إستدراكًا لمقالة الرأي المنشورة بجريدة الشعب الجديد يوم الخميس الموافق 13 فبراير 2014م وجريدة المصريون يوم السبت الموافق 15 فبراير 2014م بعنوان "رؤساء مصر في الميزان" والتي عرضنا فيها مقارنًة شاملًة لأداء جميع الرؤساء السابقين الذين حكموا مصر حُكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م، ابتداءً بالرئيس المعزول محمد نجيب، ثم الرئيس المهزوم-عسكريًا- جمال عبد الناصر، ثم الرئيس المغتال أنور السادات، ثم الرئيس المخلوع-المتخلي- حسني مبارك. وكذلك تقييم مجمل المنجزات والمساوئ، ومقارنة جميع المزايا والعيوب. نقدم للقارئ في هذه المقالة موجزًا لسمات عهد الرئيس مرسي، وأهم المُنْجزات والمساوئ، ومقارنة مجمل المزايا والعيوب لذلك العهد. فمن أهم مُنْجَزات عهد الرئيس محمد مرسى الذى تولى حكم مصر فى يونية 2012م بعد انتخابات رئاسية نزيهة شهد بها العالم: عدم سَجْن أو اعتقال أي سياسي, إطلاق الحريات على نَسَقٍ غير مسبوق, طرح مشروعاتٍ تنموية لممر قناة السويس لإقامة مجتمعات صناعية لوجستية، طرح مشروعات تنمية سيناء، توقيع اتفاق لإنشاء مجمع صناعى ألمانى لانتاج خلايا الطاقة الشمسية، إعادة تشغيل مصانع النصر للسيارات لإنتاج السيارات المصرية، توقيع اتفاق مع شركة سامسونج العالمية لإنشاء أول مصنع فى الشرق الأوسط للصناعات الإلكترونية باستثمارات تقدر بنحو تسعة مليارات جنيه. إحياء العدالة الاجتماعية والبداية الجادة نحو وضع ضوابط تشريعية وقانونية للحد الأدنى والحد الأقصى للرواتب والأجور، تحويل جميع عقود الوظائف الحكومية المؤقتة منذ سنواتٍ طويلة إلى وظائف دائمة مكتملة المزايا والحقوق، بداية تصحيح رواتب أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بالجامعات والتي كانت محددة ومجمدة منذ عشرات السنين.
ومن أهم مساوئ ذلك العهد: حل مجلس النواب لعدم دستورية قانون الانتخابات النيابية الذي شاركت فيه جميع الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة، دون تروي أو حذر، ودون دراسةٍ وافيةٍ، والتهاون في قبول هذا القانون المعيب. عدم واقعية تحقق إنجازات المائة يوم التى وعَد بها الرئيس مرسي بسبب تراكم المشكلات، وتدهور الأوضاع من العهود البائدة، وكذلك بسبب تخاذل القوى المضادة وتقاعسها المتعمد عن ترسيخ حكم الرئيس مرسي، عدم السعي نحو تأسيس شراكةٍ حقيقيةٍ مع القوى الثورية والكيانات السياسية الأخرى , التورط فى صدامٍ غير مُبَررٍ مع القضاء والمثقفين وبعض الفنانين، تعيين مستشارين لرئاسة الجمهورية من أهل الثقة دون أهل الخبرة، عدم السعى نحو تشكيل حكومة توافقية تُرْضى جميع الأطراف للمشاركة فى بناء كيان سياسي جديد، اختزال ثورة 25 يناير في فصيلٍ واحدٍ وعدم استقطاب خبراتٍ راسخةٍ قادرةٍ على تحقيق آمال الثورة وتطلعات الجماهير، عدم القدرة على إحياء روح التآلف والمودة وتعزيز الثقة المتبادلة بين جميع طوائف الشعب وأفراده. اللجوء إلى العنف في أحوالٍ كثيرة، وتعذيب بعض المواطنين دون مبرر.
ومنذ تولي الرئيس المنتخب -لأول مرة في تاريخ مصر- الأستاذ الدكتور محمد مرسي الحكم وحتى الانقلاب ضد الشرعية في تجمعات حشود 30 يونيو، وعزله قهرًا في 3 يوليو، تعالت الهتافات المطالبة بإجراءاتٍ إصلاحيةٍ استثنائيةٍ، وانتخاباتٍ رئاسيةٍ مُبَكِرة غير دستورية، رفض الرئيس مرسي بعضها، ووافق على البعض الآخر، فكانت المطالبة بإسقاطه والتنديد به، والتنكيل بجماعة الإخوان المسلمين الممثلة سياسيًا بحزب الحرية والعدالة لأسبابٍ عديدةٍ، بعضها منطقي حقيقي يمكن تداركها وتصويبها من خلال القوانين والتشريعات الدستورية التي نسجها الشعب، والبعض الآخر وهمي مبالغٌ فيه ولا أساس له من الصحة. وفي حِينِها تكالبت جميع قوى التمرد المضادة، والحشود الشعبية -بوعي أو بغير وعي- وبمؤاذرة الجيش أعلن وزير الدفاع والانتاج الحربي استجابته لمطالب الحشود الشعبية المنقسمة وعَزَلَ الوزير المعين رئيس الجمهورية المُنْتخب دون سندٍ دستوري، ودون الرجوع إلى مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية، وتم تعطيل دستورٍ ثوري مُكْتَمِل الأركان الشرعية، ومستوفي الإجراءات القانونية . كما تم الإعلان عن "خارطة المستقبل" لإحياء نظامٍ سياسي مُسْتَهْجَن على أنقاض نظامٍ سياسي شرعي- بما له وما عليه- نَسَجَه شعب مصر بإرادة حره، وذلك بانتخاب أعضاء البرلمان، وانتخاب رئيس الجمهورية، والموافقة على دستورٍ توافقي بأغلبيةٍ غير مسبوقةٍ دون تقصيرٍ أو تقييد. توالت أحداثٌ مؤسفةٌ لا يعلم مداها إلا الله، تبدد الشمل وانقسم شعب مصر إلى فرقٍ متناحرةٍ وفصائل متصارعة. وعانت مصر وما زالت تعاني أعمال التخريب والعنف والتفجيرات وجرائم القتل والاغتيالات بين أبناء الوطن الواحد حكومًة وشعبًا والتي شمِلَت المدنيين والعسكريين من أبناء ورجال الجيش والشرطة.
وعلى ما سبق وإحقاقًا للحق يمكن تقييم الأداء النسبي للرئيس محمد مرسي وحكومته، والتعرف على معايير التقييم، من خلال مقارنة أداء جميع الرؤساء السابقين الذين حكموا مصر حُكْمًا جُمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ، ابتداءً بالرئيس المعزول محمد نجيب، وانتهاءً بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا وهي أقصر مدة للحكم في تاريخ مصر، وكذلك تقييم مجمل المنجزات والمساوئ، ومقارنة جميع المزايا والعيوب. وفي بداية الأمر ونهايته الحكم لله.. هو أحكم الحاكمين.. ولله عاقبة الأمور.. *أستاذ متفرغ