أنتم تحشدون وتخطبون الناس وتتظاهرون منذ قرابة عام , فما هي النتيجة ؟! السيسي أصبح رئيسا للجمهورية !! هذا هو لسان حال الجاهل أو المثبط !! أقول : وكأنه لم يطلع على الحديث الشريف الطويل , وفيه : ( والنبي وليس معه أحد ) , فهذا نبي من أنبياء الله المعصومين , لا يشك أحد في الجهد الذي بذله , ولا التضحيات التي قدمها , وفي النهاية يأتي يوم القيامة وليس معه أحد , نعم ولا شخص واحد آمن به !! نحن نسلك طريقا نؤمن به , ونبذل كل مانستطيع - على ضعفنا وتقصيرنا وجهلنا - ولا ننتظر النتائج , فالنتائج في علم الغيب , وتأتي وفق مشيئة الله وحكمته , فقد تقتضى حكمته تعالى أن يتأخر النصر لسنين وربما لعقود , ولكن السنن الكونية والشرعية تؤكد أنه آت لا محالة . يقول الأستاذ الشهيد بإذن الله ( سيد قطب ) - نور الله ضريحه - في واحد من أروع النصوص التي قرأتها له , يوضح فيه أسباب تأخر النصر , فاقرأه بتدبر : قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ، ولم يتم بعد تمامها ، ولم تحشد بعد طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً !! قد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً ، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله. قد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله. قد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل ؛ ولا تجد لها سنداً إلا الله ، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء , وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله. قد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه ، أو تقاتل حمية لذاتها ، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه. قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصاً ، ويذهب وحده هالكاً ، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار !! قد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً , فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه ، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة . فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس ، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية !! قد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعدُ لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستبقائه !! من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله ، قد يبطئ النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام , مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.