العام الهجري الجديد.. فضائل شهر محرم وأسباب تسميته بهذا الاسم؟    وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    «عنده ميزة واحدة».. أول رد من الزمالك بشأن مفاوضات محمد شريف    فاجعة جديدة في المنوفية.. مصرع 3 من أسرة واحدة في حادث على كوبري قويسنا    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    دون فلتر.. طريقة تنقية مياه الشرب داخل المنزل    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    رئيس الجمعية الطبية المصرية: دعم استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    أسماء أبو اليزيد: الضرب في «فات الميعاد» مش حقيقي    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    الخارجية الأردنية تعزى مصر فى ضحايا حادث التصادم فى المنوفية    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    عراقجي: إسرائيل اضطرت للجوء إلى الولايات المتحدة لتجنب قصفنا الصاروخي    جيش الاحتلال يصيب 4 فلسطينيين بالضفة    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    شيخ الأزهر ينعى فتيات قرية كفر السنابسة بالمنوفية ضحايا حادث الطريق الإقليمي    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    رافينيا يوجه رسالة إلى ويليامز بعد اقترابه من الانضمام إلى برشلونة    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    شيماء طالبة بالهندسة.. خرجت لتدبير مصروف دراستها فعادت جثة على الطريق الإقليمي    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    مصرع صياد وابنه غرقا في نهر النيل بالمنيا    «الزراعة»: ملتزمون بالتعاون مع إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل أكثر كفاءة    هدير.. طالبة التمريض التي ودّعت حلمها على الطريق الإقليمي    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    15 نقطة تبرع وماراثون توعوي.. مطروح تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم بشعار تبرعك يساوي حياة    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤساء مصر في الميزان
نشر في المصريون يوم 15 - 02 - 2014

بعيدًا عن الترهات والمبالغات ، ودون انحياز أو إسفاف ، وللحق والإنصاف يجب تقييم أداء الرئيس محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا من خلال تقييم أداء جميع من حكموا مصر حُكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ابتداءً بالرئيس المعين محمد نجيب، وانتهاءً بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
استمرت ثورة 23 يوليو فى سنواتها الأولى بقيادة اللواء أركان حرب محمد نجيب وهو أول رئيس يحكم مصر حكمًا جمهوريًا. أعلن نجيب مباديء الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية، وكان له شخصيته وشعبيته المحببة في صفوف الجيش والشعب المصري حتي قبل الثورة لدوره البطولي في حرب فلسطين. استمر نجيب في حكم مصر بعد إعلان الجمهورية في الفترة من 18 يونيو 1953م حتى 14 نوفمبر 1954م، والتى أفضت إلى خلافٍ جذرى بين محمد نجيب الذى طالب بعودة الضباط الأحرار إلى ثكناتهم العسكرية، وتسليم السلطة إلى المدنيين، وعودة الحياة النيابية، وبين مجلس قيادة الثورة العسكري الذى قرر بإجماع آراء أعضائه القيام بدور المستبد المصلح، واكتساب صلاحيات شاملة، مما جعله وصيًا ومراقبًا على الشعب فى جميع مؤسسات الدولة.
حُسِمَ الخلاف بين مجلس قيادة الثورة والرئيس محمد نجيب بعزله من منصبه، حيث عزله المجلس بسبب إصراره على عودة الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية. وُضِعَ الرئيس نجيب تحت الإقامة الجبرية مع أسرته بعيدًا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة، مع منعه تمامًا من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، كما تم شطب اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية. وفي سنواته الأخيرة نسي كثيرٌ من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة حتى فوجئوا بوفاته في28 أغسطس 1984. وكان عزل محمد نجيب ووضعه تحت الحراسة الجبرية مع أسرته بداية المأساة الكبرى التى أدت إلى تحجيم الممارسات الديمقراطية، وتقويض الحياة النيابية الفعالة والشروع فى عسكرة الحياة المدنية فى مصر.
بعد عزل محمد نجيب توالت ممارسات عسكرة الحياة المدينة بمصر، حيث انطلق الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة بقيادة رئيس الجمهورية الجديد جمال عبد الناصر بتبديل وإحلال معظم القيادات المدنية بالقيادات العسكرية الحربية غير الناضجة، وغير المؤهلة لممارسة العمل السياسى، وتسيير شئون البلاد بدعوى ترجيح أهل الثقة والضبط والربط على أهل السياسة والخبرة، مما أحدث فجوة كبرى فى مسيرة مصر نحو الديمقراطية الحقيقية، وأعاق تشييد مصر العصرية على أسس علمية وتخطيط متكامل.
وقد كان لثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر انجازات وإيجابيات عديدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا... وغيرها من الإنجازات على المستوي المحلي والعربي والدولي. وقد كانت السمات الكبرى لعهد عبد الناصر الحكم الشمولى، وتعزيز المبادئ الاشتراكية، والاندماج الوثيق الصلة مع الكتلة الشرقية (وعلى وجه الخصوص الاتحاد السوفيتى)، ومناصرة الدول العربية والإفريقية لنيل استقلالها من الاحتلال الأجنبى. ومن أهم المبادئ السياسية للثورة والتوجهات الخارجية لجمال عبد الناصر الدعوة الى وحدة ونهضة الأمة العربية، وازدهار وتعزيز القومية العربية، وترسيخ مبادئ الحياد الإيجابى والتعايش السلمى.
ومن الأخطاء الكبرى لذلك العهد، الصراع الدامى بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبد الناصر وأعوانه، والذى أدى إلى إحداث شقاق كبير وفرقة دائمة بين النظام الحاكم وتلك الجماعة، كما أدي إلى ضعف تماسك الوحدة الوطنية وشيوع القصص المأساوية للتعذيب والتنكيل والقتل لمنسوبي تلك الجماعة. وقد أفضت تلك الأحداث إلى قتل واعتقال وسجن وتعذيب أعدادٍ هائلة من قيادات وأفراد الإخوان المسلمين وذويهم، انتهت بإعدام الكاتب المرموق والمفكر الموهوب سيد قطب صاحب ظلال القرآن وغيرها من المؤلفات والأعمال المتميزة مع عديدٍ من رفاقه العلماء.
وفي عام 1967م قامت إسرائيل -بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية- بالهجوم على مصر وسوريا والأردن، وسُحِقَت الجيوش العربية في تلك الحرب والتي اشتهرت بحرب الأيام الستة، واستولت إسرائيل على سيناء و الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وقد منى عهد عبد الناصر بهزيمة كبرى للجيش المصري في الخامس من يونيو عام ۱96۷م، والتي أُطلق عليها اسم النكسة. ومن أهم أسباب تلك الهزيمة: انعزال القيادة السياسية عن القيادة العسكرية، انفراد عبد الناصر بالقرارات السياسية المصيرية، هيمنة المشير عبد الحكيم عامر على جميع الشئون العسكرية، عدم التوافق بين التوجهات السياسية والإمكانيات والقدرات العسكرية، عدم تطبيق النظريات العلمية والعلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة فى تطوير وتحديث وإدارة القوات المسلحة المصرية بشكل منهجي وتخطيط علمي متكامل. ولم يحسم القضاء المصرى أسباب تلك الهزيمة لمحاسبة المسئولين عنها، ولم تتم الإجراءات الشاملة والتحقيقات اللازمة لمعرفة الحقائق، وانتهى الأمر بإعلان انتحار المشير عبد الحكيم عامر وتقديم بعض كباش الفداء لإخفاء الحقائق، واستمرار عبد الناصر في سدة الحكم نزولاً على الرغبة العاطفية للجماهير الحائرة المضللة. وكانت المرحلة الأخيرة لعهد عبد الناصر، إعادة بناء القوات المسلحة، واستمرار عمليات حرب الاستنزاف لإزالة آثار العدوان، والتمهيد لحرب شاملة لتحرير سيناء، واسترداد أرض مصر المغتصبة.
انتقل عبد الناصر إلى جوار ربه عام ۱۹7۰م، وانتقلت السلطة إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة، والذى شغل مناصب مدنية وسياسية متعددة فى عهد الرئيس الراحل عبد الناصر والذي عينه نائبًا له قبل وفاته. بدأ السادات فترة حكمه بما سمي بثورة التصحيح والقضاء على مراكز القوى المعارضة لسياساته، وكذلك التصالح مع الجماعات الإسلامية والإفراج عن كثيرٍ من المعتقلين السياسيين، وإتاحة تعدد الأحزاب السياسية، وتعزيز الديمقراطية واستقلال القضاء، وصون الحريات وحرية إبداء الرأي. استكمل السادات مسيرة خلفه عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة، والإعداد لحرب أكتوبر الحاسمة والتى مكنته من إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيونى لتحرير أرض سيناء. بادر السادات بوضع سياسات جديدة كالانفتاح الاقتصادى، والتحول المفاجئ من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي دون سند دستوري، وإجراء اتفاقية كامب ديفيد المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والتي مازالت سرية حتى يومنا هذا، ولم تُجْمِع عليها الأمة بالموافقة أو التعديل أو الرفض. وبمُوجِب تلك الاتفاقية تم الصلح المنفرد مع الصهاينة والاعتراف بدولة إسرائيل، وتطبيع العلاقات، والتي كانت سببًا في اختلاف الكثيرين حولها ومناهضة المعارضين لها، وكانت أيضًا سببًا في تقليص الممارسات الديمقراطية، وتقويض المعارضة وإبداء الرأي، كما كانت سببًا أساسيًا في اغتياله. وتتابعت الأحداث الهامة المتجددة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والتي انتهت باغتياله عام 1981م. وفى ذلك العهد اضمحلت الصناعة والزراعة بمصر، وتفاقمت مشكلة الغلاء، وازدادت الأسعار، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمي، واستمر الهبوط الملحوظ في مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وتفاقم مشكلة البطالة وأزمة الإسكان...وغيرها من المشكلات.
تولى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك منصب رئيًس الجمهورية 1981م، والذى عينه الرئيس السادات نائبًا له قبل وفاته، عرفانًا وتقديرًا له بما قدمه للقوات الجوية، وعلى وجه الخصوص الضربة الجوية الأولى التى فتحت أبواب النصر لمصر فى حرب أكتوبر. استكمل مبارك مسيرة سلفه السادات دون أي تعديلات جوهرية لإدارة شئون البلاد، بالرغم من حاجة الحكومة والشعب الماسة لعديد من التغييرات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية... وغيرها من التعديلات.
انطلق عهد مبارك فى تشييد الطرق والكبارى والجسور، ووسائل النقل المواصلات، وصيانة واستكمال البنية التحتية، وإنشاء المدن الجديدة، والمنشآت والمنتجعات السياحية وغيرها من المشروعات. وازدادت معدلات عسكرة الحياة المدنية فى مصر فى ذلك العهد (وعلى وجه الخصوص مؤسسات الإنتاج الحربى، والمصانع الحربية، والهيئة العربية للتصنيع)، وزاد على ذلك إنهاء خدمات عدد كبير من العسكريين العلميين والأكاديميين، وعدم مشاركتهم فى المناصب القيادية العسكرية والمدنية، وإقصائهم عن الحكم، واستقطاب رجال الأعمال وتعيينهم فى المناصب القيادية والتشريعية. وفى ذلك العهد إزداد اضمحلال الصناعة والزراعة والتعليم بمصر، كما ازدادت معدلات البطالة، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمى، وازداد هبوط مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وزيادة معدلات التضخم، وفقدان التوازن بين الدخول والأسعار، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...وغيرها من المشكلات.
انتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وزيادة التضخم، وتفاقم أزمة البطالة وزيادة معدلاتها، وما ترتب عليها من مشكلات اجتماعية مزمنة، وتفشى الأمراض، وانتشار الفقر والعشوائيات، وتدنى مستوى المعيشة، واضمحلال البحث العلمى وتحجيم إمكانياته، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وتزوير جميع الانتخابات واختزال الحياة السياسية لصالح قيادات الحزب الوطنى المنحل، وتخاذل مجلس الشعب وتقييد فعالياته، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية، والتى تستلزم التطوير والتغيير بما يناسب العصر ويلبى احتياجات الجماهير.
اندلعت ثورة 25 يناير 2011م بلا ترتيبات أو نوايا مسبقة لإعلان الغضب الشعبي الهادر لشيوع الفساد والمحسوبية، وغياب العدالة الاجتماعية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، واضمحلال دخول الأفراد بغير معايير ودون ضوابط تكفل حياة كريمة لكل مواطن، ولأسباب جوهرية أخرى توالت أحداث الثورة . وفى حقيقة الأمر ثورة يناير هي ثورة المصريين المطحونين ضد المصريين الفاسدين -وعلى وجه الخصوص فساد الحكم- وهى ليست ثورة شعب يناضل لينال استقلاله من محتل أجنبي أو عدو خارجي، والطامة الكبرى أن أحداث الثورة أدت في مجملها إلى تصنيف الشعب المصري إلى مؤيدٍ ومعارض، ثائر وفاسد، ظالم ومظلوم، مخلص وخائن، مكافح ومتهاون، شريف وفاجر...إلخ، وبذلك تحول الشعب المصري من شعب يعانى سوء الحالة الاقتصادية والفساد السياسي والتخبط الاجتماعي، إلى شعب يعانى قسوة الأحقاد ونزعات الانتقام والفرقة، والنزاعات والخلافات المفتعلة، والفوضى الخلاقة بين طوائفه وأبنائه. وتوالت النزاعات بين الفصائل السياسية المتناحرة، والصراعات الدموية المتتالية كالرياح العاتية والأمواج المتلاطمة، وتبددت جميع محاولات المصالحة الشعبية الشاملة. وفي ظل هذه الأحداث المروعة تم انتخاب الرئيس الشرعي للبلاد الأستاذ الدكتور محمد مرسي لأول مرة في تاريخ مصر بنسبة تقترب من 52٪، وكان عدم توحد الكيانات الإسلامية، وتعدد أحزابها السياسية، واختلاف برامجها الإصلاحية منذ الجولة الأولى سببًا جوهريًا في تدني نسبة نجاح الرئيس محمد مرسي، وبداية إحياء تمرد القوى المضادة. وعقب انتخاب رئيس الجمهورية تمت الانتخابات البرلمانية طبقًا لقانون الانتخابات الذي وافق عليه المجلس العسكري وتم إلغاؤه لاحقًا بدعوى عدم الدستورية!! والسؤال المحير لماذا لم يُعرض القانون على المحكمة الدستورية العليا مسبقًا وقبل إجراء الانتخابات؟
وبعد اختيار رئيس الجمهورية، وعقب إجراء الانتخاب البرلمانية المطعون في صحتها تمت موافقة الشعب على جميع مواد الدستور بأغلبية 64٪ ، ومن المعلوم أن اعتماد صحة الترشح، وعملية الانتخابات من خلال صناديق الاقتراع، وإجراءات فرز الأصوات، ونظر الطعون، وإعلان النتائج تم توثيقها واعتمادها من الهيئة العليا للانتخابات، والتي تمثل أعلى هيئة توثيق انتخابي قضائي في الدولة.
ومنذ تولي الرئيس المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الأستاذ الدكتور محمد مرسي الحكم وحتى الانقلاب ضد الشرعية في تجمعات حشود 30 يونيو، وعزله قهرًا في 3 يوليو، تعالت الهتافات المطالبة بإجراءات إصلاحية استثنائية وانتخابات رئاسية مبكرة غير دستورية، رفض الرئيس مرسي بعضها ووافق على البعض الآخر، فكانت المطالبة بإسقاطه والتنديد به والتنكيل بجماعة الإخوان المسلمين الممثلة سياسيًا بحزب الحرية والعدالة لأسباب عديدة بعضها منطقي حقيقي يمكن تداركها وتصويبها من خلال القوانين والتشريعات الدستورية التي نسجها الشعب، والبعض الآخر وهمي مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة. وفي حينها تكالبت جميع قوى التمرد المضادة، والحشود الشعبية بوعي أو بغير وعي، وبمؤاذرة الجيش أعلن وزير الدفاع والانتاج الحربي استجابته لمطالب الحشود الشعبية المنقسمة، وعَزَل الوزير المعين رئيس الجمهورية المنتخب، وتم تعطيل دستورٍ ثوري مكتمل الأركان الشرعية، ومستوفي الإجراءات القانونية . كما تم الإعلان عن "خارطة المستقبل" لإحياء نظامٍ سياسي مستهجن على أنقاض نظامٍ سياسي شرعي- بما له وما عليه- نسجه شعب مصر بإرادة حره، وذلك بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وأعضاء البرلمان، والموافقة على دستور توافقي بأغلبية غير مسبوقة دون تقصير أو تقييد. توالت أحداثٌ مؤسفةٌ لا يعلم مداها إلا الله، تبدد الشمل وانقسم شعب مصر إلى فرق متناحرة وفصائل متصارعة. وعانت مصر وما زالت تعاني جرائم القتل والاغتيالات والتفجيرات بين أبناء الوطن الواحد حكومًة وشعبًا، والتي شملت المدنيين والعسكريين من أبناء ورجال الجيش والشرطة.
ومما سبق يتبين أن فترة حكم محمد نجيب استمرت لمدة 17 شهرًا وكان عزله وتحديد إقامته لعشرات السنين، وتعمد تجاهله التام من تاريخ مصر ثمنًا باهظًا لموقفه السوي وإصراره عليه. وفترة حكم جمال عبد الناصر استمرت لمدة 16 عامًا والتي جمعت عديدًا من الإنجازات وكثيرًا من المساوئ، والتي انتهت بالقضاء على الإخوان المسلمين، وهزيمة الجيش المصري هزيمة ساحقة في الخامس من يونيو 1967م. وفترة حكم أنور السادات دامت لمدة 11 عامًا جمعت بين الإيجابيات والسلبيات والتي انتهت باتفاقية كامب ديفيد الانهزامية المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والمقايضة على عملية السلام مقابل تنازلات باهظة. كما انتهت فترة أنور السادات بتقليص الحياة الديمقراطية، وتقويض حرية الرأي، والإصرار على تطبيع العلاقات، والاعتراف بدولة إسرائيل، والخضوع للسياسات الأمريكية المنحازة بغير حدود للعدو الصهيوني.
وبرحيل أنور السادات مغتالاً انتقلت السلطة لسلفه حسنى مبارك الذي تحكم في حكم مصر طيلة ثلاثة عقودٍ متتاليةٍ دون وضع دستور جديد، ودون إبداء أي نوايا لوضع دستورٍ جديد، واكتفى بصياغة وتعديل قوانين دستوريةٍ صارمةٍ تَضمن تقييد اختيار رئيس الجمهورية المنتظر، واحتواء ذلك الاختيار في القبضة الحديدية للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مما أثار الشك والريبة وكثرة اللغط والجدال حول قضية التوريث. وانتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية التى تستلزم التطوير والتغيير على جميع المستويات، ولولا تفجر ثورة 25 يناير لبقي مبارك في سدة الحكم إلى ما شاء الله.
وعلى ما سبق وإحقاقًا للحق يمكن تقييم الأداء النسبي الحقيقي للرئيس محمد مرسي وحكومته، والتعرف على معايير التقييم من خلال تقييم جميع الرؤساء السابقين الذين حكموا مصر حكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ، ابتداءً بالرئيس المعزول محمد نجيب، ثم الرئيس المهزوم جمال عبد الناصر، ثم الرئيس المغتال أنور السادات، ثم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وانتهاءً بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا وهي أقصر مدة للحكم في تاريخ مصر، وكذلك تقييم مجمل الإنجازات والمساوئ، ومقارنة جميع المزايا والعيوب.
وفي نهاية الأمر الحكم لله.. هو أحكم الحاكمين.. ولله عاقبة الأمور..

- أستاذ متفرغ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.