يمكننا أن نشبه الأمة الإسلامية الآن بإنسان أراد أن يصلي الظهر .. فأخذ يستعد لذلك بتنظيف ثوبه .. وتطهير بدنه .. وتهيئة المكان الذي يصلي فيه .. ثم أسبغ الوضوء .. وأحضر السواك .. وصلى ركعات كثيرة سننا ونوافل .. واستمر في ذلك حتى أذن العصر .. أو إنسان ظل يقيم الليل قائما راكعا ساجدا متضرعا .. ولكنه نام قبل أذان الفجر ..وظل نائما حتى أشرقت الشمس .. هل تغنيه كل هذه النوافل عن صلاة الفرض ؟ .. بالطبع لا .. لأن الأجدر أن لا يبالغ في المقدمات والمحسنات .. ولا يسرف في الاهتمام بالمظاهر على حساب الأصل والجوهر .. وأن يشرع بأسرع ما يمكن في تأدية ما عليه من فروض حتى لا يضيع الوقت وتنتهي الفرصة .. ثم يؤدي ما أمكنه من نوافل .. لأن الإسلام دين انضباط .. ودين أولويات .. وليس للفوضى أو العشوائية دور أو مكان فيه ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) 103 من سورة النساء .. وليست الصلاة فقط .. ولكن الإسلام كله مبني على مراعاة الأولى .. وتقديم الفروض على النوافل والواجب على المندوب .. والاعتداد بالمقاصد والمصالح .. وعدم المبالغة في المظاهر والطقوس .. ولأن الإسلام هو دين الفطرة .. ودين الأنبياء والمرسلين جميعا من أول آدم عليه السلام حتى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .. فقد جعل إعمار الدنيا وإصلاحها وإرساء قواعد العدل فيها .. ومحاربة الظلم والطغيان والفساد أهدافا ووسائل لنيل رضا الله .. وجعل الإيمان بالله هو المدخل الرئيسي لكل العبادات والشرائع .. والإيمان بوحدانية الله لن يكون خالصا أو مقبولا إلا إذا سبقه الكفر بالطاغوت ( لا إكراه في الدين .. قد تبين الرشد من الغي .. فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .. والله سميع عليم ) 256 من سورة البقرة .. والطاغوت هو كل ما يفسد الحياة ويطغى على ميزان الحق والعدل والكرامة .. سواء كان بشرا أو حجرا .. ماديا أو معنويا .. لأن الحياة السوية لا تستقيم مع الشرك بالله .. ولا ينتظم إيقاعها إلا بتوحيد الخالق الرازق المحيي المميت المدبر للأمر كله .. ولا معقب لحكمه .. هذا الإيمان هو الذي يجعل الإنسان المسلم أقوى من كل طواغيت الأرض .. ويدفعه إلى الاستخفاف بكل هذه العروش المرتفعة والكروش المنتفخة .. فهو يستند إلى ركن شديد .. ويعتمد على صاحب القدرة المطلقة .. ويتوكل على من لا تنفد خزائنه .. ولكن جموع الأمة الإسلامية اليوم .. رغم الكثرة العددية وضخامة إمكانياتها المادية لا تحقق هذا الإيمان – إلا من رحم الله – لذا .. فهم غثاء كغثاء السيل كما وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم .. لأنهم اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها ويخافونها ويحرصون على إرضائها .. فحين يكون حكام الدول الإسلامية جلهم على هذه الحال المزرية التي نراها .. وهذه الاستكانة والذلة أمام أعداء الله والبشرية .. وتسكت عنهم الشعوب خوفا من بطشهم أو طمعا في عطائهم .. فهذا هو عين الشرك بالله .. وهو الإثم الكبير والذنب الأعظم الذي يقوض أركان الأمة .. ويجعلها مطمعا ومرتعا لكل كلاب الدنيا .. يعبثون بها .. ويجترئون عليها .. ولا يمكن أن ندعي أننا حققنا ركن الإسلام الأول وهو شهادة أن لا إله إلا الله .. وأن محمدا رسول الله .. فالخوف من غير الله شرك أكبر مناقض لشهادة التوحيد .. والخوف على الأجل والرزق هو المظهر المؤكد لهذا الشرك .. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وترك مجاهدة الطغاة والأعداء خروج عن نهج النبوة .. وإعلاء للحياة الدنيا .. وتشبث بأوحالها ( بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى ) 16 – 17 من سورة الأعلى .. وليس مجديا أن نهتم ونعتني بالعبادات والشعائر والشرائع بينما لم نوثق دخولنا من باب الإيمان الرئيسي وهو الإيمان الخالص بالله الواحد .. ولم نحقق الركن الأول من الإسلام .. لقد اكتفينا من الإسلام بمظهره .. وبعدنا كثيرا عن جوهره .. هانحن نرى ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام .. والأموال الطائلة تنفق على هذه الشعيرة وهي الركن الخامس من أركان الإسلام .. لكننا نلاحظ أن غالبية الذين يحجون كل عام قد أدوا حج الفريضة قبل ذلك مرة أو مرتين أو أكثر .. وكثير من الناس تعودوا على الذهاب إلى بيت الله الحرام والمدينة المنورة كل عام وربما أكثر من مرة في العام الواحد .. وهذا شيء طيب ومحمود بلا شك .. لكنه يدخل في باب النوافل .. طالما أدى الإنسان حج الفريضة وهي مرة واحدة في العمر كله .. والأولى أن تنفق هذه الأموال الكبيرة جدا على المستضعفين وذوي الحاجات وأولي الضرر من المسلمين وغير المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم .. ويمكن أن تخصص بعض هذه الأموال مثلا لتزويج الشباب وإحصان البنات من أبناء وبنات المسلمين الذين لا يملكون نفقات الزواج .. وينجرفون إلى المعاصي والمهالك .. أو يصيبهم العنت وترهقهم المشقة .. ويمكن أن تخصص بعض هذه الأموال للإنفاق على المجاهدين في أنحاء الأرض الذين يصدون الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين .. والأولويات المطلوبة كثيرة وملحة للنهوض بالعالم الإسلامي .. لكن الجهود المبذولة في غير مكانها الصحيح كثيرة أيضا .. وليست قاصرة على الحج والعمرة فقط .. فهناك العديد من السنن والمندوبات التي نؤثرها على الفروض والواجبات .. مثل الأضاحي والعقيقة والنذور .. وغير ذلك .. ناهيك عن البدع المتفشية في مجتمعاتنا مثل سرادقات العزاء وأجور المقرئين المبالغ فيها والإسراف في حفلات الزواج وارتكاب المعاصي في الأفراح .. والاحتفال بالسبوع والطهور والأربعين والذكرى السنوية وأعياد الميلاد وغير ذلك من التقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تستغرق وتستهلك أوقات وأموال المسلمين .. وتصرفهم عن جادة الصواب .. وتحيد بهم عن الطريق المستقيم .. بينما الأهل في فلسطين وأفغانستان والشيشان والعراق وغيرها في حاجة ماسة إلى ضرورات الحياة من مأكل وملبس ومسكن .. وغالبا لا يجدون آذانا صاغية .. أو قلوبا واعية .. والكل مشغول في ترفه وخوفه .. .. وتجد الجموع الغفيرة في صلاة التراويح في رمضان وصلاة العيدين في الخلاء .. بينما إذا طلب من هذه الجماهير أن تحتشد قي مظاهرة سلمية لمواجهة الطواغيت الذين يعادون شرع الله ويحكمون بغير ما أنزل الله .. لا تكاد تجد من يلبي .. وكأن كلمة " الله أكبر " لم تغادر حناجرهم .. وشهادة التوحيد لم تحرك قلوبهم .. ولم تحرر مشاعرهم .. مع العلم أن مواجهة الطواغيت هو الواجب الأهم والضرورة الملحة .. إن الأمة الإسلامية الآن في أمس الحاجة إلى تصحيح عقيدتها .. وترسيخ ثوابتها وأركانها الأساسية حتى تستطيع تحقيق الأمل المنشود والنصر الموعود إن شاء الله.