تَشَرَفَت الإنسانية على مر العُصُور بقادةٍ وزعماءٍ أوفياء قدموا لأمَتِهِم أروعَ نماذج العطاء والفداء، منْهُم قادة عسكريون وسياسيون، ومنهم قادة عسكريون فقهاء وعلماء بهروا العالم بإنجازاتهم ورؤيتهم الصائبة، ومنهم قادة عسكريون أفذاذًا بهروا العالم ببطولاتهم وانتصاراتهم العسكرية. ومن أهم هؤلاء القادة رسوخًا في وجدان الأمة : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم- نبي الله داوود- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- الشيخ المجاهد أحمد ياسين. ومن أكثرهم رسوخًا في سجل التاريخ: سيف الله المسلول خالد بن الوليد- ناصر الدين والدنيا صلاح الدين الأيوبي- الملك المظفر سيف الدين قطز- السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح - الشيخ الثائر عمر المختار- أول رئيس جمهورية لمصر لواء أركان حرب محمد نجيب- الرئيس السوداني المشير عبد الرحمن سوار الذهب... وغيرهم من القادة والزعماء. وبالرغم من ذلك كله انقسم الناس في الماضي والحاضر -وربما في المستقبل- بين مؤيدٍ ومعارضٍ للحكم والحاكم العسكري، وممارسة أعمال السيادة، وإدارة شئون البلاد، وتحديد الأولويات الاستراتيجية، والتوجهات السياسية العليا للدولة. وفي حقيقة الأمر لا بد من التمييز بين القائد السياسي المستنير، والقائد العسكري العالم الخبير، والقائد العسكري الممارس المحترف، والفصل بين تلك الحالات جدير بالحذر واجب الاهتمام والتقويم.
وفي مقابل ذلك يجب التعرف على هوية المؤسسة العسكرية في الماضي والحاضر والمستقبل، وهل هي بالدرجة الأولى مؤسسة علمية تحكمها الأسس العلمية العصرية والتكنولوجيا الحديثة في جميع شئونها، أم أنها مؤسسة عسكرية يغلب عليها الطابع العملي والتدريبات العسكرية وتبادل الأوامر الصارمة. كما يجب التعرف على كيفية تعيين القيادات العسكرية العليا كالفريق والمشير، وكذلك قادة الأسلحة والمناطق المركزية وقادة الجيوش. وهل الأولوية للعلماء الأكاديميين والخبراء العسكريين ذوي دراسات أركان الحرب مضافًا إليها المؤهلات العلمية العالية كالبكالوريوس والليسانس، والمؤهلات الأكاديمية العليا كالماجستير والدكتوراه الممنوحة من جامعات محلية أو دوليةٍ مدنيةٍ مُعْتَرف بها، وخبرات وأبحاث وأعمال ما بعد الدكتوراة ، أم أن هناك معايير أخرى تستند على أسسٍ عسكريةٍ بحتة دون غيرها من الأسس. ومن المعلوم أننا أصبحنا نحيا في عالم التكنولوجيا الحديثة وعلوم العصر المتطورة، والابتكارات المتجددة في جميع المجالات. والخبرة العملية وحدها دون أسسٍ علميةٍ راسخة لا تكفي لأغراض الإدارة المتطورة، ولا تفي بمتطلبات المناهج العلمية العصرية، والفكر المستنير، والتخطيط المتكامل. أما الخبرات القيادية المطلوبة فتشمل: أسس علمية راسخة-خبرات أكاديمية متنوعة ومتكاملة-دراسات وخبرات إدارية—ممارسات عملية-خبرات بحثية-أعمال استشارية-مهام تنفيذية حديثة. وكذلك منجزات متطورة، وإبداعات متجددة كالمؤلفات العلمية –نشر أوراق بحثية-إدارة مشاريع بحثية-خدمة المجتمع-تنمية البيئة.
وكما هو معلوم أن القيادات العلمية والخبرات الأكاديمية تشغل مكانًا متقدمًا بين جميع القيادات الاستراتيجية العليا في جميع مؤسسات دول العالم المتقدمة -العسكرية والمدنية على حدٍ سواء- وعلى وجه الخصوص الدول الصناعية الكبرى. ومن المعلوم أيضًا أن القيادات العلمية الراسخة في جميع المجالات هي المنوطة بأعمال التطوير والتحديث، وتحسين كفاءة الأداء، وحسن إدارة جميع الشئون بالداخل والخارج.
فهل سيقتصر تعيين القيادات العسكرية العليا كالفريق والمشير، وقادة الأسلحة والمناطق المركزية، وقادة الجيوش على العسكريين المحترفين غير العلميين؟ ونحن نحيا في عصر العلوم المتطورة والتكنولوجيا الحديثة. وهل الأولوية للعلماء الراسخين في العلم، والأكاديميين المتميزين، والخبراء العسكريين ذوي دراسات أركان الحرب، والدراسات والمؤهلات العلمية الأكاديمية العليا الممنوحة من جامعات مدنية معترف بها بالداخل والخارج -كالماجستير والدكتوراة- ومعتمدة من المجلس الأعلى للجامعات دون غيرها من الدراسات والمؤهلات.
ولنتذكر قول الحق تبارك وتعالى قولاً وعملاً في سورة المجادلة آية (۱۱) بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
أي أن الدرجات العلمية تعلو فوق كل الرتب والألقاب - والله بما تعملون خبير- وكاتب هذا الرأي يؤيد نص وروح آيات القرآن الكريم وهو القول الفصل الذي يَعلو ولا يُعلى عليه، كما أن هذا التوجه يتوافق مع أهدافٍ ثورة 25 يناير للتغيير الجذري الشامل وغيرها من ثورات التصحيح، وتوجهات إيجابية أخرى، مع ضرورة الالتزام بالتوجهات القومية، وتحقيق المصالح العليا لمصر والأمة العربية.
فهل يتبدل حال المؤسسة العسكرية في مصر من واقعٍ نَمَطِي إلى مستقبلٍ علمي واعدٍ بالخير؟ نسأل الله البصيرة قبل البصر.. والهِداية قبل العمل..