قامت نقابة الاطباء بالرد على مقال إبراهيم عيسى الذي جاء بعنوان "من يجهل التاريخ لا يعرف المستقبل"، في عدد يوم السبت الموافق 29 مارس الماضي، والذي وصف فيه كل أطباء مصر بالغباوة و الضحالة و الجهالة !! نحب أن نعرف إبراهيم جزء من تاريخ مهنة الطب و كفاح الأطباء المصريين، لأنه علي ما يبدو يجهل هذا التاريخ المنير. يحتفل الأطباء بيوم الطبيب في 18 مارس من كل عام، والذي يوافق تاريخ إنشاء أول مدرسة للطب في مصر وفي الشرق الأوسط وفي إفريقيا بأبو زعبل عام 1827، والتي تم نقلها فيما بعد إلى القصر العيني في سنة 1837. وفي عام 1918 كانت أولي محاولات إنشاء نقابة الأطباء في اجتماع دعا إلى عقده الدكتور علي باشا إبراهيم ولكن فشلت هذه المحاولة لعدم اتفاق الأطباء الوطنيين والأجانب حينها . ثم تم إنشاء نقابة الأطباء في عام 1920، بشكل غير رسمي تحت اسم "الجمعية الطبية المصرية"، لتصبح بذلك أولي النقابات المهنية المنشأة في المنطقة العربية، إلي أن تم إنشاء نقابة أطباء مصر بشكل رسمي عام 1949، ونظرا لتدهور أوضاع المنظومة الصحية نتيجة الفساد الذي قامت من أجله ثورة يوليو، لم يرض الأطباء وقتها – خاصة الشباب منهم – بهذا التدهور وبالبطالة التي أصابت الأطباء حينها فقاموا بالإعتصام بمقر نقابة الأطباء عام 1957 ووضعوا خطة لتطوير المنظومة الصحية في مصر واستجاب الرئيس جمال عبدالناصر وعين د. النبوي المهندس وزيرا للصحة والذي نجح في إعادة خريطة الصحة بمصر وفقا للتقسيم الإداري . وشهدت وزارة الصحة في عهد د. النبوي المهندس ثورة طبية باعتراف منظمة الصحة العالمية، حيث أنشأ 1200 وحدة صحية، و372 وحدة مجمعة، و التي تعتبر عصب المنشآت الطبية التي تخدم الشعب المصري حتي الأن، تم إقرار التأمين الصحي علي المواطنين العاملين بالجهاز الحكومي بعد ثورة يوليو كخطوة أولي ليشمل بعد ذلك كل المواطنين بالدولة، إلى جانب أنه كان يخصص للأطباء في الأماكن النائية نفس ما كان يخصص لوكيل النيابة و القاضي. هل يعلم أ/ إبراهيم عيسي أن الدولة بدلاً من أن تستكمل تغطية باقي المواطنين بالتأمين الصحي وتنهض بالبنية التحتية للقطاع الصحي تحت مظلة تأمينية موحدة، قامت في عهدي السادات و مبارك بتقليص مخصصات الصحة في الموازنة العامة للدولة، وأفرغت التأمين الصحي من مضمونه حتي صار لا يشمل كل الأمراض بل إنه صار عبئاً علي منتفعيه، صار نتيجة التخريب و الإفساد المتعمد للقطاع الصحي في السنوات الأربعين الأخيرة 29 قطاعاً مختلفاً يقدمون الخدمة الصحية ( مستشفيات جامعية – مستشفيات عامة – أمانة مراكز – تامين صحي – مستشفيات تعليمية – مؤسسة علاجية ... الخ )، مما أنتج هدراً للموارد القليلة المتاحة وتدهورا للخدمة الصحية، وصل مستوي الأجر الذي يحصل عليه الطبيب المصري إلى الحد الأدني عالمياً، حيث لا يتعدي أجر الطبيب الشاب – إذا انتظم صرف حوافزه و أكثرها يتأخر بالشهور – الألف جنيه يصرف منها علي دراساته العليا، والتي يصل رسومها السنوية فقط إلي أربعة ألاف جنيه، ويصرف منها مواصلات لمحل تكليفه الذي في أغلب الأحيان يكون بعيداً جداً عن محل سكنه، و يصرف علي غذاءه في أوقات النوباتجيات، لعدم وجود وجبات أو لتدني مستواها. هل يعلم أ/ إبراهيم عيسي أن الأطباء المصريين اللذين يعملون في السعودية يقتربون من 60 ألف طبيب، وهو العدد الذي يقترب من إجمالي عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي المصري، لماذا هاجر هؤلاء ؟ ألعلمٍ يبتغوه ؟ أم لرفاهية في بلاد الغربة ؟، إنه لظلم بلدهم لهم، ورغم ذلك فإن الأطباء المصريين متميزون عن أقرانهم في كل بقاع الأرض . هل يعلم إبراهيم عيسي أن مجموعة من الأطباء اجتمعوا ليكونوا "اللجنة القومية للدفاع عن الحق في الصحة"، والتي استطاعت أن تخوض معركة قضائية ومجتمعية ضد خصخصة القطاع الصحي ونجحت في إيقاف تنفيذ قرار رئيس الوزراء بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية في سبتمبر 2008، والتي كان إنشائها بغرض الربح من وراء تقديم الخدمة الصحية وخصخصة المنشآت الصحية التي تعتبر إحدي أملاك الشعب . هل يعلم إبراهيم عيسي أن مجموعة من الأطباء كونوا حركة "أطباء بلا حقوق"، والتي بدأت في 2007 تطالب نقابة الأطباء بالقيام بدورها بعد أن اقتصر دورها علي الجانب الخدمي دون التدخل – الذي هو صميم دورها – لإصلاح أحوال الأطباء البائسة والمنظومة الصحية المتدهورة، واستطاعت أن تجعل الأطباء يعرفون أن لهم نقابة يلجئون إليها، واستطاعت أن تضع النقابة في مكانها الصحيح لدي السلطة، كما استطاعت بمشاركة "اللجنة القومية للدفاع عن الحق في الصحة" أن تمنع إقرار مسودة قانون التأمين الصحي التي أعدها حاتم الجبلي، وزير الصحة الأسبق، و التي كانت تؤسس لتأمين صحي ربحي تجاري كما هو قائم بالنظام الصحي الأمريكي، ومازالت حتي الآن تتعدد المسودات حتي وصلت لأكثر من عشرين مسودة، ولم تجرؤ أية سلطة علي إقرارها - نتيجة تلك الجهود - لما بها من أعباء علي المواطنين. أخيراً . فإن نقابة أطباء مصر تطلب من إبراهيم عيسي الأتي، أن يمتثل للنصيحة التي نصح بها الأخرين ويسعى لمعرفة تاريخ الطب والأطباء المشرف جيدا، وأن ينشر هذا الرد في نفس المكان الذي وصف فيه كل أطباء مصر بالغباوة و الضحالة و الجهالة وبنفس الحجم إعمالاً لحق الرد الذي تكفله تقاليد مهنة الصحافة العريقة، ونود أن نعلمه أن النقابة ستتخذ كافة الإجراءات القانونية تجاه هذه الإساءة البالغة، في حالة عدم إعتذاره صراحة وبنفس طريقة وكيفية إساءته عما بدر منه في حق أطباء مصر.