كثير من الحقائق تاهت في مصر منذ قيام الثورة لكننا الآن أمام حقيقة مؤكدة: لقد كذب إبراهيم عيسى. في شهادته أمام محكمة مبارك أثناء نظر القضية في المرة الأولى قال الكاتب الصحفي إنه رأي بعينيه الشرطة تستخدم الرصاص الحي ضد المتظاهرين أثناء اشتراكه في المسيرة التي انطلقت من ميدان الجيزة إلى طريقها إلى ميدان التحرير والتي كان بجانبه فيها الدكتور محمد البرادعي والدكتور أسامة الغزالي حرب. تحدث عيسى كثيرا عن العنف المفرط الذي استخدمته الشرطة ضد المتظاهرين السلميين، وعن القتلى الذي رآهم بعينيه بعد إصابته بطلقات نارية خرجت من بنادق قوات الشرطة التي احتشدت بالمئات لمنع المتظاهرين من بلوغ الميدان وأطلقت النار بشكل عشوائي عليهم، وعن تحميله نظام مبارك مسؤولية ما حدث. في يناير الماضي أدلى عيسى في إعادة المحاكمة بشهادة مغايرة تمامًا، وبمجرد نشر الشهادة في بعض وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي حاول هو أن ينفها ويتلاعب بألفاظها ويستخدم قدراته اللغوية في تبرير وتمرير وتزويق ما قاله، حتى جاء يوم السبت الماضي لينكشف المستور على الهواء عندما قرأ محامي مدير الأمن العام الأسبق عدلي فايد، شهادة إبراهيم عيسى ليبرز التناقض بينها وبين شهادته في المحاكمة الأولى ويستخدم هذا التناقض في ضرب كل ما قاله شهود الإثبات. قال عيسى في شهادته إنه لم ير الشرطة تطلق النار على المتظاهرين وأنه رأى فقط استخدامها المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع، قال إنه رأى فقط متظاهرين يقتحمون مبنى الحزب الوطني ويسرقون منه الأجهزة والمقاعد، قال إن المتظاهرين هم من هاجموا سيارات الشرطة حتى أن سائق إحداها اضطر للهروب مذعورا داخل الجزيرة الوسطى بميدان التحرير، قال إنه لم ير مصابين بطلقات نارية وأنه رأى فقط شباب محمولين على أكتاف رفاقهم وبأجسادهم “احمرار”، قل إنه رأى البعض يعتلون سطح الجامعة الأمريكية ويطلقون النار على المتظاهرين لكنه لم يستطع تحديد إذا كانوا من أفراد الشرطة أم لا، قال إنه لا يعتقد أن مبارك أصدر أوامر بقتل المتظاهرين، قال إنه ربما يكون من قتل المتظاهرين جهات خارجية تريد نشر الفوضى في مصر. هل كذبت في الأولى أم في الثانية يا إبراهيم؟ هل كذبت حين قلت إن الشرطة قتلت المتظاهرين أم كذبت حين برأتها؟ هل كذبت حين أقنعتنا بأن العسكر كذابين، أم تكذب الآن وأنت تحاول إقناعنا بصدقهم؟ هل كذبت حين كنت تتحدث عن أهمية الدفاع حق الإخوان، أم كذبت حين اعتبرت حقهم حتى في الحياة رفاهية لا يتحملها وطن مأزوم؟ هل مثلت دور الثوري بحرفية تمثيلك دور رئيس التحرير النزيه في “خيانة مشروعة”، أم أننا نحن من مثلنا دور البُلهاء باحتراف حتى صدقناك؟ *** ليس من سمع كمن رأى. صدمتك في شخص لا تعرفه، لا تقارن بصدمتك في شخص اقتربت منه وآمنت بصدقه وتبنيت حلمه، عن نفسي كنت أعرف أن لإبراهيم عيسى أكثر من وجه، لكن وجهه الذي أراه به الآن يفوق قدرتي على التوقع والتحمل. قسوته وهو يتحدث عن شباب الثورة تُنسيك أنهم تعلموا الثورة من مقالاته، موقفه السابق من رجال الأعمال تجعلك تستغرب وأنت تراه ينقل صحفه وقنواته من حضن رجل أعمال إلى آخر، موقفه المساند للمشير السيسي يدفعك لقراءة كتاباته السابقة ضد حكم العسكر والدولة العسكرية. من حقك أن تتخذ الموقف الذي تريد، ومن حقنا أن نراك كما نريد نراك الآن مثيرا للشفقة وأنت تترك مقعدًا كان يمكن أن تشغله في توجيه الثورة وقيادتها، إلى مقعد وضعك له النظام في مؤخرة صفوفه تسند له بوقا، أو تحمل له مبخرة. نراك خائنا لثورة دعوت إليها ثم تركتها مع أول تعثر، إما لأنك لم تستطع دفع ضريبة الثبات على الموقف، أو لأن الثورة كانت بالنسبة لك من البداية وسيلة استخدمها جهاز ما لإفساد سيناريو ما. نراك الآن لآخر مرة لأننا بعدها لن نراك أصلا، ومن يسألنا عنك سنقول له ما قاله خال هنادي، إبراهيم أخذه الوبا.