باكستان تعلن استهداف الهند ل3 قواعد جوية بصواريخ    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم بعد انخفاضه في البنوك    المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يعلن اليوم معدل التضخم لشهر أبريل    د. حسين خالد يكتب: جودة التعليم العالى (2)    ذهب وشقة فاخرة وسيارة مصفحة، كيف تتحول حياة البابا ليو بعد تنصيبه؟    جوجل توافق على دفع أكبر غرامة في تاريخ أمريكا بسبب جمع بيانات المستخدمين دون إذن    الرئيس السيسي يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته في احتفالات عيد النصر في موسكو    بعد 8 ساعات.. السيطرة على حريق شونة الكتان بشبرا ملس    نشرة التوك شو| البترول تعلق على أزمة البنزين المغشوش.. وتفاصيل جديدة في أزمة بوسي شلبي    طحالب خضراء تسد الفجوة بنسبة 15%| «الكلوريلا».. مستقبل إنتاج الأعلاف    الشعب الجمهوري بالمنيا ينظم احتفالية كبرى لتكريم الأمهات المثاليات.. صور    شعبة الأجهزة الكهربائية: المعلومات أحد التحديات التي تواجه صغار المصنعين    مدير مدرسة السلام في واقعة الاعتداء: «الخناقة حصلت بين الناس اللي شغالين عندي وأولياء الأمور»    برلمانية: 100 ألف ريال غرامة الذهاب للحج بدون تأشيرة    جيش الاحتلال يصيب فلسطينيين بالرصاص الحي بالضفة الغربية    طريقة عمل الخبيزة، أكلة شعبية لذيذة وسهلة التحضير    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات السبت 10 مايو 2025    الشقة ب5 جنيهات في الشهر| جراحة دقيقة بالبرلمان لتعديل قانون الإيجار القديم    استشهاد قائد كتيبة جنين في نابلس واقتحامات تطال رام الله    العثور على جثة متفحمة داخل أرض زراعية بمنشأة القناطر    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    «ليه منكبرش النحاس».. تعليق مثير من سيد عبدالحفيظ على أنباء اتفاق الأهلي مع جوميز    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    ستاندرد آند بورز تُبقي على التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    تعرف على منافس منتخب مصر في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    عمرو أديب بعد هزيمة بيراميدز: البنك الأهلي أحسن بنك في مصر.. والزمالك ظالم وليس مظلومًا    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    أسخن 48 ساعة في مايو.. بيان مهم بشأن حالة الطقس: هجمة صيفية مبكرة    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    هيثم فاروق يكشف عيب خطير في نجم الزمالك.. ويؤكد: «الأهداف الأخيرة بسببه»    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    ضبط تشكيل عصابي انتحلوا صفة لسرقة المواطنين بعين شمس    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤساء مصر في الميزان
نشر في المصريون يوم 15 - 02 - 2014

بعيدًا عن الترهات والمبالغات ، ودون انحياز أو إسفاف ، وللحق والإنصاف يجب تقييم أداء الرئيس محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا من خلال تقييم أداء جميع من حكموا مصر حُكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ابتداءً بالرئيس المعين محمد نجيب، وانتهاءً بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
استمرت ثورة 23 يوليو فى سنواتها الأولى بقيادة اللواء أركان حرب محمد نجيب وهو أول رئيس يحكم مصر حكمًا جمهوريًا. أعلن نجيب مباديء الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية، وكان له شخصيته وشعبيته المحببة في صفوف الجيش والشعب المصري حتي قبل الثورة لدوره البطولي في حرب فلسطين. استمر نجيب في حكم مصر بعد إعلان الجمهورية في الفترة من 18 يونيو 1953م حتى 14 نوفمبر 1954م، والتى أفضت إلى خلافٍ جذرى بين محمد نجيب الذى طالب بعودة الضباط الأحرار إلى ثكناتهم العسكرية، وتسليم السلطة إلى المدنيين، وعودة الحياة النيابية، وبين مجلس قيادة الثورة العسكري الذى قرر بإجماع آراء أعضائه القيام بدور المستبد المصلح، واكتساب صلاحيات شاملة، مما جعله وصيًا ومراقبًا على الشعب فى جميع مؤسسات الدولة.
حُسِمَ الخلاف بين مجلس قيادة الثورة والرئيس محمد نجيب بعزله من منصبه، حيث عزله المجلس بسبب إصراره على عودة الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية. وُضِعَ الرئيس نجيب تحت الإقامة الجبرية مع أسرته بعيدًا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة، مع منعه تمامًا من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، كما تم شطب اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية. وفي سنواته الأخيرة نسي كثيرٌ من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة حتى فوجئوا بوفاته في28 أغسطس 1984. وكان عزل محمد نجيب ووضعه تحت الحراسة الجبرية مع أسرته بداية المأساة الكبرى التى أدت إلى تحجيم الممارسات الديمقراطية، وتقويض الحياة النيابية الفعالة والشروع فى عسكرة الحياة المدنية فى مصر.
بعد عزل محمد نجيب توالت ممارسات عسكرة الحياة المدينة بمصر، حيث انطلق الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة بقيادة رئيس الجمهورية الجديد جمال عبد الناصر بتبديل وإحلال معظم القيادات المدنية بالقيادات العسكرية الحربية غير الناضجة، وغير المؤهلة لممارسة العمل السياسى، وتسيير شئون البلاد بدعوى ترجيح أهل الثقة والضبط والربط على أهل السياسة والخبرة، مما أحدث فجوة كبرى فى مسيرة مصر نحو الديمقراطية الحقيقية، وأعاق تشييد مصر العصرية على أسس علمية وتخطيط متكامل.
وقد كان لثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر انجازات وإيجابيات عديدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا... وغيرها من الإنجازات على المستوي المحلي والعربي والدولي. وقد كانت السمات الكبرى لعهد عبد الناصر الحكم الشمولى، وتعزيز المبادئ الاشتراكية، والاندماج الوثيق الصلة مع الكتلة الشرقية (وعلى وجه الخصوص الاتحاد السوفيتى)، ومناصرة الدول العربية والإفريقية لنيل استقلالها من الاحتلال الأجنبى. ومن أهم المبادئ السياسية للثورة والتوجهات الخارجية لجمال عبد الناصر الدعوة الى وحدة ونهضة الأمة العربية، وازدهار وتعزيز القومية العربية، وترسيخ مبادئ الحياد الإيجابى والتعايش السلمى.
ومن الأخطاء الكبرى لذلك العهد، الصراع الدامى بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبد الناصر وأعوانه، والذى أدى إلى إحداث شقاق كبير وفرقة دائمة بين النظام الحاكم وتلك الجماعة، كما أدي إلى ضعف تماسك الوحدة الوطنية وشيوع القصص المأساوية للتعذيب والتنكيل والقتل لمنسوبي تلك الجماعة. وقد أفضت تلك الأحداث إلى قتل واعتقال وسجن وتعذيب أعدادٍ هائلة من قيادات وأفراد الإخوان المسلمين وذويهم، انتهت بإعدام الكاتب المرموق والمفكر الموهوب سيد قطب صاحب ظلال القرآن وغيرها من المؤلفات والأعمال المتميزة مع عديدٍ من رفاقه العلماء.
وفي عام 1967م قامت إسرائيل -بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية- بالهجوم على مصر وسوريا والأردن، وسُحِقَت الجيوش العربية في تلك الحرب والتي اشتهرت بحرب الأيام الستة، واستولت إسرائيل على سيناء و الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وقد منى عهد عبد الناصر بهزيمة كبرى للجيش المصري في الخامس من يونيو عام ۱96۷م، والتي أُطلق عليها اسم النكسة. ومن أهم أسباب تلك الهزيمة: انعزال القيادة السياسية عن القيادة العسكرية، انفراد عبد الناصر بالقرارات السياسية المصيرية، هيمنة المشير عبد الحكيم عامر على جميع الشئون العسكرية، عدم التوافق بين التوجهات السياسية والإمكانيات والقدرات العسكرية، عدم تطبيق النظريات العلمية والعلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة فى تطوير وتحديث وإدارة القوات المسلحة المصرية بشكل منهجي وتخطيط علمي متكامل. ولم يحسم القضاء المصرى أسباب تلك الهزيمة لمحاسبة المسئولين عنها، ولم تتم الإجراءات الشاملة والتحقيقات اللازمة لمعرفة الحقائق، وانتهى الأمر بإعلان انتحار المشير عبد الحكيم عامر وتقديم بعض كباش الفداء لإخفاء الحقائق، واستمرار عبد الناصر في سدة الحكم نزولاً على الرغبة العاطفية للجماهير الحائرة المضللة. وكانت المرحلة الأخيرة لعهد عبد الناصر، إعادة بناء القوات المسلحة، واستمرار عمليات حرب الاستنزاف لإزالة آثار العدوان، والتمهيد لحرب شاملة لتحرير سيناء، واسترداد أرض مصر المغتصبة.
انتقل عبد الناصر إلى جوار ربه عام ۱۹7۰م، وانتقلت السلطة إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة، والذى شغل مناصب مدنية وسياسية متعددة فى عهد الرئيس الراحل عبد الناصر والذي عينه نائبًا له قبل وفاته. بدأ السادات فترة حكمه بما سمي بثورة التصحيح والقضاء على مراكز القوى المعارضة لسياساته، وكذلك التصالح مع الجماعات الإسلامية والإفراج عن كثيرٍ من المعتقلين السياسيين، وإتاحة تعدد الأحزاب السياسية، وتعزيز الديمقراطية واستقلال القضاء، وصون الحريات وحرية إبداء الرأي. استكمل السادات مسيرة خلفه عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة، والإعداد لحرب أكتوبر الحاسمة والتى مكنته من إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيونى لتحرير أرض سيناء. بادر السادات بوضع سياسات جديدة كالانفتاح الاقتصادى، والتحول المفاجئ من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي دون سند دستوري، وإجراء اتفاقية كامب ديفيد المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والتي مازالت سرية حتى يومنا هذا، ولم تُجْمِع عليها الأمة بالموافقة أو التعديل أو الرفض. وبمُوجِب تلك الاتفاقية تم الصلح المنفرد مع الصهاينة والاعتراف بدولة إسرائيل، وتطبيع العلاقات، والتي كانت سببًا في اختلاف الكثيرين حولها ومناهضة المعارضين لها، وكانت أيضًا سببًا في تقليص الممارسات الديمقراطية، وتقويض المعارضة وإبداء الرأي، كما كانت سببًا أساسيًا في اغتياله. وتتابعت الأحداث الهامة المتجددة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والتي انتهت باغتياله عام 1981م. وفى ذلك العهد اضمحلت الصناعة والزراعة بمصر، وتفاقمت مشكلة الغلاء، وازدادت الأسعار، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمي، واستمر الهبوط الملحوظ في مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وتفاقم مشكلة البطالة وأزمة الإسكان...وغيرها من المشكلات.
تولى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك منصب رئيًس الجمهورية 1981م، والذى عينه الرئيس السادات نائبًا له قبل وفاته، عرفانًا وتقديرًا له بما قدمه للقوات الجوية، وعلى وجه الخصوص الضربة الجوية الأولى التى فتحت أبواب النصر لمصر فى حرب أكتوبر. استكمل مبارك مسيرة سلفه السادات دون أي تعديلات جوهرية لإدارة شئون البلاد، بالرغم من حاجة الحكومة والشعب الماسة لعديد من التغييرات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية... وغيرها من التعديلات.
انطلق عهد مبارك فى تشييد الطرق والكبارى والجسور، ووسائل النقل المواصلات، وصيانة واستكمال البنية التحتية، وإنشاء المدن الجديدة، والمنشآت والمنتجعات السياحية وغيرها من المشروعات. وازدادت معدلات عسكرة الحياة المدنية فى مصر فى ذلك العهد (وعلى وجه الخصوص مؤسسات الإنتاج الحربى، والمصانع الحربية، والهيئة العربية للتصنيع)، وزاد على ذلك إنهاء خدمات عدد كبير من العسكريين العلميين والأكاديميين، وعدم مشاركتهم فى المناصب القيادية العسكرية والمدنية، وإقصائهم عن الحكم، واستقطاب رجال الأعمال وتعيينهم فى المناصب القيادية والتشريعية. وفى ذلك العهد إزداد اضمحلال الصناعة والزراعة والتعليم بمصر، كما ازدادت معدلات البطالة، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمى، وازداد هبوط مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وزيادة معدلات التضخم، وفقدان التوازن بين الدخول والأسعار، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...وغيرها من المشكلات.
انتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وزيادة التضخم، وتفاقم أزمة البطالة وزيادة معدلاتها، وما ترتب عليها من مشكلات اجتماعية مزمنة، وتفشى الأمراض، وانتشار الفقر والعشوائيات، وتدنى مستوى المعيشة، واضمحلال البحث العلمى وتحجيم إمكانياته، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وتزوير جميع الانتخابات واختزال الحياة السياسية لصالح قيادات الحزب الوطنى المنحل، وتخاذل مجلس الشعب وتقييد فعالياته، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية، والتى تستلزم التطوير والتغيير بما يناسب العصر ويلبى احتياجات الجماهير.
اندلعت ثورة 25 يناير 2011م بلا ترتيبات أو نوايا مسبقة لإعلان الغضب الشعبي الهادر لشيوع الفساد والمحسوبية، وغياب العدالة الاجتماعية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، واضمحلال دخول الأفراد بغير معايير ودون ضوابط تكفل حياة كريمة لكل مواطن، ولأسباب جوهرية أخرى توالت أحداث الثورة . وفى حقيقة الأمر ثورة يناير هي ثورة المصريين المطحونين ضد المصريين الفاسدين -وعلى وجه الخصوص فساد الحكم- وهى ليست ثورة شعب يناضل لينال استقلاله من محتل أجنبي أو عدو خارجي، والطامة الكبرى أن أحداث الثورة أدت في مجملها إلى تصنيف الشعب المصري إلى مؤيدٍ ومعارض، ثائر وفاسد، ظالم ومظلوم، مخلص وخائن، مكافح ومتهاون، شريف وفاجر...إلخ، وبذلك تحول الشعب المصري من شعب يعانى سوء الحالة الاقتصادية والفساد السياسي والتخبط الاجتماعي، إلى شعب يعانى قسوة الأحقاد ونزعات الانتقام والفرقة، والنزاعات والخلافات المفتعلة، والفوضى الخلاقة بين طوائفه وأبنائه. وتوالت النزاعات بين الفصائل السياسية المتناحرة، والصراعات الدموية المتتالية كالرياح العاتية والأمواج المتلاطمة، وتبددت جميع محاولات المصالحة الشعبية الشاملة. وفي ظل هذه الأحداث المروعة تم انتخاب الرئيس الشرعي للبلاد الأستاذ الدكتور محمد مرسي لأول مرة في تاريخ مصر بنسبة تقترب من 52٪، وكان عدم توحد الكيانات الإسلامية، وتعدد أحزابها السياسية، واختلاف برامجها الإصلاحية منذ الجولة الأولى سببًا جوهريًا في تدني نسبة نجاح الرئيس محمد مرسي، وبداية إحياء تمرد القوى المضادة. وعقب انتخاب رئيس الجمهورية تمت الانتخابات البرلمانية طبقًا لقانون الانتخابات الذي وافق عليه المجلس العسكري وتم إلغاؤه لاحقًا بدعوى عدم الدستورية!! والسؤال المحير لماذا لم يُعرض القانون على المحكمة الدستورية العليا مسبقًا وقبل إجراء الانتخابات؟
وبعد اختيار رئيس الجمهورية، وعقب إجراء الانتخاب البرلمانية المطعون في صحتها تمت موافقة الشعب على جميع مواد الدستور بأغلبية 64٪ ، ومن المعلوم أن اعتماد صحة الترشح، وعملية الانتخابات من خلال صناديق الاقتراع، وإجراءات فرز الأصوات، ونظر الطعون، وإعلان النتائج تم توثيقها واعتمادها من الهيئة العليا للانتخابات، والتي تمثل أعلى هيئة توثيق انتخابي قضائي في الدولة.
ومنذ تولي الرئيس المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الأستاذ الدكتور محمد مرسي الحكم وحتى الانقلاب ضد الشرعية في تجمعات حشود 30 يونيو، وعزله قهرًا في 3 يوليو، تعالت الهتافات المطالبة بإجراءات إصلاحية استثنائية وانتخابات رئاسية مبكرة غير دستورية، رفض الرئيس مرسي بعضها ووافق على البعض الآخر، فكانت المطالبة بإسقاطه والتنديد به والتنكيل بجماعة الإخوان المسلمين الممثلة سياسيًا بحزب الحرية والعدالة لأسباب عديدة بعضها منطقي حقيقي يمكن تداركها وتصويبها من خلال القوانين والتشريعات الدستورية التي نسجها الشعب، والبعض الآخر وهمي مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة. وفي حينها تكالبت جميع قوى التمرد المضادة، والحشود الشعبية بوعي أو بغير وعي، وبمؤاذرة الجيش أعلن وزير الدفاع والانتاج الحربي استجابته لمطالب الحشود الشعبية المنقسمة، وعَزَل الوزير المعين رئيس الجمهورية المنتخب، وتم تعطيل دستورٍ ثوري مكتمل الأركان الشرعية، ومستوفي الإجراءات القانونية . كما تم الإعلان عن "خارطة المستقبل" لإحياء نظامٍ سياسي مستهجن على أنقاض نظامٍ سياسي شرعي- بما له وما عليه- نسجه شعب مصر بإرادة حره، وذلك بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وأعضاء البرلمان، والموافقة على دستور توافقي بأغلبية غير مسبوقة دون تقصير أو تقييد. توالت أحداثٌ مؤسفةٌ لا يعلم مداها إلا الله، تبدد الشمل وانقسم شعب مصر إلى فرق متناحرة وفصائل متصارعة. وعانت مصر وما زالت تعاني جرائم القتل والاغتيالات والتفجيرات بين أبناء الوطن الواحد حكومًة وشعبًا، والتي شملت المدنيين والعسكريين من أبناء ورجال الجيش والشرطة.
ومما سبق يتبين أن فترة حكم محمد نجيب استمرت لمدة 17 شهرًا وكان عزله وتحديد إقامته لعشرات السنين، وتعمد تجاهله التام من تاريخ مصر ثمنًا باهظًا لموقفه السوي وإصراره عليه. وفترة حكم جمال عبد الناصر استمرت لمدة 16 عامًا والتي جمعت عديدًا من الإنجازات وكثيرًا من المساوئ، والتي انتهت بالقضاء على الإخوان المسلمين، وهزيمة الجيش المصري هزيمة ساحقة في الخامس من يونيو 1967م. وفترة حكم أنور السادات دامت لمدة 11 عامًا جمعت بين الإيجابيات والسلبيات والتي انتهت باتفاقية كامب ديفيد الانهزامية المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والمقايضة على عملية السلام مقابل تنازلات باهظة. كما انتهت فترة أنور السادات بتقليص الحياة الديمقراطية، وتقويض حرية الرأي، والإصرار على تطبيع العلاقات، والاعتراف بدولة إسرائيل، والخضوع للسياسات الأمريكية المنحازة بغير حدود للعدو الصهيوني.
وبرحيل أنور السادات مغتالاً انتقلت السلطة لسلفه حسنى مبارك الذي تحكم في حكم مصر طيلة ثلاثة عقودٍ متتاليةٍ دون وضع دستور جديد، ودون إبداء أي نوايا لوضع دستورٍ جديد، واكتفى بصياغة وتعديل قوانين دستوريةٍ صارمةٍ تَضمن تقييد اختيار رئيس الجمهورية المنتظر، واحتواء ذلك الاختيار في القبضة الحديدية للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مما أثار الشك والريبة وكثرة اللغط والجدال حول قضية التوريث. وانتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية التى تستلزم التطوير والتغيير على جميع المستويات، ولولا تفجر ثورة 25 يناير لبقي مبارك في سدة الحكم إلى ما شاء الله.
وعلى ما سبق وإحقاقًا للحق يمكن تقييم الأداء النسبي الحقيقي للرئيس محمد مرسي وحكومته، والتعرف على معايير التقييم من خلال تقييم جميع الرؤساء السابقين الذين حكموا مصر حكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ، ابتداءً بالرئيس المعزول محمد نجيب، ثم الرئيس المهزوم جمال عبد الناصر، ثم الرئيس المغتال أنور السادات، ثم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وانتهاءً بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا وهي أقصر مدة للحكم في تاريخ مصر، وكذلك تقييم مجمل الإنجازات والمساوئ، ومقارنة جميع المزايا والعيوب.
وفي نهاية الأمر الحكم لله.. هو أحكم الحاكمين.. ولله عاقبة الأمور..

- أستاذ متفرغ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.