"إننا جميعًا في حاجة إلى إعادة توزيع الأدوار من جديد.. ليتكلم رجال الدين في الدين، وليتكلم رجال السياسة في السياسة، أما أن يرفع رجال الدين شعارات السياسة إرهابًا، ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطابًا، فهذا هو الخطر الذي يجب أن ننتبه له"، مقولة شهيرة للكاتب الكبير فرج فودة، منذ الثمانينيات، تجسدت معانيها في القرن الحادي والعشرين. تسييس المساجد فبعد أن اعتلى المنابر أئمة انتهكت حرمة المساجد، فاعتزلت الدين واتجهت للحديث عن السياسة، انقلبت الموازين بالمجتمع، وتغيرت سلوكياته، فتبدل حاله من "شعب متدين بطبعه"، إلى مجتمع ترتعد فتياته رعبًا من التحرش والاغتصاب، فواقعة التحرش بالفتيات بميدان التحرير، كشفت عن غياب الوعظ الديني، والتقصير الدعوي من قبل أئمة وزارة الأوقاف. لن يختفي التحرش إلا بضبط الخطاب الديني، هكذا رأت الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت، وهو ما أكده عبد الغفار هلال، الداعية الإسلامي والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، مؤكدًا أن غياب الخطاب الديني بالمساجد والإعلام، له عامل كبير في تفاقم ظاهرة التحرش، لافتًا إلى أن الفترة الماضية كثُر فيها الحديث بالسياسة داخل المنابر، وابتعد أهل الدين عن الحديث بالدين، مشددًا على ضرورة عودة المساجد لرسالتها التي أنشئت من أجلها وهي نشر القيم والأخلاق.
لبس الفتاة وأضاف الداعية الإسلامي، أن الخطاب الديني يجب أن يركز على ثواب من يخشى الله، وعقاب من يخالف أوامر الله، متوجهًا للأسرة، قائلًا: "يجب أن تحرصوا ألا تخرج فتياتكم بملابس تكشف أعضاء جسمها، بما يثير الغرائز، حتى لا تقع فريسة بين يد الآثمين". وأوضح أنه لا يمكن أن نوجه اللوم للفتاة على ملابسها، ولكن اللوم على الشباب الذي لا يخاف الله، ويستغل كل باب لارتكاب الجريمة، مشيرًا إلى ضرورة فتح باب الزواج أمام الشباب، بأن توفر الدولة فرص عمل، وتيسيرات للمقبلين على الزواج، وألا تتطلب الأسرة مهورًا غالية.
الإعدام شرعًا وعن عقوبة المتحرش، قال أستاذ جامعة الأزهر، إن الإعدام عقوبة الزاني بالإسلام، فمن يتحرش لحد الزنا عقوبته القتل، ومن يتحرش لفظيًا وبالتلامس الطفيف، عقوبته الحبس المشدد، رافضًا مطالبة بعض النشطاء ب"إخصاء الذكر"، مؤكدًا أنه ليس من الإسلام لأنه تشويه للجسد.
تجريف الإسلام وأكد أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن للخطاب الديني دورًا كبيرًا، في الحد من ظاهرة التحرش، ولكن بوضع ضوابط، بحيث يركز الخطاب على تجريم مقدمات الفاحشة والزنا، والمعروفة إعلاميًا ب"التحرش الجنسي". وشدد كريمة على ضرورة استمرار المعالجة الدينية لفترة بعيدة، ولم يكن رد الفعل إلى أن يتلاشى الحدث، مقترحًا مبادرة بعمل عام يسمى "أخلاقيتنا"، ويكون فيه حشد دعوي وعلمي وإعلامي وثقافي، وأن تكثف القوافل الدعوية نشاطها، وأن يكون هناك "الإمام الزائر"، الذي يقوم بزيارات ميدانية للأسر لتوعيتهم بعقوبة التحرش عند الله. وأشار أستاذ الشريعة، إلى أن هناك تجريفًا للفكر الإسلامي منذ 40 عامًا، وحصادًا مرًا، على إثره ضاعت الأخلاق وانحرف الشباب عن تعاليم الدين، مشددًا على أن عقوبة المتحرش ستكون ردعًا لغيره، مضيفًا أن العدالة البطيئة في عقوبة المتحرشين، والتي تصل لسنوات حتى يصدر حكم قضائي بحقه، تعد مشاركة بالجريمة.
تربية الأوقاف عبد الستار مأمون، مهندس، شاهد على غياب الخطاب الديني، وتقدم بكثير من الشكاوي لوزارة الأوقاف، فما رآه بعينيه من اعتلاء أشخاص ليسوا من أهل الدين للمنابر داخل القرى، وإدلائهم بخطب وأحاديث محرضة، جعله يسرع بالشكوى للوزارة، ولكنها لم تحرك ساكنًا.
يقول عبد الستار: "لما وزارة الأوقاف تتربى الأول يبقى الشباب يتربوا، معظم الأئمة مجرمين، مش بيروحوا المساجد أصلًا، وبيدوا الفرصة للمجرمين يدخلوا المساجد ويخطبوا بالناس ويقولوا اللي هما عاوزينه ويفسدوا الشباب، علشان نواجه التحرش لازم نصلح وزارة الأوقاف".