تناولنا فى الأجزاء الخمسة السابقة من هذا المقال والمنشورة فى مجلة أكتوبر - فى الأسابيع الماضية- ضرورة تحديد منهج علمى صحيح للبحث فى مشكلات القانون الدستورى وأهمية المنهجية Methodology / Méthodologie فى حل تلك المشكلات حتى لا تحدث أخطاء فادحة فى دراسة المُشكِلاتْ الدُسْتُورية وتَحْليْلها وتأصِيلها ومنها مُشكِلَة وضع الدُسْتُور المعلق لسنة 2012 من قبل والمشكلة الحالية وهى وضع دستور آخر جديد لِمِصْر والذى يجرى إعداده حالياً . وقد انتهينا إلى أن كلمة « تعديلات « الواردة فى الإعلان الدستورى تتضمن التعديل الكلى لدستور سنة 2012 كما انتهينا إلى أنه يجب منهجياً قبل الحديث عن تعديل الدستور يجب حسم مسألة أولية جوهرية سابقة على اقتراح أى تعديلات دستورية هي: هل يتم تعديل دستور 2012 أم تتم صياغة دستور جديد؟ وقد أشرنا فى المقالات السابقة إلى نظريتنا الجديدة – غير المسبوقة - فى الفقه الدستورى المصرى والمقارن، هى نظرية الانعدام والبطلان والانحراف فى القانون الدستورى والتى شرحناها تفصيلاً فى كتابنا «موسوعة شرح الدستور المصرى الجديد» لسنة 2012، مفادها أن الدستور المنعدم هو الدستور الذى يتضمن بكامله مخالفات صارخة وجسيمة فى إجراءات إصداره وفى تشكيل الجمعية التأسيسية التى وضعته أى أن السلطة التأسيسية لا تُعبر عن حقيقة المجتمع والتيارات السياسية المائجة فيه وإنما تُعبر عن فئة أو طائفة معينة أو فكر إيديولوجى أو فكر سياسى أو عسكرى لا يُعبر عن آمال المجتمع وأهدافه وتطلعاته. وسوف نتناول فيما يلى العيوب الدستورية والمهنية الجسيمة الأخرى التى تضمنها الدستور المنعدم المذكور وذلك فيما يلى: العيب الأول: صدور الدستور المصرى لسنة 2012 منعدماً لمخالفته للعُرف الدستورى الدولى والداخلى وللقانون الدستورى الدولى والداخلى فيما يخص دسترة مخالفات دستورية سبق وأن قضت المحكمة الدستورية العليا بمخالفتها للعرف الدستورى المصرى والدولى وذلك فيما يخص نظام انتخاب مجلسى النواب والشورى وحرمان فصيل من الشعب المصرى من مباشرة حقوقه السياسية فيما يعرف بمادة العزل السياسى ضد قيادات الحزب الوطنى المنحل وذلك لمخالفتها لمبدأ المساواة بين المواطنين وحق الإنسان فى مباشرة حقوقه السياسية. العيب الثانى: إعداد الدستور وصدوره فى ظل الإعلان الدستورى المنعدم الصادر فى 21/11/2012 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 46 (مكرر) فى 21/11/2012 بشأن تحصين ما يصدر عن الرئيس من إعلانات أو قرارات وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من الحل ووضع قواعد جديدة لاختيار منصب النائب العام، وحق الرئيس أن يتخذ ما يراه من الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة أى خطر يهدد الجمهورية. العيب الثالث: إعداد الدستور وصدوره فى ظل الإعلان الدستورى الصادر فى 8/12/2012 والمنشور بالجريدة الرسمية فى العدد 49 مكرر (أ) فى 8/12/2012 بشأن إلغاء الإعلان الدستورى الصادر فى 21/11/2012 مع بقاء الآثار التى ترتبت عليه صحيحة، وانتخاب جمعية تأسيسية جديدة فى حالة عدم موافقة الناخبين على مشروع الدستور الجديد، وتحصين الإعلانات الدستورية، وهو إعلان دستورى منعدم لعدم أحقية الرئيس فى إصدار إعلانات دستورية بعد انتهاء مرحلة الشرعية الثورية. العيب الرابع: صدور الدستور المصرى لسنة 2012 منعدما لمخالفته القانون الدستورى المصرى والدولى والعرف الدستورى المصرى والدولى لاحتواء هذا الدستور على مواد تعطى امتيازات وصلاحيات لرئيس الجمهورية ما كان يجب أن تُعطى له تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات مثل تعيين النائب العام أو ما جاء فيه بخصوص المواد المنظمة لانتخابات مجلس النواب والشورى وهو ما يصب فى مصلحة أغلبية واضعى الدستور. العيب الخامس: يعيب الدستور المصرى لسنة 2012 كثرة الإحالات فيه إلى القوانين الأخرى التى سوف تصدر فيما بعد لأن النصوص الدستورية يجب أن تكون قاطعة ومحددة ولا تحيل إلى قوانين أخرى تسلبها مضمونها ومع ذلك فقد أحال المشرع الدستورى فى مواد متعددة إلى قوانين أخرى للتحديد والتفصيل مما يترك الفرصة للأغلبية البرلمانية أن تتلاعب بالنصوص الدستورية وأن تطوعها كيفما يتناسب مع مصالحها وكأن الأمر مقصود لأنه من المعلوم أن الأغلبية التى وضعت الدستور هى الأغلبية الممثلة فى مجلس الشورى المعلق ومجلس الشعب المنحل والتى تتطلع أن تكون الأغلبية فى مجلس النواب القادم. العيب السادس: صدور الدستور المصرى منعدماً لمخالفته لأحكام القضاء الدستورى الدولى والداخلى فلم يحترم الدستور الجديد أحكام المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب ثلاثة مرات ودستر مخالفة المبادئ الدستورية التى استندت إليها المحكمة فى إصدار أحكامها بالحل فى المرات الثلاث السابقة. العيب السابع: صدور الدستور واعتراض ما يزيد على ثلث من لهم حق التصويت لأن الدساتير لا يتم الموافقة عليها بأغلبية من له الحق فى التصويت وإنما أغلبية خاصة هى ثلثا من لهم حق التصويت فى جداول الانتخاب لأن الاستفتاء على الدستور كاملاً يختلف عما سواه من الأمور الدستورية الأخرى التى قد يُستفتى عليها. العيب الثامن: تضمن هذا الدستور العديد من المواد الخاصة بالتزامات وواجبات على الدولة وغياب آلية تنفيذ هذه الالتزامات فى مواجهة حقوق المواطنين مما جعل غالبية نصوص مواده وعود إنشائية غير قاطعة أو مانعة أو ملزمة. العيب التاسع : يعيب الدستور المصرى لسنة 2012 أنه يتضمن مواد قانونية عادية تم دسترتها وهى لا ترقى إلى مستوى النصوص الدستورية السامية الأمر الذى يضعف نصوص الدستور ويؤثر على قوة وسلامة نصوصه ويؤكد أن دسترها الغرض منه عدم تمكين المحكمة الدستورية العليا من الرقابة الدستورية عليها. العيب العاشر: يعيب الدستور المصرى لسنة 2012 أنه لم يمنع مزدوجى الجنسية من الترشح لعضوية مجلس النواب وترك الأمر للقانون الذى سوف يقره مجلس النواب الذى يمكن أن تتلاعب به الأغلبية الممثلة فى التيار الإسلامي. العيب الحادى عشر: أن هذا الدستور جاء موجهاً ومغرضاً ومعبراً عن توجه من وضعوه مخالفا لكل الأعراف الدستورية والقانونية والإنسانية وذلك من خلال مواده التى عزل فيها فصيل معين من أبناء الشعب المصرى عن ممارسة حقوقهم السياسية دون التقيد بصدور أحكام قضائية تدينهم وكذلك المادة 233 من هذا الدستور التى جاءت فقط من أجل عزل قضاة من قضاة المحكمة الدستورية مما يُفْقد هذا الدستور ديمومة سريان مواده ويصبغه بصبغة وقتية مغرضة. العيب الثانى عشر : يعيب دستور 2012 أنه قد سمح لمزدوجى الجنسية الترشح لانتخابات مجلس الشورى وذلك لأن المادة 129 لم تذكر فى نصها منع مزدوجى الجنسية من عضوية مجلس الشورى. العيب الثالث عشر: جاء دستور 2012 مجاملاً لبعض الشخصيات العامة – فى ذلك الوقت – حيث تجاهلت المادة 134 شرط أساسى فى رئيس الجمهورية هو أن لا يكون قد حمل أى من والديه جنسية دولة أخرى وهو ما تم النص عليه فى المادة 26 من الإعلان الدستورى الصادر في30/3/2011 وفى المادة 75 من دستور1971 وهو أمر مسلم به فى غالبية دساتير العالم وفى القانون الدستورى الدولى والمقارن وهو حق راسخ تأصل فى مصر بعد قيام ثورة 1952 وهو ما ثارت حوله القضية الشهيرة الخاصة بجنسية والدة أحد مرشحى الرئاسة والذى تم منعه من خوض الانتخابات الرئاسية لهذا السبب فجاء الدستور منحرفاً فى هذا الشأن كما تجاهل كل السوابق الدستورية والأعراف الدستورية المصرية والدولية. العيب الرابع عشر: خلا دستور 2012 من نصوص دستورية تحاكم رئيس الجمهورية لارتكابه جرائم سياسية مثل التعدى على الدستور والقانون وإبرام معاهدات واتفاقيات من شأنها الإضرار بالمصالح القومية وحدود الدولة وأراضيها الأمر الذى يصبح معه غياب هذا النص قصور شديد يعيب دستور 2012 . العيب الخامس عشر: خلا دستور 2012 من ذكر تعيين نائب لرئيس الجمهورية يحل محله إذا ما وقع ما يمنع رئيس الجمهورية من أداء مهامه و هو أمر غريب يثير الاستغراب والتساؤل ويتضمن تركيز للسلطة فى يد الرئيس ويتعارض مع مبادئ إدارة الحكم الرشيد دون مبرر. العيب السادس عشر: يعيب دستور 2012 أنه قد تضمن تعيين النائب العام من قبل رئيس الجمهورية كما جاء فى المادة 173 وهو أمر أثبت الواقع العملى فشله حيث قام الرئيس المعزول محمد مرسى بإقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتعيين النائب العام طلعت ابراهيم عبد الله والذى كان مواليا لنظام الرئيس المعزول موالاة تامة على حساب حقوق الشعب المصرى والذى يعد أحد أهم أسباب قيام ثورة 30/6 وإسقاط نظام الرئيس السابق محمد مرسي. العيب السابع عشر: يعيب دستور 2012 أنه قد منح رئيس الجمهورية حق تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية كما جاء فى نص المادة 202 من دستور 2012 لأنه لا يجوز دستوريا ومنطقياً أن يعين رئيس الجمهورية من يقوم بمراقبته هو وحكومته وكان يجب أن يُسند أمر التعيين إلى مجلس الشعب دون غيره . كما توجد عيوب أخرى متعددة فى غالبية مواد الدستور سوف نظهرها تفصيلاً فى المقال التالى إن شاء الله تعالى .