span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" لم تكن الاعوام الستة والستون التي عاشها الكيان الصهيوني منذ قيامه، ونيله الاعتراف السريع من الدول الكبرى، كافية لكي ينجح هذا الكيان باقناع مواطنيه بأنه كيان راسخ ثابت قادر على البقاء مقبول من محيطه، فالشباب الاسرائيلي يفكر في الهجرة المضادة بنسب عالية، و"المتدينون" يتهربون من الخدمة الالزامية، والمتطرفون يقودون الدولة والمجتمع في تأكيد لمقولة شهيرة في علم النفس بأن "انعدام التوازن النفسي والعقلي هو أقصر الطرق الى التطرف". span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" ولم تكن هذه الاعوام الاسرائيلية الستة والستون كافية لاقناع العالم الاستعماري بأن هذا الكيان الذي احتضنه، ورعاه، بعد أن أفتى بقيامه، وقدّم له كل انواع الدعم، نجح في ان يكون قاعدة متقدمة ناجحة لحماية مصالحه، فإذا "بالحارس" المفترض يحتاج الى حراسة، واذا "بالسند" الاستراتيجي للمشروع الاستعماري الغربي بنسختيه الانكلو – فرنسية، والانكلو – اميركية، يتحول الى عبء استراتيجي على مصالح هذا الغرب، كما اعترف بذلك أكبر جنرالات البنتاغون الامريكي في شهاداتهم امام لجان الكونغرس قبل اشهر. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" كما لم تكن كل هذه الاعوام كافية، بكل ما رافقها من حروب واعتداءات، ومن اتفاقات وتسويات، من حصار ومستوطنات، من جدار عنصري وتهويد للمقدسات، من اعتقالات واغتيالات، من صراعات وانقسامات، لكي يرفع الشعب الفلسطيني، ومعه أبناء أمته، الأعلام البيضاء معلنا الاذعان لمشيئة الاعداء وداعميهم، بل واصل الفلسطينيون ومعهم ابناء الامة وأحرار العالم الكفاح بكل مستوياته، والمقاومة بشتى اشكالها، والانتفاضات على أنواعها، وبدا للعالم كله وكأن شعب فلسطين في واد، والمفاوضات والتسويات في واد آخر... span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" وبفضل نجاح هذا الكفاح والمقاومة والانتفاضة، اخذت الاقنعة الواحدة تلو الاخرى تنهار عن وجه هذا الكيان، "فواحة" الديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي تحولت الى اكبر معسكر اعتقال وتعذيب لشعب بأسره، واذا بمن يستدر عطف العالم باعتبار "ضحية" للنازية ومحارقها، يغذي وجوده بمحارق يرتكبها باستمرار ضد الفلسطينيين واشقائهم، محرقة تلو الأخرى، ومجزرة تلو الآخرى، واذا بالتحالف السري القديم بين الصهيونية والنازية، ينكشف بوضوح في اوكرانيا حيث يتباهى الصهاينة بدورهم في الانقلاب الذي قاده النازيون الجدد في كييف... span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" وبفضل روح الكفاح والمقاومة والانتفاضة، بدأ المخدوعون بدعاوى الحركة الصهيونية في كل انحاء العالم، لا سيّما من شرائح واسعة من الغرب الاوروبي والامريكي، يكتشفون حقيقة هذا الكيان الذي أنشئ يوماً بقرار دولي ولكنه اصبح الكيان الاكثر انتهاكاً للمواثيق والقرارات الدولية على مدى سنوات عمره، وان هذا الكيان الذي قدّم نفسه كنقيض للعنصرية يقدم اخطر أشكال التمييز العنصري وصولاً الى مطالبته باعتراف الفلسطينيين به كدولة يهودية. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" وبفضل روح الكفاح والمقاومة والانتفاضة، بدأت قدرات هذا الكيان العسكرية تهتز، وهيمنته الاستراتيجية تتراجع، ونفوذه السياسي يتآكل، وعاد البحث الجدي والعميق في كل خلايا مجتمعه ومؤتمراته الامنية في مصير الكيان نفسه وقدرته على الصمود بعد ان مرّت به فترة ، خصوصاً بعد حزيران 1967،كان يعربد فيها في كل سماء عربية، وفوق كل ارض عربية، وقبالة كل شاطئ عربي حتى سألنا يوماً "هل بات البحر الابيض المتوسط بحيرة اسرائيلية"؟! span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;"وبدلاً من ان نسمع تهديدات كان يطلقها العدو تطال الاقليم كله، وتسعى لجر حلفائها الأقربين الى حرب ضد ايران في العقد الثاني من هذا القرن، كما نجحت في استدراجهم الى حرب ضد العراق في العقد الاول من القرن الحالي، بدأنا نسمع تحذيرات اسرائيلية خافتة تنبه الى مخاطر اختراق رجال المقاومة لجبتهي الشمال مع لبنانوسوريا، والجنوب مع قطاع غزة، والى خطر انطلاق انتفاضة ثالثة في القدس والضفة، وبدأت دوريات العدو تبحث عن انفاق يقيمها المقاومون على طول الحدود في الشمال والجنوب، يمكن ان تحمل يوماً اعداداً من المقاومين الاشداء الى داخل المستعمرات الصهيونية. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" وبدت فلسطين والامة والاقليم برمته امام معادلة جديدة : كيان مأزوم محكوم بالانكفاء والتراجع، ومقاومة متنامية مؤهلة للنصر والتحرير. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" لقد قامت هذه المعادلة بفعل منعطف خطير شهدته المنطقة في 25 ايار/ مايو 2000 حيث أمكن القول ان ما بعد هذا اليوم هو غير ما قبله، وحيث ادرك كثيرون ان خيار المقاومة وسلاحها ونهجها وثقافتها وهو الخيار الأقدر والأفعل على تحويل الهزائم الى انتصارات، وايام النكبة الى مواسم للتحرير. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" بعد 25 ايار 2000 قامت الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي ما زالت مستمرة بشكل او بآخر، فأندحر الاحتلال عن غزة، وعجز متطرفوه عن اقتحام الاقصى وتدنيسه كما سائر المقدسات المسيحية والاسلامية، وتحول جدار الفصل العنصري الى لوحة صمود يجتمع حولها فلسطينيون ومتضامنون اجانب ليتلوا فعل إدانة الكيان الارهابي، وتحول الاف أسرى الحرية في سجون الاحتلال الى عناوين لحكايات تسمعها الشعوب عن "الضحية" التي باتت جلاداً، وتنكشف معهم ازدواجية المعايير لدى مؤسسات المجتمع الدولي والكثير من منظمات حقوق الانسان. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" بل أصبحت متضامنة امريكية شهيدة وشهيرة كراشيل كوري رمزاً لهذا التحول الشعبي الدولي المتعاظم ضد الممارسات الصهيونية، وبتنا نسمع مسؤولاً امريكياً كبيراً كجون كيري يلوح بمخاطر المقاطعة اذا استمر "التعنت" الصهيوني، كما نسمع احد دهاقنة الصهاينة "شمعون بيريز" يتحدث قبل أيام عن تعطيل نتنياهو لفرصة عقد تسوية تاريخية مع الفلسطينيين وهي فرصة قال آخرون ان صهيونياً بارزاً أخراً كأسحاق رابين دفع حياته بسببها وبسبب الوديعة الشهيرة باسمه. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" بعد 25 ايار 2000، سقطت جدران الخوف من انظمة الاستبداد والفساد والتبعية، اذ كيف يخاف شعب ينتمي الى أمة انجبت مقاومات بحجم مقاومة لبنانوفلسطينوالعراق، بل أنجبت مقاومة جمّدت اندفاع المشروع الصهيو- اطلسي على جبروته في العراق، وهزمت المشروع الصهيو – امريكي بكل غطرسته في لبنانوفلسطين، وبدأت مع شعب سوريا وجيشها وقيادتها برسم ملامح معادلة اقليمية كونية على الارض السورية.... span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" قد يقول قائل : من أين اتيت بكل هذا التفاؤل وكل ما حولنا من قتل ودمار، واحتراب وانقسام، وعصبيات وغرائز يشي بعكس ذلك... span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" والجواب بسيط: ألم تخرج من رحم أبشع الحروب اللبنانية عام 1982، واحدة من أعظم مقاومات العصر، فهزمت المحتل، وصدت العدوان، واقامت توازناً للردع مع "القوة التي لا تقهر"، وفتحت الابواب واسعة لتحرير فلسطين التي اضاعها يوماً تواطؤ النظام الرسمي العربي مع المشروع الاستعماري الغربي، ثم ألا تقرأون جيداً ما يجري من حولكم من تحولات. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" بين 15 ايار 1948 و 25 ايار 2000، نقرأ جدلية النكبة والمقاومة، جدلية الهزيمة والانتصار، جدلية الاحتلال والتحرير، جدلية الانقسام والوحدة. span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY:"Simplified Arabic";FONT-SIZE:14pt;" بين 15 ايار 1948 و 25 ايار 2000، ندرك جيداً اننا لن نعود الى فلسطين حتى تعود فلسطين الينا مخترقة حواجز اقامتها حدود وسدود، ومساومات وتسويات ، وحروب وانقسامات، عصبيات وغرائز، انظمة وسجون.