلًا يضع رفات ابنه البالغ سنتين من العمر في كيس القمامة”. في وقت سابق من هذا الشهر، كان تويتر يعج بصور الإسرائيليين المحاصرين. ولكن بحلول نهاية هذا الاسبوع، بدأت إسرائيل تخسر بوضوح حرب العلاقات العامة، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقول للصحفيين، بشكل مقتضب، إن حماس “تستخدم الفلسطينيين القتلى لتحقيق أهدافها”. ولكن إذا كان نتنياهو منزعجًا من صور الفلسطينيين القتلى التي تظهر على شاشات التلفزيون، فيجب عليه التوقف عن قتل الكثير منهم. ولكن شكواه هذه في حد ذاتها تعد تنازلًا. فقصة الصراع بين إسرائيل وفلسطين تبدو مختلفة قليلًا هذه المرة. وقد ساعدتنا وسائل الإعلام الاجتماعية أن نرى بشكل أكثر عمقًا ما يحدث داخل مناطق الحرب -أي داخل غزة، في هذه الحالة. التغيرات الديموغرافية في أميركا (حيث ارتفعت نسبة السكان المسلمين في البلاد في العقد الماضي بشكل كبير، وأصبحت الآن بقدر نصف حجم السكان اليهود في الولاياتالمتحدة) تعني أن الجمهور صار أكثر تقبلًا للقصص المتعاطفة مع الفلسطينيين، خاصة وأن الفارق الهائل في الخسائر البشرية، وفي أعداد القتلى، كان من المستحيل إخفاؤه أو أو تجاهله. ورغم كل ما سبق، فليس من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تغيّر السياسة الأمريكية تجاه الصراع، أو أن يقلل من الدعم الأمريكي لإسرائيل.