عن حزب مستقبل وطن.. جمال أبو الفتوح يُعلن ترشحه لانتخابات الشيوخ 2025    محافظ المنيا يتفقد سير العمل بمحطة رفع صرف صحي بقرية بردنوها    محافظ البنك المركزي يدعو إلى تعزيز كفاءة المؤسسات المالية وتبني آليات مبتكرة لتحفيز استثمار القطاع الخاص    وزير الكهرباء يتابع توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    الثاني خلال 24 ساعة.. وفاة رضيع بسبب سوء التغذية والجوع في غزة    سيارة تدهس حشدا في لوس أنجلوس وتصيب أكثر من 20 شخصا    الأهلي يتدرب على فترتين في معسكر تونس    حبس المتهمين بسرقة أموال جمعية زراعية في الشرقية 4 أيام    ضبط المتهمين بمحاولة النصب على سيدة وإيهامها بشراء طيور ولحوم منها بالقاهرة    قصور الثقافة تشارك ب6 عروض على مسرحي السامر وروض الفرج في المهرجان القومي للمسرح ال18    ليلى علوي نجمة الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    «كتالوج».. مسلسل درامي يلامس وجدان الجمهور بقصة فقد واقعية    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    كنترولات الثانوية.. مصادر: المؤشرات مطمئنة ومرتفعة عن العام الماضي    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    استقبال طلاب 9 كليات التربية النوعية للمشاركة بالملتقى السادس بجامعة بنها    صحيفة: العديد من رسومات ترامب بيعت فى مزادات رغم نفيه رسم صورة أبستين    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    "الداخلية" تواصل فعاليات المرحلة ال 27 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    اتفاقية تعاون بين جامعتي بنها ولويفيل الأمريكية لإنشاء مسار مشترك للبرامج    1072 فرصة عمل ب11 تخصصًا.. بيان من العمل بشأن وظائف الإمارات    «سباكة ولحام ونجارة».. بدء الاختبارات العملية للمرشحين للعمل في الإمارات (تفاصيل)    «طب قصرالعيني» يستقبل المستشار الثاني لسفارة السنغال    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    ب4 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    وزير الري يتابع إطلاق المرحلة الثانية من مشروع إدارة مياه دلتا النيل    وكيل "عربية النواب": مصر والسعودية حجر الزاوية لأمن واستقرار المنطقة    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    بأطلالة متألقة وحضور جماهيري غير مسبوق .. أنغام تتصدر التريند بعد حفلها بمسرح U أرينا ضمن فعاليات مهرجان العلمين 2025    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    بينهم "إليسا والحلاني ونانسي".. نجوم الفن بحفل زفاف نجل إيلي صعب (صور)    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    رفع نواتج تطهير الترع بقريتي الكوم الأحمر والنواورة بأسيوط    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    طريقة عمل البليلة.. وجبة مغذية ولذيذة للفطار أو العشاء    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    ثورة يوليو 1952| نقاد الفن.. السينما.. أثرت في وعي المصريين    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    «شعب لا يُشترى ولا يُزيّف».. معلق فلسطيني يدعم موقف الأهلي ضد وسام أبوعلي    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطهير الثقافي الأمريكى - منير العكش
نشر في الشعب يوم 18 - 06 - 2014

" وقفت بجانب وزير الحرب وقلت له :"إن عليه أن يجمع كل الهنود في مكان مناسب ويذبحهم مرة وإلى الأبد وقلت له : "إذا لم توافق على هذه الخطة ،فإن البديل الناجع هو الصابون والتعليم soap and education ،فالصابون والتعليم أنجع من المذبحة المباشرة ، وأدوم وأعظم فتكًا. إن الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة ،لكنك حين تُعلّم الهندي وتغسله ،فإنك ستقضي عليه حتمًا ، عاجلًا أم آجلًا ، التعليم والصابون سينسفان كيانه ويدمران قواعد وجوده ، وقلت له : "سيدى، اقصف كل هندي من هنود السهول بالصابون والتعليم ، ودعه يموت " .
مارك توين mark twain 1867
لم يكن لفرحي حدود وأنا أرى بين طلاب الفصل الدراسي الجديد فتاة من سكان أميركا الأصليين لا تخطئ العين ملامحها " الهندية " برغم شعرها القصير ومظهرها " الأبيض" المبالغ فيه . كانت فى السادسة عشرَ، وكان اسمها الأول " سِنغ سُك singsouk" ولدهشتي ،فإنني حين ناديتها باسمها لم تجب . ولم ينفع النداء الثانى بل زاد وجهها شحوبًا واضطرابًا وزادنى حرجًا ،ومع انتهاء المحاضرة دَنَت منى ،وقالت وشفتاها ومنخراها يرتجفان:" أرجو أن تناديني جينيفر Jennifer .(اسم إنكليزى حديث نسبيًا ، لم يعرف قبل 1906 ، ويبدو أنه أصول سلتية أو لعله تحريف لاسم Guinevere جينيفر الذى اشتهرت به زوجة الملك آرثر)
هل يزعجك أن تناديني جينيفر ؟ ،لا أريد أحدًا أن يناديني سِنغ سُك".
قرأت الكثير عن ظاهرة " الخوف من الذات autophobia" و"كراهية الذاتhatered self- "و" العنصرية ضد الذات internalized racism" وعن الإرهاب الثقافي والنفسي " الأبيض " الذى جعل بعض السكان الأصليين يعتبر هويته كابوسًا ، ويجاهر بالقول : " أتمنى لو أنني لم أخلق هنديًا "( وهذه ظاهرة منتشرة لدى بعض العرب في الولايات المتحدة وخاصة بين المهاجرين الجدد).
،لكن وجه الفتاة وهي تدعوني إلى أن أناديها باسم إنكليزي ذى أصول سلتية celtic ،وليس باسمها الهندي كان أبلغ من أي كتاب. إنه سرد حي لفصل مأساوي آخر من فصول " فكرة أميركا " فكرة احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة حتّمت على هؤلاء الأشقياء الذين نجوا بأعجوبة من أطول حرب وأدمى إبادة فى التاريخ البشرى أن " يتطهّروا " من أسمائهم وأخلاقهم وثقافاتهم وأجسادهم ويُمثّلوا دور الموتى .
هناك شعوب "هندية " كثيرة لم تفقد أسماءها الحقيقية ،وحسب بل صارت لا تُعرَف ولا تُعرِّف نفسها إلا بالاسم الذى شنّعها به غُزاتُها . ففي عام 1712 مثلا ، أطلق غزاة الشمال الأمير كي على عنقود كبير من الشعوب الناطقة بلغة " أوجيبوا Ojibwa " اسم "سو Sioux " أو " الأفاعي المخاتلة " ،وللمزيد من الإيلام فقد استعاروا الكلمة nadouessioux من لغة الضحايا ، ثم اختصروها إلى " سو " ،للتناغم مع أنظمتهم اللّغوية وترتاح لها حناجرهم المرهفة . ثلاثة قرون وسادِيّة الزنابير تفرض على هذا الضحية القدرية من أبناء شعوب لاكوتا Lakota (تحالف الأصدقاء ) فى سهول الشمال الأمير كي أن يعرّف بنفسه بأنه " أفعى مخاتلة " : " سو" وتُكرهه رسميًا على أن يلقنها لأبنائه وأحفاده إلى أن صارت اليوم عَلمًا عليه وأبرز خصائص هويته .
فى سياق هذا الاقتلاع والإخضاع والتعرية الثقافية ، أو " المحرقة الأخيرة للوجود الهندي " بتعبير رسل مينز Russell means أحد أبرز وجوه الحركة الهندية Indian movement مَسَخَت " فكرة أميركا "جسد ضحيّتها " الهندي " وثقافتَه إلى " مادة ملوّثة مؤذية للإنسان والطبيعة ، لابد من تطهيرها " أو التطهر منها ، بل مَسَخَتها ،كما يقول المؤرخ جيمس راولس james rawls إلى " قذارة أحط من كل القذارات ، وحُثالات دميمة .. تدب مع الهوام والحشرات " ولابد لها من صابون الحضارة. ربما كانت هذه التعرية الثقافية هي التعبير الأمثل عن برامج التعليم التي فرضتها فكرة أميركا ( فكرة احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة ) في مدارس الهنود الداخلية Indian boarding schools حيث تُزرع في الطفل الهندي ذاكرةُ الغزاةِ ولغتُهم وملَكةُ حكمهم ومزاجُهم وأخلاقُهم ودينُهم وحيث يتدرب هذا الطفل الشقيّ على الاشمئزاز من نفسه وأمه وأبيه ،وأخته وأخيه ، وقومه ولغته ودينه ،ويشحن بالخوف من هنديته ،والنظر إلى نفسه وإلى العالم بعيون جلاديه .
في سياق هذه الجراحة الدماغية تركز حرب الإبادة على الأطفال الهنود وعقولهم ،فيُحقن الطفل باحترام الدولة الأميركية وعلَمِها ورموزِها وبضرورة أن يحارب من أجلها ،ويُدَرَّب على الإيمان بفكرة " القدر المتجلي manifest destiny " الذى قضى بزحف " الحضارة " فوق كل أراضي وأرواح الهنود ، وهنا يتعلم الطفل أن ما جرى لأهله وبلده كان مواجهة بين بربرية وحضارة ،وأن لا خيار أمامه ولا أمل لديه إلا بالإذعان، وفعلًا ،فقد نشرت مجلة Atlantic (نوفمبر /ت 2، 1882 ) مقالا بعنوان " كيف يمكن للهمج الأميركيين أن يتحضّروا؟" ذكرت فيه أن هدف تعليم الهنود هو" أن ينظروا بمشاعر الاشمئزاز إلى هنديتهم look with feeling of repugnance on their native state".
مما يتعلمه الطفل الهندي فى هذه المدرسة مثلًا أن ما جرى لبلاده التي سُلبت وقومه الذين أُبيدوا كان من نعم الله عليه أن يتعلم أن هذه البلاد ( أميركا ) وطن أسسه حجّاج / قديسون ( من أوصاف المستعمرين الأوائل ) وَرِعون مسالمون تجشموا مخاطر الإبحار فى المحيط ابتغاء مرضاة الله ونزولا على إرادته .. }وأن{ هذه البلاد لم تكن قبل مجيء الإنسان الأبيض إلا مجاهل تسكنها الوحوش وكائنات ما دون البشر لا تختلف عن تلك الوحوش ،لهذا اعتدت على رسل الحضارة الذين تميزوا بالنبل والخير والشجاعة وكانوا مثالا يحتذى فى تنفيذ إرادة الله ( هناك الكثير من مثل هذه العجرفة الزنبورية)
ويبين المفوض الهندي توماس مورغن Thomas Morgan طبيعة ما يجب أن يتعلمه الطفل الهندي ،ليصبح متمدنًا ،فيقول:
"لا بد من غرس محبة الدولة الأميركية في عقله وقلبه وعليه أن ينتظر إلى الولايات المتحدة ،كوطن صديق ضحّى من أجله وأعطاه الكثير عليه أن ينسى ما يقوله عن أهله عن البيض ويعرف أن كل ما حصل كان لمصلحته عليه أن يتخذ من أبطال التاريخ الأميركي وعظمائه مثالا يحتذى، وأن يشعر بالفخر بما أنجزوه وعليه أن لا يسمع أو يعرف شيئًا عما جرى للهنود ،أو عمّا يسمى بظلم الإنسان الأبيض للهنود ،فإذا كان تاريخه التعيس يشير إلى شيء مما جرى، فإن من الواجب نفي ذلك كليًّا وإفهامه أن ما حصل كان لمصلحته وأن مستقبلًا باهرًا ينتظره.
وعلى الرغم من أن الهنود ،كما تقول باولا غَن آلن Paula gunn Allen الشاعرة والباحثة الأكاديمية " يغتسلون أكثر من الأوروبيين" ( لهذا ربما غثت نفس الهنود من الرائحة الكريهة التي كانت تفوح دائمًا مما يسمى ب" الحجاج " الإنكليز الذين جاءوا على متن السفينة ما يفلور وأسسوا مستعمرة بليموث ، ولقد جهد الهنود فى إقناع رسل الحضارة بضرورة الاغتسال اليومي ،ولكن عبثًا ، أكثر من ذلك ، فمن المؤكد أن سكان شمال أوروبا وبريطانيا بشكل خاص كانوا نادرًا ما يغتسلون ،وكانوا يعتبرون الاغتسال عادة غير صحية ، ويرون في تغيير الثياب على مدى سنوات أمرًا معيبًا .
يقول روبرت لويب مؤرخ مايسمى بالحجاج :
وأن معظمهم تعود على شظف العيش crude way of living في إنكلترا، لهذا (قال هنديّ لآخر: ) قبل أن يصل ( المستوطن ) جون :"ستجد أنه هو وعائلته على غرار كل الذين هنا (من المستوطنين ) تفوح منهم رائحة كريهة خاصة حين تضطر إلى أن تكون معهم فى مكان مغلق" ، ويضيف المؤرخ لويب مفسرًا: ذلك؛ لأنهم لا يغتسلون ولا يعرفون الحمّام ، ليس هذا بسبب الكسل ،بل لأنهم يعتقدون أن تنظيف الجسم بالصابون والماء مضر بالصحة ، ومما يزيد الأمر سوءًا أنهم لا ينظفون ثيابهم سوى مرة أو مرتين فى السنة، وبما أنهم جميعًا تفوح منهم نفس الروائح الكريهة ،فإنك لا تجد أحدًا منهم يستهجنها) .
بل على الرغم من " أن الأوروبيين كانوا يسخرون من عادة الاغتسال اليومي صباحًا لدى الهنود " بشهادة شاهد عيان هو الرحالة البريطانى جون لوسون john Lawson ،فإن " ثروة الأمم " ،إمعانًا فى السادية لم تكتفِ بوصف الجسد الهندي بالقذارة وبأنه " مادة ملوّثه مؤذية للإنسان والطبيعة لا بد من تطهيرها"،
والتطهر منها ،بل إنها استثمرت ذلك فى الدعاية لمنتجاتها ،فشركة بروكتر أند غامبل procter and Gamble مثلًا نشرت إعلانًا عن صابون آيفوري lvory الذى تنتجه لا يقل بلاغةً عن وجه الفتاة سِنغ سُك ،كان الإعلان مرفقًا برسم مهين يَظهَر فيه الرجل الهندي ،وهو يرتدي ما كان يرتديه الرئيس جورج واشنطن في المناسبات الرسمية ،ويعتمر قبعة العم سام ، وينشد "قصيدةً" هجائية لنفسه وقومه يوحد فيها بين القذارة البدنية والنفسية وبين الإنسان الهندي ،ويتهم نفسه وأهله بالتوحش والعنف والولوغ في دم المستوطنين الأبرياء:
لطالما كنا صعاليك متوحشين مخيفين /لا تستهوينا فنون السلام / نلتحف أغطية ملوثة بالشحم / ملطخة بلحم الجواميس ودم المستوطنين!/ وكنا في قيظ الصيف وغباره / لا نغتسل إلا نادرًا ،من شهر إلى شهر / لكن صابون آيفوري كان شعاعًا من الضوء / غسلَ حياتنا الشقية بالنور. / وها نحن الآن ،بفضل صابون آيفوري، متمدنون طيبون / نحترم القوانين كما ينبغى / ونلبس الكتّان والشاش والمشدات / تماما كما يلبس بيض الوجوه من الناس / لهذا فإنني أحمل معي حيثما اذهب / قطعة من صابون آيفورى / لأُشهِد العالمَ على ما تكرمت به المدنيةُ عليّ وعلى زوجتي / وكيف طهرتنا وجعلتنا بهجة للناظرين.
فى كتابه الوثائقيّ عن السياسة الأميركية تجاة السكان الأصليين يخصص الأب اليسوعي المؤرخ فرانسيس بروشا Francis Paul prucha فصلًا كاملًا لحرب التطهير الثقافية التي استعان فيها الزنابير بسلاح التعليم والتمدين على إبادة السكان الأصليين بالطريقة التي استعانوا فيها بالنار والحصار وسلاح الجراثيم، وكذلك فعل دافيد والَس آدامس David Wallace Adams في كتابه الذي يفصح عنوانه عنه " تعليم بهدف الإبادة education for extinction " الحائز على جائزة the caughey western history association فى التاريخ ،هنا يتفق الكِتابان والكَاتبان على أن الذى تولى حرب التطهير الثقافية وألحق أكبر الضرر بثقافات الهنود وأديانهم ،وحياتهم وأملاكهم أيضًا ،هو " مكتب الشؤون الهندية "،أو ما يمكن تسميته باصطلاحاتنا الحديثة: السلطة الوطنية الهندية ،وكان هذا المكتب قد تأسس في عام 1806 باسم "مديرية الشؤون الهندية" ،وأُلحِق بوزارة الحرب الأميركية قبل أن يُلحق بوزارة الداخلية في 1869 ،ويتولى رئاسته الأولى نكرة من هنود الإروكوا Iroquois يدعى ها سانواند Hasanoanda ،لكنه سمّى نفسه إيلي صاموئيل باركر Ely Samuel parker وقص شعره وبالغ في " بياض " مظهره حتى قيل إنّه كان يُحلي قَبَّة قميصه المُنَشّاة بعقدة رقبة على شكل فراشة papillon لا يخلعها إلا في الفِراش، كل الطواويس الذين عملوا فى هذا المكتب " خَلَقَهم " الزنابير لإعطاء وجه هندي لفكرة أميركا ،فكرة احتلال أرض الغير ،واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة طواويس منفوشة الذيل تبدو لمن أمامَها بهجة للناظرين ،أما أهلها الذين يقفون خلفها ،فيرون منظرًا مختلفًا لا يسر العين .
لأكثر من قرن كان هذا " المكتب " يلجأ إلى كل وسيلة متاحة ،بما فى ذلك العنف والخطف لاقتلاع أطفال الهنود من أحضان أمهاتهم وثقافاتهم فى أصغر سن ممكنة ( الرابعة فى أغلب الأحيان ) وشحنهم إلى معسكرات أشغال شاقة سميت تجاوزًا بالمدارس،
أولًا : ليتعلموا كيف ينظرون إلى أنفسهم والعالم بعيون غُزاتهم ،
وثانيا: ليعملوا بالسخرة في المصانع والمزارع الملحقة بهذه المدارس ،
وثالثا: ليكونوا ألغامًا أو أحصنة طروادة فى حرب تجريد الهنود من "هنديتهم " ،وتزييت جَرَّافة الاستيطان ،والنهب والإبادة الجسدية. ( لا يستطيع المرء إلا أن يربط هنا بين ما جرى فى هذه المدارس التي أفنى فيها ربع الهنود الناجين من مختلف أشكال الإبادات وبين تصريح لكونداليزا رايس ( يوم كانت مستشارة للأمن القومي ) حول ضرورة "تغيير العقل العراقي ،كمقدّمة لتغيير العقل العربي " ،وعشرات التصريحات والتلميحات الأميركية الرسمية إلى ضرورة إعادة النظر في مناهج التدريس العربية وضرورة استئصال جذور الكراهية في الثقافة العربية السائدة وفرض رقابة على ثقافة المساجد ،ووضع حدًّا لما يسمى بعداء السامية فى وسائل الإعلام ،وبذل كل مستطاع ،لتغيير سلوك العرب ونظرتهم السائدة للولايات المتحدة وإسرائيل ،بل وعن ضرورة قصف العواصم العربية بالقنابل النووية في حال فشل مثل هذه المحاولات ،منها: "إن الغالبية العظمى من الأميركيين تتمنى أن ترى قنبلة نووية تُلقى فوق عاصمة عربية كبرى ،ولا يعنيهم أن يعرفوا ماهي ،إنهم يريدون استخدام السلاح النووي دونما تحفظ ،إن الغطاء الملوث بجراثيم الجدري الذى أعطى لهنود الشيروكي أثناء مسيرتهم }نقلهم بالقوة فيما يعرف بمسيرة الدموع{ غربًا يعتبر شيئًا تافهًا قياسًا بما أتمنى أن يُصار بهؤلاء الناس". ميشال سافاج ،مذيع وكاتب شعبي واسع الانتشار .
ولكي تؤتي هذه الأهداف النبيلة ثمارها كان لابد للمدارس الهندية من نظام عسكري صارم تَوَلّى فرصة جنرالات " فكرة أميركا " وجنرالات " ثروة الأمم " وطواويس الاستعمار الداخلي في " مكتب الشؤون الهندية ) ،فقضى " بموجب الإحصاءات الرسمية على أكثر من 50 بالمئة من هؤلاء الأطفال ،وبكلمة أخرى قضت هذه المدارس على ربع الهنود الناجين من المذابح المباشرة على مدى خمسة أجيال متعاقبة " ( ولم يكن أطفال الهنود فى كندا أفضل حالا من إخوانهم فى الولايات المتحدة،فقد صرح دنكن كامبل سكوت أن تلاميذ هذه المدارس لم يعيشوا ليستفيدوا مما تعلموه وأنهم قضوا قبل أن يتخرجوا منها، وكحالهم في السجون ومعسكرات التعذيب، فقد كانت إدارة المدرسة حين تشعر باقتراب الطفل من الموت ترسله، ليموت عند أهله، وبذلك لا يدخل في إحصائيات موتى المدرسة.
وقد اعترف مفتش الشؤون الهندية وليم مكورنل أن مئات الفتيان والفتيات أرسلوا على عجل ليموتوا عند أهلهم عام 1899) .
كان الكونغرس قد أولى " مكتب الشؤون الهندية " سلطةَ فرضِ عقوبات اقتصادية وجسدية على الآباء الذين يرفضون تسليم أولادهم إلى " وكلاء " هذه المدارس (و نادرًا ما كان يوليه سلطة ) ،بذلك كان زبانية " المكتب " ( والجيش ، فى حالات الاستعصاء ) يقتحمون المعزل الهندي ويحصدون كل أطفاله ،مع التهديد في بعض الأحيان بالقتل والسلخ kill and scalp ، لأن فى ذلك مصلحة الأطفال (لطالما كان تفسير الحكومة وعملائها لرفض الآباء تسليم أولادهم "أن هؤلاء لم يتمدنوا وأنهم ينظرون إلى التعليم نظرة الحيوانات إلى الدستور". انظر التقرير السنوي لمفوض الشؤون الهندية إلى وزير الداخلية

أما مفوض الشؤون الهندية وليم دول فبرر "القتل والسلخ" بأنهما ضروريان "لإنقاذ أطفال الهنود من العادات الكريهة لآبائهم ومن لا أخلاقيتهم" ، وهناك من وصف تعلق الطفل الهندي بآبائه بأنه مثل "علاقة الخنزير بقطيعه" . انظر:

صحيح أن هذه المدارس كانت عملًا مؤسساتيًا لعزم الزنابير على قتل هندية الطفل وزرع دماغ أبيض فى جمجمته ،لكنها كانت تُعرض على أنها رحلة شيقة تأخذ الأطفال الهنود من ظلمات الهمجية إلى أنوار الحضارة ، أما بالنسبة للطفل وأهله ،فإنها كانت رحلة بلا عودة ،ولا سيما بعد 1870 حين رسا القرار على نقل المدارس بعيدًا عن المعازل وألقى الهندية للحيلولة دون أي تواصل بين الأطفال وأهلهم، وحيث لا طاقه لهم على مثل هذا التواصل ،كما اقترح المفوض لدى الأباشي ، وكما تأكد ذلك فى عدد من التقارير السنوية لمفوضي الشؤون الهندية ).

تلك المصلحة النبيلة التي تحتاج إلى القتل والسلخ ختمت فصلًا جديدًا من تراجيديا الإبادة ،" فالهدف النهائي لهذه المدارس هو القضاء نهائيًا على الهنود " ، كما يعلن ذلك آلن هاربر Allan Harper أحد أبرز المعنيين بالسياسة الهندية ورئيس جمعية الدفاع عن الهنود الأميركيين the American Indian association .
من أبسط العقوبات التي تفرضها الحكومة بالتعاون مع " مكتب الشؤون الهندية " فرض حصار خانق على المعزول الهندي الممانع ،وقطع إمدادات التموين عنه لفترة طويلة، يليها اقتحام المعزل بالقوة واعتقال الآباء ،وخطف الأبناء وقتل القادة والزعماء، وهذا ما اضطر كثير من الآباء إلى الفرار بأولادهم والاختباء فى الجبال أو الغابات ،فيما كان زبانية المكتب ،كما يقول المدير المسؤول عن معزلٍ للهنود الأباشي : " يطاردونهم ويصطادونهم كالأرانب البرية" ( فى موسم قطف الأطفال ،مع بداية فصل الخريف تتخذ مقاومة الآباء لخطف أولادهم أشكالًا مختلفة،كأن يقف المعزل صفًا واحدًا فى وجه زبانية الحكومة ومكتب الشؤون الهندية ، أو الهرب بالأطفال إلى الجبال والغابات ، كما أن هذه المقاومة تستمر إلى ما بعد نقل الأطفال إلى المدارس إما بتنظيمِ عمليات تهريب فردية أو باقتحام جماعي للمدرسة وتحرير الأطفال ، أو باللجوء إلى القضاء الذي لا تتجاوب الدولة مع أحكامه تصدر لصالح الهنود ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.