نص البيان الصادر عن الشيخ تعليقا على التعديل الدستورى الهادف إلى التمديد لبو تفليقة: الحمد لله القائل في كتابه بشأن فرعون الطاغية "فاستخف قومه فأطاعوه، إنهم كانوا فاسقين" الزخرف54، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي حذّر من إعانة الحكام الكذبة الظلمة، فقال "...من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض" وعلى آله وصحبه أجمين. ها قد أطلعنا على الصياغة الرسمية للتعديل الدستوري الجزئي فلا نملك إلا أن نقول بكل وضوح وصراحة وفي جملة من النقاط تنويرا للرأي العام الداخلي والخارجي.
1- لقد اتّضح من الصياغة الرسمية أن القصد الأساسي ليس هو حماية رموز الثورة لأن ذلك يتولاه قانون العقوبات وليس ترقية حقوق المرأة السياسية لأن ذلك المنصوص عليه دستوريا، وإنما القصد الحقيقي غير المعلن هو تقنين الاستفراد بالسلطة دستوريا وتحييد دور المؤسسات الأخرى وتصبح مجرد أدوات منفّذة لرغبة الرئيس ومن يقف من ورائه من السلطة الفعلية التي جعلت منه مرشحا لها سنة 1999 ورضي هو أن يكون مرشحا على من انقلبوا على الإرادة الشعبية سنة 1992، بل أعطاهم حصانة، والحصانة لا تعطى إلا لمجرم أو أفّاك أثيم، وبهذا التعديل أصبح الرئيس هو المشرّع والمنفّذ والمراقب والمحاسب والمرجع الأعلى وإرادته ورغبته هي القانون. 2- إن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية يجعله في مصاف الطغاة الذين يتلاعبون بإرادة الشعب والالتفاف عليها وهذا ما فعله نابليون بدستور 1802 ووجد فيلسوفا قانونيا يبرر له فعلته الشنعاء وهو جوزيف سيس، وما فعله لويس نابليون بدستور 1851 الذي ضمّنه أفكاره وطموحه ورغبته في الحكم المطلق وكأنه يعمل بقول القانوني الإنكليزي التافه بركلي الذي قال "القانون إنما وضع لخدمة الحكام" وكلنا يعلم أن زعيم الفاشية موسوليني وجد من رجال القانون من يقنن له رغبة في الاستفراد وهو القائل "علي أن أفعل ما أريد ولا أعجز أن أجد أستاذا جامعيا مرتزقا يؤلف نظرية علمية يسند بها ما أفعل"، ووجد إلى صفه الفيلسوف جيوفاني جنتلي والأعجب أن الذين شاركوا في تعديل قانون زروال هم الذين صفقوا لتعديل بوتفليقة، وبعضهم عضو في مجلس الأمة أو الغمة. 3- قال الفيلسوف القانوني توماس بين "الدستور عمل الشعب وليس الحكومة" لكن بوتفليقة يميل إلى دستور يضعف صلاحيات الشعب ويقوي صلاحيات الحاكم على حد قول سمارك الألماني الذي كان يعمل على "خلق دولة قوية ومواطن ضعيف". 4- إن الطريقة الفجة والماكرة التي أراد بها بوتفليقة تعديل الدستور تدل دلالة قاطعة على مدى احتقاره لإرادة الشعب في حرية الاختيار وجوهر التعديل الماكر هو تعديل المادة 74 بغية التمديد لعهدة ثالثة وما عدا ذلك من التعديلات هو من باب ذر الرماد في العيون لا تخفى على البلهاء فضلا عن الفطناء الألباء، إن ما قام به بوتفليقة هو رجوع القهقري إلى الوراء بل ألعن من ذلك بكثير فمن الحزب الواحد إلى الرجل الواحد وهذا خطر على الأمة واستقرارها، إنه اغتصاب وانقلاب ثاني للإرادة الشعبية. 5- كما كان منتظرا من المجلس الدستوري لقد وافق على سائر التعديلات، كيف لا يوافق وهو غير منتخب ورئيسه معين من الرئيس نفسه، رغم أن مهمة المجالس الدستورية في العالم وضع حد للنزوات الاستبدادية والفصل في تنازع السلطات. 6- أما البرلمان فالشعب يعلم علم اليقين أنه فاقد للشرعية ويشكل خطرا على مصالح الأمة، وإنما يمثل أصحاب السلطة الفعلية الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان لخيانة الشعب وتزييف إرادته، وهم إذ صوتوا إنما يصوتون لمصالحهم الشخصية وليس للمصلحة العامة وحتى بوتفليقة لا يحترم البرلمان ذاته كما يشهد الواقع و50% من القوانين إنما تتم بإرادة الرئيس بين الدورتين. 7- إن أجواء تعديل الدستور تمت في جو مغلق لاسيما والنظام السياسي المتعفن يحتكر الأموال لنفسه وحاشيته ويحتكر القوة لقمع الشعب إذا أراد الاحتجاج سلميا، ويحتكر وسائل الإعلام الثقيلة وعلى رأسها تلفزة السلطة، فلا صوت يعلو فوق صوته، بل بعض الصحف المدينة بأموال طائلة تخشى أن تفتح صفحاتها للجناح المعارض والرأي المخالف خشية أن تغلق أو تعلّق، وكأن لها مدير تحرير واحد وأوحد، هذا ما أوصلتنا إليه سياسة بوتفليقة ومن يقف وراءه من مافيا عسكرية ومالية وسياسية والله المستعان.
مما لا شك فيه أن قوة أي دستور إنما تكمن أساسا في مدى شرعيته ولن يكون الدستور قويا وشرعيا إلا إذا انبثق عن جمعية تأسيسية منتخبة تقتصر مهمتها على وضع مشروع دستور تشارك في مناقشته نقاشا عميقا وصياغته كل القوى السياسية الفاعلة المعتمدة وغير المعتمدة دون أي إقصاء أو تهميش، ثم يعرضه نواب الشعب على الشعب الذي يتخذ قرارا بشأنه بالقبول أو الرفض بكامل الحرية والنزاهة. إن الشعب الجزائري الحر لا يمكن أن يقبل أي انتزاع لحقوقه المشروعة المكتسبة من أي شخص مهما كان ولا من أي حزب أو جماعة ضغط، والجبهة الإسلامية للإنقاذ كما رفضت تعديل دستور 1996 الإقصائي ترفض تعديل دستور 2008، الذي يؤسس للاستبداد والحكم المطلق، وسوف يطيح بكل من يريد مصادرة حقوقه المشروعة طال الزمن أم قصر "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
الشيخ بن حاج علي نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائر في 14 ذو القعدة 1429ه الموافق ل: 12 نوفمبر 2008م