متحدث مجلس الوزراء: الدولة لديها خطة لزيادة الأجور وتثبيت أسعار السلع    تخفيفًا عن كاهل المواطنين الأكثر احتياجًا.. مياة القناة تقدم خدمات الكسح لغير المشتركين    العراق: التوسع في الرقعة الزراعية مع هطول أمطار غزيرة    جوتيريش: الأمم المتحدة ملتزمة بدعم الشعب اليمني في مسيرته نحو السلام    رئيس بلدية خان يونس: الأمطار دمرت 30 ألف خيمة بغزة ونقص حاد في المستلزمات الطبية    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    مانشستر سيتي لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية على حساب برينتفورد    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث ميكروباص ترعة الجبلاوية    بعد رحيل نيفين مندور.. جمال شعبان يوجه رسالة عاجلة للمواطنين    بينهم 3 أشقاء.. جثة و 4 مصابين في مشاجرة نجع موسى بقنا    بصورة تجمعهما.. محمد إمام ينهي شائعات خلافه مع عمر متولي بسبب شمس الزناتي    أبناء قراء القرآن يتحفظون على تجسيد سيرة الآباء والأجداد دراميًا    وائل فاروق يشارك في احتفالات اليونسكو بيوم اللغة العربية    طريقة عمل الشيش طاووق، أكلة لذيذة وسريعة التحضير    إصابة نورهان بوعكة صحية أثناء تكريمها بالمغرب    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    جامعة الإسكندرية تستقبل رئيس قسم الهندسة الحيوية بجامعة لويفل الأمريكية    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    القاضى أحمد بنداري يدعو الناخبين للمشاركة: أنتم الأساس فى أى استحقاق    اندلاع حريق في حظيرة ماشية بالوادي الجديد    رسميًا.. إنتر ميامى يجدد عقد لويس سواريز حتى نهاية موسم 2026    31 ديسمبر النطق بالحكم فى الاستئناف على براءة المتهمين بقضية مسن السويس    نتنياهو يعلن رسميًا المصادقة على اتفاق الغاز مع مصر بمبلغ فلكي    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري    السلاح يضيف 7 ميداليات جديدة لمصر في دورة الألعاب الإفريقية للشباب    الإسماعيلية تحت قبضة الأمن.. سقوط سيدة بحوزتها بطاقات ناخبين أمام لجنة أبو صوير    نجوم الفن فى عزاء إيمان إمام شقيقة الزعيم أرملة مصطفى متولى    رئيس إذاعه القرآن الكريم السابق: القرآن بأصوات المصريين هبة باقية ليوم الدين    وكيل تعليم القاهرة في جولة ميدانية بمدرسة الشهيد طيار محمد جمال الدين    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    وزير الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم قطع أراضي الإسكان المتميز للفائزين بمدينة بني سويف الجديدة    النباتات الطبية والعطرية.. الذهب الأخضر لمصر فى العقد القادم.. فرصة استراتيجية لتفوق مصرى فى سباق عالمى متصاعد    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    بين الحرب والسرد.. تحولات الشرق الأوسط في 2025    خالد الجندي: من الشِرْك أن ترى نفسك ولا ترى ربك    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    البنك الزراعي المصري يسهم في القضاء على قوائم الانتظار في عمليات زراعة القرنية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    رئيس الوزراء: استطعنا بنسبة 99% وقف خروج مراكب الهجرة غير الشرعية من مصر    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    الأهلي يحسم ملف تجديد عقود 6 لاعبين ويترقب تغييرات في قائمة الأجانب    أشرف فايق يكشف حقيقة دخول عمه محيي إسماعيل في غيبوبة بسبب جلطة بالمخ    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    ريال مدريد يبدأ رحلة كأس ملك إسبانيا بمواجهة تالافيرا في دور ال32    اليونيفيل: التنسيق مع الجيش اللبناني مستمر للحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    مانشستر سيتي يواجه برينتفورد في مباراة حاسمة بربع نهائي كأس الرابطة الإنجليزية 2025-2026    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    سعر طن حديد التسليح اليوم الأربعاء 17 ديسمبر في مصر    نيكس يفوز على سبيرز ويتوج بلقب كأس دوري السلة الأمريكي    طوابير أمام لجان البساتين للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات مجلس النواب    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    الدخان أخطر من النار.. تحذيرات لتفادى حرائق المنازل بعد مصرع نيفين مندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤساء مصر في الميزان
نشر في المصريون يوم 15 - 02 - 2014

بعيدًا عن الترهات والمبالغات ، ودون انحياز أو إسفاف ، وللحق والإنصاف يجب تقييم أداء الرئيس محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا من خلال تقييم أداء جميع من حكموا مصر حُكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ابتداءً بالرئيس المعين محمد نجيب، وانتهاءً بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
استمرت ثورة 23 يوليو فى سنواتها الأولى بقيادة اللواء أركان حرب محمد نجيب وهو أول رئيس يحكم مصر حكمًا جمهوريًا. أعلن نجيب مباديء الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية، وكان له شخصيته وشعبيته المحببة في صفوف الجيش والشعب المصري حتي قبل الثورة لدوره البطولي في حرب فلسطين. استمر نجيب في حكم مصر بعد إعلان الجمهورية في الفترة من 18 يونيو 1953م حتى 14 نوفمبر 1954م، والتى أفضت إلى خلافٍ جذرى بين محمد نجيب الذى طالب بعودة الضباط الأحرار إلى ثكناتهم العسكرية، وتسليم السلطة إلى المدنيين، وعودة الحياة النيابية، وبين مجلس قيادة الثورة العسكري الذى قرر بإجماع آراء أعضائه القيام بدور المستبد المصلح، واكتساب صلاحيات شاملة، مما جعله وصيًا ومراقبًا على الشعب فى جميع مؤسسات الدولة.
حُسِمَ الخلاف بين مجلس قيادة الثورة والرئيس محمد نجيب بعزله من منصبه، حيث عزله المجلس بسبب إصراره على عودة الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية. وُضِعَ الرئيس نجيب تحت الإقامة الجبرية مع أسرته بعيدًا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة، مع منعه تمامًا من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته، كما تم شطب اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية. وفي سنواته الأخيرة نسي كثيرٌ من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة حتى فوجئوا بوفاته في28 أغسطس 1984. وكان عزل محمد نجيب ووضعه تحت الحراسة الجبرية مع أسرته بداية المأساة الكبرى التى أدت إلى تحجيم الممارسات الديمقراطية، وتقويض الحياة النيابية الفعالة والشروع فى عسكرة الحياة المدنية فى مصر.
بعد عزل محمد نجيب توالت ممارسات عسكرة الحياة المدينة بمصر، حيث انطلق الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة بقيادة رئيس الجمهورية الجديد جمال عبد الناصر بتبديل وإحلال معظم القيادات المدنية بالقيادات العسكرية الحربية غير الناضجة، وغير المؤهلة لممارسة العمل السياسى، وتسيير شئون البلاد بدعوى ترجيح أهل الثقة والضبط والربط على أهل السياسة والخبرة، مما أحدث فجوة كبرى فى مسيرة مصر نحو الديمقراطية الحقيقية، وأعاق تشييد مصر العصرية على أسس علمية وتخطيط متكامل.
وقد كان لثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر انجازات وإيجابيات عديدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا... وغيرها من الإنجازات على المستوي المحلي والعربي والدولي. وقد كانت السمات الكبرى لعهد عبد الناصر الحكم الشمولى، وتعزيز المبادئ الاشتراكية، والاندماج الوثيق الصلة مع الكتلة الشرقية (وعلى وجه الخصوص الاتحاد السوفيتى)، ومناصرة الدول العربية والإفريقية لنيل استقلالها من الاحتلال الأجنبى. ومن أهم المبادئ السياسية للثورة والتوجهات الخارجية لجمال عبد الناصر الدعوة الى وحدة ونهضة الأمة العربية، وازدهار وتعزيز القومية العربية، وترسيخ مبادئ الحياد الإيجابى والتعايش السلمى.
ومن الأخطاء الكبرى لذلك العهد، الصراع الدامى بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس جمال عبد الناصر وأعوانه، والذى أدى إلى إحداث شقاق كبير وفرقة دائمة بين النظام الحاكم وتلك الجماعة، كما أدي إلى ضعف تماسك الوحدة الوطنية وشيوع القصص المأساوية للتعذيب والتنكيل والقتل لمنسوبي تلك الجماعة. وقد أفضت تلك الأحداث إلى قتل واعتقال وسجن وتعذيب أعدادٍ هائلة من قيادات وأفراد الإخوان المسلمين وذويهم، انتهت بإعدام الكاتب المرموق والمفكر الموهوب سيد قطب صاحب ظلال القرآن وغيرها من المؤلفات والأعمال المتميزة مع عديدٍ من رفاقه العلماء.
وفي عام 1967م قامت إسرائيل -بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية- بالهجوم على مصر وسوريا والأردن، وسُحِقَت الجيوش العربية في تلك الحرب والتي اشتهرت بحرب الأيام الستة، واستولت إسرائيل على سيناء و الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وقد منى عهد عبد الناصر بهزيمة كبرى للجيش المصري في الخامس من يونيو عام ۱96۷م، والتي أُطلق عليها اسم النكسة. ومن أهم أسباب تلك الهزيمة: انعزال القيادة السياسية عن القيادة العسكرية، انفراد عبد الناصر بالقرارات السياسية المصيرية، هيمنة المشير عبد الحكيم عامر على جميع الشئون العسكرية، عدم التوافق بين التوجهات السياسية والإمكانيات والقدرات العسكرية، عدم تطبيق النظريات العلمية والعلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة فى تطوير وتحديث وإدارة القوات المسلحة المصرية بشكل منهجي وتخطيط علمي متكامل. ولم يحسم القضاء المصرى أسباب تلك الهزيمة لمحاسبة المسئولين عنها، ولم تتم الإجراءات الشاملة والتحقيقات اللازمة لمعرفة الحقائق، وانتهى الأمر بإعلان انتحار المشير عبد الحكيم عامر وتقديم بعض كباش الفداء لإخفاء الحقائق، واستمرار عبد الناصر في سدة الحكم نزولاً على الرغبة العاطفية للجماهير الحائرة المضللة. وكانت المرحلة الأخيرة لعهد عبد الناصر، إعادة بناء القوات المسلحة، واستمرار عمليات حرب الاستنزاف لإزالة آثار العدوان، والتمهيد لحرب شاملة لتحرير سيناء، واسترداد أرض مصر المغتصبة.
انتقل عبد الناصر إلى جوار ربه عام ۱۹7۰م، وانتقلت السلطة إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات عضو مجلس قيادة الثورة، والذى شغل مناصب مدنية وسياسية متعددة فى عهد الرئيس الراحل عبد الناصر والذي عينه نائبًا له قبل وفاته. بدأ السادات فترة حكمه بما سمي بثورة التصحيح والقضاء على مراكز القوى المعارضة لسياساته، وكذلك التصالح مع الجماعات الإسلامية والإفراج عن كثيرٍ من المعتقلين السياسيين، وإتاحة تعدد الأحزاب السياسية، وتعزيز الديمقراطية واستقلال القضاء، وصون الحريات وحرية إبداء الرأي. استكمل السادات مسيرة خلفه عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة، والإعداد لحرب أكتوبر الحاسمة والتى مكنته من إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيونى لتحرير أرض سيناء. بادر السادات بوضع سياسات جديدة كالانفتاح الاقتصادى، والتحول المفاجئ من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي دون سند دستوري، وإجراء اتفاقية كامب ديفيد المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والتي مازالت سرية حتى يومنا هذا، ولم تُجْمِع عليها الأمة بالموافقة أو التعديل أو الرفض. وبمُوجِب تلك الاتفاقية تم الصلح المنفرد مع الصهاينة والاعتراف بدولة إسرائيل، وتطبيع العلاقات، والتي كانت سببًا في اختلاف الكثيرين حولها ومناهضة المعارضين لها، وكانت أيضًا سببًا في تقليص الممارسات الديمقراطية، وتقويض المعارضة وإبداء الرأي، كما كانت سببًا أساسيًا في اغتياله. وتتابعت الأحداث الهامة المتجددة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات والتي انتهت باغتياله عام 1981م. وفى ذلك العهد اضمحلت الصناعة والزراعة بمصر، وتفاقمت مشكلة الغلاء، وازدادت الأسعار، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمي، واستمر الهبوط الملحوظ في مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وتفاقم مشكلة البطالة وأزمة الإسكان...وغيرها من المشكلات.
تولى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك منصب رئيًس الجمهورية 1981م، والذى عينه الرئيس السادات نائبًا له قبل وفاته، عرفانًا وتقديرًا له بما قدمه للقوات الجوية، وعلى وجه الخصوص الضربة الجوية الأولى التى فتحت أبواب النصر لمصر فى حرب أكتوبر. استكمل مبارك مسيرة سلفه السادات دون أي تعديلات جوهرية لإدارة شئون البلاد، بالرغم من حاجة الحكومة والشعب الماسة لعديد من التغييرات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية... وغيرها من التعديلات.
انطلق عهد مبارك فى تشييد الطرق والكبارى والجسور، ووسائل النقل المواصلات، وصيانة واستكمال البنية التحتية، وإنشاء المدن الجديدة، والمنشآت والمنتجعات السياحية وغيرها من المشروعات. وازدادت معدلات عسكرة الحياة المدنية فى مصر فى ذلك العهد (وعلى وجه الخصوص مؤسسات الإنتاج الحربى، والمصانع الحربية، والهيئة العربية للتصنيع)، وزاد على ذلك إنهاء خدمات عدد كبير من العسكريين العلميين والأكاديميين، وعدم مشاركتهم فى المناصب القيادية العسكرية والمدنية، وإقصائهم عن الحكم، واستقطاب رجال الأعمال وتعيينهم فى المناصب القيادية والتشريعية. وفى ذلك العهد إزداد اضمحلال الصناعة والزراعة والتعليم بمصر، كما ازدادت معدلات البطالة، وتضاءلت بحوث وميزانيات البحث العلمى، وازداد هبوط مستوى التعليم بجميع مراحله ومستوياته، وتدنى مستوى الخريجين، وزيادة معدلات التضخم، وفقدان التوازن بين الدخول والأسعار، وتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...وغيرها من المشكلات.
انتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وزيادة التضخم، وتفاقم أزمة البطالة وزيادة معدلاتها، وما ترتب عليها من مشكلات اجتماعية مزمنة، وتفشى الأمراض، وانتشار الفقر والعشوائيات، وتدنى مستوى المعيشة، واضمحلال البحث العلمى وتحجيم إمكانياته، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وتزوير جميع الانتخابات واختزال الحياة السياسية لصالح قيادات الحزب الوطنى المنحل، وتخاذل مجلس الشعب وتقييد فعالياته، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية، والتى تستلزم التطوير والتغيير بما يناسب العصر ويلبى احتياجات الجماهير.
اندلعت ثورة 25 يناير 2011م بلا ترتيبات أو نوايا مسبقة لإعلان الغضب الشعبي الهادر لشيوع الفساد والمحسوبية، وغياب العدالة الاجتماعية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، واضمحلال دخول الأفراد بغير معايير ودون ضوابط تكفل حياة كريمة لكل مواطن، ولأسباب جوهرية أخرى توالت أحداث الثورة . وفى حقيقة الأمر ثورة يناير هي ثورة المصريين المطحونين ضد المصريين الفاسدين -وعلى وجه الخصوص فساد الحكم- وهى ليست ثورة شعب يناضل لينال استقلاله من محتل أجنبي أو عدو خارجي، والطامة الكبرى أن أحداث الثورة أدت في مجملها إلى تصنيف الشعب المصري إلى مؤيدٍ ومعارض، ثائر وفاسد، ظالم ومظلوم، مخلص وخائن، مكافح ومتهاون، شريف وفاجر...إلخ، وبذلك تحول الشعب المصري من شعب يعانى سوء الحالة الاقتصادية والفساد السياسي والتخبط الاجتماعي، إلى شعب يعانى قسوة الأحقاد ونزعات الانتقام والفرقة، والنزاعات والخلافات المفتعلة، والفوضى الخلاقة بين طوائفه وأبنائه. وتوالت النزاعات بين الفصائل السياسية المتناحرة، والصراعات الدموية المتتالية كالرياح العاتية والأمواج المتلاطمة، وتبددت جميع محاولات المصالحة الشعبية الشاملة. وفي ظل هذه الأحداث المروعة تم انتخاب الرئيس الشرعي للبلاد الأستاذ الدكتور محمد مرسي لأول مرة في تاريخ مصر بنسبة تقترب من 52٪، وكان عدم توحد الكيانات الإسلامية، وتعدد أحزابها السياسية، واختلاف برامجها الإصلاحية منذ الجولة الأولى سببًا جوهريًا في تدني نسبة نجاح الرئيس محمد مرسي، وبداية إحياء تمرد القوى المضادة. وعقب انتخاب رئيس الجمهورية تمت الانتخابات البرلمانية طبقًا لقانون الانتخابات الذي وافق عليه المجلس العسكري وتم إلغاؤه لاحقًا بدعوى عدم الدستورية!! والسؤال المحير لماذا لم يُعرض القانون على المحكمة الدستورية العليا مسبقًا وقبل إجراء الانتخابات؟
وبعد اختيار رئيس الجمهورية، وعقب إجراء الانتخاب البرلمانية المطعون في صحتها تمت موافقة الشعب على جميع مواد الدستور بأغلبية 64٪ ، ومن المعلوم أن اعتماد صحة الترشح، وعملية الانتخابات من خلال صناديق الاقتراع، وإجراءات فرز الأصوات، ونظر الطعون، وإعلان النتائج تم توثيقها واعتمادها من الهيئة العليا للانتخابات، والتي تمثل أعلى هيئة توثيق انتخابي قضائي في الدولة.
ومنذ تولي الرئيس المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر الأستاذ الدكتور محمد مرسي الحكم وحتى الانقلاب ضد الشرعية في تجمعات حشود 30 يونيو، وعزله قهرًا في 3 يوليو، تعالت الهتافات المطالبة بإجراءات إصلاحية استثنائية وانتخابات رئاسية مبكرة غير دستورية، رفض الرئيس مرسي بعضها ووافق على البعض الآخر، فكانت المطالبة بإسقاطه والتنديد به والتنكيل بجماعة الإخوان المسلمين الممثلة سياسيًا بحزب الحرية والعدالة لأسباب عديدة بعضها منطقي حقيقي يمكن تداركها وتصويبها من خلال القوانين والتشريعات الدستورية التي نسجها الشعب، والبعض الآخر وهمي مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة. وفي حينها تكالبت جميع قوى التمرد المضادة، والحشود الشعبية بوعي أو بغير وعي، وبمؤاذرة الجيش أعلن وزير الدفاع والانتاج الحربي استجابته لمطالب الحشود الشعبية المنقسمة، وعَزَل الوزير المعين رئيس الجمهورية المنتخب، وتم تعطيل دستورٍ ثوري مكتمل الأركان الشرعية، ومستوفي الإجراءات القانونية . كما تم الإعلان عن "خارطة المستقبل" لإحياء نظامٍ سياسي مستهجن على أنقاض نظامٍ سياسي شرعي- بما له وما عليه- نسجه شعب مصر بإرادة حره، وذلك بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وأعضاء البرلمان، والموافقة على دستور توافقي بأغلبية غير مسبوقة دون تقصير أو تقييد. توالت أحداثٌ مؤسفةٌ لا يعلم مداها إلا الله، تبدد الشمل وانقسم شعب مصر إلى فرق متناحرة وفصائل متصارعة. وعانت مصر وما زالت تعاني جرائم القتل والاغتيالات والتفجيرات بين أبناء الوطن الواحد حكومًة وشعبًا، والتي شملت المدنيين والعسكريين من أبناء ورجال الجيش والشرطة.
ومما سبق يتبين أن فترة حكم محمد نجيب استمرت لمدة 17 شهرًا وكان عزله وتحديد إقامته لعشرات السنين، وتعمد تجاهله التام من تاريخ مصر ثمنًا باهظًا لموقفه السوي وإصراره عليه. وفترة حكم جمال عبد الناصر استمرت لمدة 16 عامًا والتي جمعت عديدًا من الإنجازات وكثيرًا من المساوئ، والتي انتهت بالقضاء على الإخوان المسلمين، وهزيمة الجيش المصري هزيمة ساحقة في الخامس من يونيو 1967م. وفترة حكم أنور السادات دامت لمدة 11 عامًا جمعت بين الإيجابيات والسلبيات والتي انتهت باتفاقية كامب ديفيد الانهزامية المجحفة بمعزلٍ عن إرادة شعب مصر، والمقايضة على عملية السلام مقابل تنازلات باهظة. كما انتهت فترة أنور السادات بتقليص الحياة الديمقراطية، وتقويض حرية الرأي، والإصرار على تطبيع العلاقات، والاعتراف بدولة إسرائيل، والخضوع للسياسات الأمريكية المنحازة بغير حدود للعدو الصهيوني.
وبرحيل أنور السادات مغتالاً انتقلت السلطة لسلفه حسنى مبارك الذي تحكم في حكم مصر طيلة ثلاثة عقودٍ متتاليةٍ دون وضع دستور جديد، ودون إبداء أي نوايا لوضع دستورٍ جديد، واكتفى بصياغة وتعديل قوانين دستوريةٍ صارمةٍ تَضمن تقييد اختيار رئيس الجمهورية المنتظر، واحتواء ذلك الاختيار في القبضة الحديدية للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مما أثار الشك والريبة وكثرة اللغط والجدال حول قضية التوريث. وانتهى عهد مبارك بزيادة الفوارق الهائلة بين الطبقات، وشيوع الاحتكارات والفساد والمحسوبية، وإهدار المال العام بالداخل والخارج، وهيمنة جهاز أمن الدولة على الحياة المدنية، وجمود الدستور المعيب، وتقادم التشريعات والقوانين الدستورية وغير الدستورية التى تستلزم التطوير والتغيير على جميع المستويات، ولولا تفجر ثورة 25 يناير لبقي مبارك في سدة الحكم إلى ما شاء الله.
وعلى ما سبق وإحقاقًا للحق يمكن تقييم الأداء النسبي الحقيقي للرئيس محمد مرسي وحكومته، والتعرف على معايير التقييم من خلال تقييم جميع الرؤساء السابقين الذين حكموا مصر حكمًا جمهوريًا بعد ثورة 23 يوليو 1952م ، ابتداءً بالرئيس المعزول محمد نجيب، ثم الرئيس المهزوم جمال عبد الناصر، ثم الرئيس المغتال أنور السادات، ثم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وانتهاءً بالرئيس المعزول محمد مرسي الذي حكم مصر عامًا واحدًا وهي أقصر مدة للحكم في تاريخ مصر، وكذلك تقييم مجمل الإنجازات والمساوئ، ومقارنة جميع المزايا والعيوب.
وفي نهاية الأمر الحكم لله.. هو أحكم الحاكمين.. ولله عاقبة الأمور..

- أستاذ متفرغ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.