البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ضمن جولته بالمملكة المغربية.. وفد القومي للمرأة يزور التعاونية الفلاحية «نور السلام»    ويتكوف: مقترحنا هو الطريق الوحيد لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار في غزة    الزمالك يستعد للقاء بيراميدز في نهائي الكأس دون راحة    ضبط قائد سيارة لقيامه بتثبيت لوحتين مختلفتين على السيارة بمصر الجديدة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    ب "جيب قصير".. ريا أبي راشد تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    جولة لوزير الصحة بمستشفىي الحمام ومارينا.. ماذا قال؟    النحالين العرب: فيديو عسل النحل المغشوش لم يتم بطريقة علمية    أستاذ استشعار عن بعد: العاصفة الثلجية في الإسكندرية لن تكون الأولى وسنشاهدها كثيرًا الفترة المقبلة    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    منافس الأهلي.. بورتو يفوز على الوداد بهدف دون رد استعدادًا للمونديال    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال رصف شارع الجيش بدسوق    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    ماركا: رودريجو أبلغ ريال مدريد برغبته في الاستمرار    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    «كنت سندي في مواقف كتير».. نجم الأهلي يودع معلول برسائل مؤثرة    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش حرة:
نشر في الشعب يوم 18 - 08 - 2008


بقلم:‏ فاروق جويدة
لم يكن إبراهيم شكري يستحق هذه النهاية الحزينة ليقضي أخريات أيامه بين ثلاثية الأحزان‏..‏ المرض والشيخوخة والجحود‏..‏ ان الرجل الذي وهب حياته بكل تجرد وسخاء لهذا الوطن كان يستحق نهاية أفضل وتكريما يليق بمشواره العظيم في خدمة مصر‏..‏ ولكننا في أحيان كثيرة لا نفرق بين خلافات الرأي والأفكار‏..‏ وصراعات الأشخاص والمصالح مماجعلنا لا ندرك قيمة الرموز الحقيقية التي صاغت مواقف ونضال هذا الشعب‏,‏ وقدمت له أعظم ما فيه‏..‏
لم يكن إبراهيم شكري يستحق كل هذا التجاهل الذي استباح أيامه الأخيرة وهو يعيش خريف عمره‏..‏ هذا المجاهد العظيم الذي حمل رأسه علي كفه منذ بدأ نضاله السياسي في شبابه ضد الملك سجينا ومعارضا وصاحب قضية‏,‏ ثم أكمل مسيرته ليطالب بإعادة توزيع الأراضي ويبدأ بنفسه ويقوم بتنفيذ مشروعه قبل أن يعلن ثوار يوليو قوانين الإصلاح الزراعي بسنوات‏..‏ ولم يكن إبراهيم شكري يوزع أرضا حصل عليها بقرار تخصيص من وزير أو مسئول أو آلت إليه من الحراسات والتأميمات مثل الذين ورثوا الثورة والشعب معا ولكنه كان يوزع ميراثه عن أبيه‏..‏ ودخل إبراهيم شكري معارك كثيرة وصال وجال في معترك السياسة وزيرا ومحافظا ورئيس حزب سياسي‏..‏ وفي كل هذه المراحل كان الرجل واضحا وصريحا في نشر رسالته نحو العدالة الاجتماعية والحرية السياسية والشفافية في التعامل مع قضايا الوطن‏..‏
رحل إبراهيم شكري دون أن يفصح لنا عن أشياء كثيرة حملها قلبه المثقل بسنوات العمر وهو يتساءل عن المصير الذي آلت إليه أحوال مصر السياسية وهو يري حزبه السياسي يدفن أمامه حيا ويري صحيفته تصادر بقرار دون أن يدافع عنها أحد‏..‏
كانت نهاية حزب العمل وإغلاق صحيفة الشعب هي آخر مشوار إبراهيم شكري مع العمل السياسي وكانت أكثر الصفحات الدامية في حياة الرجل خاصة بعد عشرات الأحكام القضائية التي أصدرتها المحاكم المصرية بدرجاتها المختلفة بعودة الحزب والجريدة ولكن لا حياة لمن تنادي‏..‏ كانت نهاية حزب العمل نهاية حزينة فقد تم اغتياله في ظروف غامضة وفي قصة وملابسات غريبة ومهما كانت تجاوزات الحزب وأخطاء الصحيفة فأنا لا أري مبررا لأن نعالج الأخطاء بأخطاء أكبر‏..‏
رواية هزيلة تقتحم الحياة الثقافية في مصر تسمي وليمة لأعشاب البحر‏..‏ تثور الدنيا ولا تهدأ يتباكي البعض علي حرية الإبداع ومسئولية الفن والفنان‏..‏ ينقسم الشارع المصري بين مؤيد ومعارض‏..‏ تتزعم جريدة الشعب حملة ضد الرواية‏..‏ تتصاعد الأحداث بسرعة غريبة وتقرر الحكومة في ضربة واحدة وقف إصدار الصحيفة‏..‏ وإغلاق أبواب حزب العمل‏..‏ كانت سابقة خطيرة في الحياة السياسية المصرية أن يكون الخلاف حول رواية هزيلة القيمة سببا في كل هذا الدمار الذي لحق بالصحيفة والحزب معا‏..‏
ولكن خلف هذا الدخان الكثيف وهذه المعارك الدامية كانت هناك حقائق أكبر من وليمة أعشاب البحر الفاسدة وكانت هناك حيتان أكبر تلعب في الساحة وكان هناك مناخ ثقافي متواطيء تكشفت بعد ذلك ملامحه القبيحة‏..‏
لم تكن الرواية هي السبب في إغلاق الحزب والجريدة ولكن كانت هناك رؤوس قد أينعت وكان ينبغي قطافها ولكن كانت رأس الحزب والجريدة هي الأقرب من رؤوس أخري كانت هي الأحق والأجدر بهذه النهاية‏..‏ وبدا للناس أن الرواية هي السبب رغم أن الحقيقة كانت تؤكد أننا أمام جريمة فساد وليست جريمة لأعشاب البحر‏..‏
وبقي هذا السر الغامض الذي أطاح بأحلام إبراهيم شكري في إنشاء حزب صاحب دور ورسالة وصحيفة قادرة علي مواجهة مواكب الفساد‏..‏
مع اختفاء الحزب وغياب الصحيفة بدأت رحلة دفاع عن الحق الضائع‏,‏ وبين سراديب المحاكم والقضايا عاش إبراهيم شكري سنواته الأخيرة يحاول إنقاذ الحزب وعودة الصحيفة ولكن أحكام القضاء لم تنجح في إنقاذ حلمه المهزوم‏..‏
والحقيقة أن إبراهيم شكري لم يشعر بالظلم فقط من قرارات جائرة أغلقت صحيفته أو دمرت حزبا سياسيا وليدا ولكن الظلم الأكبر الذي شعر به هو هذا الموقف الغريب من المناخ الثقافي في مصر الذي أدار معركة ضارية دفاعا عن رواية هزيلة استخدمت فيها السلطة كل أجهزتها ولم يحرك ساكنا أمام إلغاء حزب وإلغاء جريدة‏..‏ انتقلت المعركة كلها إلي أرض الرواية وتركت الساحة خالية تماما لتعصف الأحداث والأقلام المتواطئة بالحزب وجريدته‏..‏ شعر إبراهيم شكري بظلم فادح لأن الواقع الثقافي المصري الذي يدرك تاريخ الرجل ودوره ومكانته كان ينبغي أن يدافع عن حق الحزب في الوجود وحق الجريدة في الصدور حتي ولو كان الخلاف بينهما ما بين السماء والأرض كان إبراهيم شكري يري أن تاريخه لم يشفع له أمام اتهامات باطلة بأنه عقد صفقة مع الاخوان المسلمين ونسينا في زحمة الاتهامات من هو إبراهيم شكري وما هو تاريخه ومواقفه وفكره‏..‏
منذ سنوات قليلة كنت أجلس مع واحد من مثقفينا الكبار في مكتبة الاسكندرية وأمام جمع من المثقفين خاطبني قائلا‏'‏ لن أنسي لك هجومك الضاري علي رواية وليمة لأعشاب البحر‏.‏ ان هذا الموقف سيظل محسوبا عليك‏..'‏ قلت له يا سيدي لم تكن وليمة ولكنها كانت جريمة لقد كتبت ضد هذه الرواية منذ سنوات ولو عاد الزمن بنا للوراء لفعلت ما فعلت دون تردد‏..‏ وإذا كنت أنت قد دافعت عن هذه الرواية بكل ما ملكت من النفوذ والأقلام والمنتفعين حولك من كبار المثقفين وصغارهم لماذا لم تدافع عن إبراهيم شكري وحزبه وصحيفته وتاريخه‏..‏ من كان الأولي بالدفاع‏..‏ حزب سياسي في بداية تجربة سياسية واعدة وصحيفة وزعيم له تاريخ‏..‏ أم رواية هزيلة لا تستحق سطرين في مقال‏..‏
لقد أخطأ المثقفون المصريون باختلاف انتماءاتهم عندما تركوا إبراهيم شكري يواجه مصيره وحيدا ولكن متي كانت قضايا الفكر والرأي والخلاف هي شاغل المثقفين المصريين وغايتهم‏..‏
لاشك أن إبراهيم شكري كان يشعر بالمرارة ليس من موقف الحكومة التي أجهضت تجربته السياسية في الحزب والصحيفة ولكن من هذا التواطؤ الغريب بين قرارات الحكومة وموقف المثقفين في هذه المحنة‏..‏
لم تكن المعركة حول رواية هزيلة ولكن المعركة كانت بين جبهة تدافع عن الفساد من المنتفعين وأصحاب المصالح وجبهة أخري تسعي لإقرار حوار حقيقي عن مسئولية الفن والمعني الحقيقي للالتزام‏..‏
وكان من الصعب علي رجل مثل إبراهيم شكري أن يترك الساحة رغم سنوات العمر وقسوة المرض ومرارة الجحود‏..‏ كنت أتابع أخباره من بعيد فقد التقينا مرات قليلة وكانت له في قلبي مكانة خاصة وكنت أدرك عن يقين أنه من الرموز المضيئة في تاريخ مصر التي ينبغي أن يلتف حولها الشرفاء من كل لون وأنه من الظلم له ولنا أن نحسبه علي أي اتجاه‏..‏ غير أنه محب لهذا الوطن‏..‏ وانسحب إبراهيم شكري من الحياة تماما وظل طوال السنوات الأخيرة قابعا في بيته لا يشارك في شيء‏..‏ وإذا سامحنا إبراهيم شكري وهو الآن في رحاب ربه في كل شيء فهو لن يسامحنا أبدا عندما تركناه وحيدا يحاول إنقاذ حلمه الذي سقط داميا بين إجراءات حكومية ظالمة وواقع ثقافي وسياسي مترهل لم يعد يدرك مسئولية الحفاظ علي رموزه‏.‏ لقد أخطأت الدولة حينما أجهضت حلم إبراهيم شكري وأخطأ الوسط الثقافي حينما شارك في جريمة إجهاض هذا الحلم صمتا أو تواطئا‏..‏
وفي الأسبوع الماضي خرجت الجموع وراء إبراهيم شكري تودع رمزا وزمانا وقيمة‏..‏ أما الرمز فهو باق لأن الرموز لا تموت‏..‏ وأما الزمن فهيهات أن يعود‏..‏ وأما القيمة فهي درس لأجيال ستجيء ربما أدركت أكثر منا معني العطاء والتضحية وأقدار الرجال‏..‏
والخلاصة عندي‏:‏ أن الخلاف بين إبراهيم شكري والحكومة لم يكن يبرر إلغاء حزب وإغلاق صحيفة مهما كانت درجة هذا الخلاف ومهما كانت حدود التجاوز في سياسة الحزب أو لغة الصحيفة كما أن الخلاف بين الحكومة وشكري لم يكن يبرر أبدا هذا الموقف المتناقض لكتيبة المثقفين المدافعين عن الحكومة في أن يدافعوا عن رواية هزيلة‏..‏ ويتجاهلوا قضية أكبر هي إغلاق صحيفة واغتيال حزب سياسي‏..‏ كل هذه الإجراءات والقرارات كانت تحتاج لقدر أكبر من الحكمة وفهم أوسع لقيمة عظيمة اسمها الحوار‏..‏
ليس الهدف من هذا الحديث أن ننكأ جراحا هدأت ولكنني أتمني أن يكون رحيل إبراهيم شكري فرصة لأن نراجع أخطاءنا وأن نحاسب أنفسنا حتي ولو كان ذلك بعد فوات الأوان‏..‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.