لا يتوقف الإعلام الرسمي المصري عن الحديث عن تغلل تنظيم القاعدة في ليبيا، واتهامها بإيواء قيادات من الإخوان المسلمين، بل وتشكيل "الجيش المصري الحر" على أراضيها، ليخلص بعد كل هذا لدعوة الجيش المصري لتوجيه ضرية عسكرية. "ليبيا فى قبضة المليشيات والجماعات المتشددة"، "ليبيا أصبحت وكرا للأفاعي وتهديدا صريحا للأمن القومي المصري". تستمع لمثل هذه العبارات وغيرها بشكل يومي في وسائل الإعلام المصرية الداعمة للانقلاب العسكري. ويصل الأمر أحيانا إلى دعوة الجيش المصري للتدخل العسكري في ليبيا للقضاء على ما يسمى "الجيش المصري الحر". بدوره يكتفي الإعلام الرسمي بالحديث دوما عن تغلغل تنظيم القاعدة في ليبيا بسبب عدم وجود جيش ليبي قوي وموحد، وكذلك اتهام ليبيا بإيواء قيادات من الإخوان المسلمين بعد طردهم من قطر، وفق التلفزيون المصري وصحيفة الأهرام. وبالرغم من ضراوة الحملة الإعلامية على ليبيا بحجة وجود الجيش المصري الحر على أراضيها، والدعوات المتزايدة لتوجيه ضربات عسكرية استباقية، فإنه لم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي، سواء من الحكومة أو الجيش أو الخارجية المصرية. غير أن الجزيرة نت حصلت على معلومات مؤكدة بأن الشؤون المعنوية للقوات المسلحة تعقد ندوات مستمرة لضباط وأفراد الجيش للحديث عن خطورة الوضع في ليبيا، في خطوة قد تكون استباقة لأي تحرك عسكري محتمل. وقد أثار الحديث عن الجيش المصري الحر، والدعوات لضربة عسكرية استباقية له داخل الأراضي الليبية، الكثير من الجدل داخل الأوساط السياسية في مصر، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض نوعا من إلهاء الشعب وتشتيت تركيزه قبيل الانتخابات الرئاسية، اعتبرها آخرون محاولة للسيطرة على النفط في شرق ليبيا لإنعاش الاقتصاد المتردي في مصر بحجة الحرب على الإرهاب. الباحث السياسي بمركز المسبار للدراسات والبحوث محمد محسن أبو النور أكد أن "العلاقات المصرية الليبية تمر بعدة أزمات منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، خاصة بعد أن اتخذ المجلس العسكري المصري في عهد طنطاوي مواقف سلبية من الثوار في البداية، من أبرزها رفض تسليم رموز نظام القذافي للسلطات الليبية الجديدة". وأضاف أن ما يحدث الآن من هجوم إعلامي وتحريض على ليبيا "يأتي في إطار سلسلة التخبط الذي تشهده مصر نتيجة انصراف الجيش المصري عن عدوه الحقيقي على الحدود الشرقية، إلى دولة شقيقة مثل ليبيا تفتقد الآن لأدنى مقومات الدولة". وأردف قائلا "الملاحظ في الأمر أن السلطات المصرية الحالية تستخدم الإعلام بشكل أرعن بكثير من أي فترة في تاريخ ديكتاتوريات المنطقة، حتى أرعن من إعلام القذافي أو صدام حسين في العراق قبل الاحتلال". وأضاف أبو النور "هذا الهجوم الإعلامي يتم بمعرفة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، خاصة وأن الإعلاميين الذين يتصدرون المشهد يتبعون بشكل أو بآخر القوات المسلحة المصرية، أي أنهم إعلاميون برتبة ضباط". واستبعد توجيه مصر ضربة عسكرية في الوقت الحالي بسبب التركيز على محاولات إنجاح الانتخابات الرئاسية القادمة، مشددا على أن "خطوة عسكرية في مصرية ضد ليبيا، لابد وأن تتم بضوء أخضر من الولاياتالمتحدة وحلف الناتو". من جانبه، اعتبر المتحدث الإعلامي السابق لحزب الحرية والعدالة أحمد رامي التحريض الإعلامي المتواصل ضد ليبيا منذ إعلان السيسي ترشحه للرئاسة بأنه محاولة فاشلة للفت الانتباه عن سوء أداء الانقلابيين، ومحاولة من السيسي لتسويق نفسه لدى الغرب بالمنطقة بزعم محاربة الإرهاب غير الموجود من الأصل. وأضاف أن "تدهور العلاقة مع ليبيا يتسق مع موقف نظام ينتمي لما قبل ثورة 25 يناير ويعادي ثورات الربيع العربي، وهو ما بدا أيضا في عودة العلاقة مع بشار الأسد في سوريا، وفتور العلاقات مع النظام التونسي". وتابع "إقدام الجيش المصري على احتلال أجزاء من ليبيا، يُعد استدعاء للصورة الذهنية لنظام جمال عبد الناصر الذي ورط الجيش المصري في حرب اليمن" محذرا من الزج بالجيش المصري في حرب ضد الشعب الليبي بهدف الحصول على الدعم الغربي، واستحضار حالة الحرب لإيجاد مبرر لقمع الحراك الشعبي الرافض للانقلاب العسكري". وشدد رامي على أن الغرب سيرحب بأي خطوة عسكرية يقدم عليها السيسي داخل الأراضي الليبية، لسببين الأول هو "توريط كل من مصر وليبيا في صراعات تتسبب في إضعافهما، والثاني لاستكمال تغيير العقيدة المعادية للكيان الصهيوني كعدو، وهو ما يصب في صالح إسرائيل". في المقابل، أكد الخبير العسكري المقرب من المخابرات اللواء سامح سيف اليزل أن مئات المصريين العائدين من سورياوأفغانستان أخذوا تعليمات من التنظيم الدولي للإخوان بتشكيل ما يسمى الجيش المصري الحر داخل الأراضي الليبية، برئاسة المصري "شريف الرضواني" الذي حارب في أفغانستان وباكستان وسوريا، وينتهج أسلوبا عدائيا ضد الجيش والشرطة والدولة. وزعم اليزل في تصريحات صحفية أن أعضاء الجيش المصري الحر يبلغ نحو سبعمائة أو ثمانمائة شخص، ليسوا جميعا مصريين، بل هناك عناصر أخرى من الصومالوسوريا وفلسطين والخليج واليمن، مشددا على أن مهمة تدريب هذا الجيش تقع على عاتق تنظيم القاعدة، وبمتابعة من نائبي المرشد العام للإخوان محمود عزت وخيرت الشاطر (المعتقل في زنزانة انفرادية منذ تسعة أشهر). وأضاف أن الأجهزة الأمنية رصدت انضمام طلبة من الإخوان في جامعات مصر لهذه التشكيلات، خاصة جامعات القاهرة والأزهر وعين شمس وحلوان، مؤكدًا أن الغرض من هذا التنظيم استهداف الجيش والشرطة، لكنه لم يعمل في مصر حتى الآن، وأن من حق مصر الحفاظ على أمنها ووحدة أراضيها بالطريقة التي تراها مناسبة. المصدر: الجزيرة