أليس من سخريات القدر أن تعلن أميركا وعلى لسان كوندوليزا رايس ان بلادها تدعم وتشجع الهوية العربية لعراق اليوم ؟ وقد جاهرت رايس برغبتها هذه وبدواعيها فأكدت ان هذا الموقف جاء من أجل التصدي للنفوذ الايراني في المنطقة حيث ادعت الوزيرة السمراء أن ايران تدعم المجرمين في العراق, في حساباتها هم مجرمون ومقاومون شرفاء في حسابات أحرار العراقيين وجيرانهم من العرب والمسلمين. هل أصابت الدهشة أحدكم وهو يشاهد أميركا العدو الاول للعرب والعروبة وللإسلام والمسلمين وهي تدافع عن عروبة العراق وتستعد لبذل مساعيها الحثيثة من أجل الإبقاء عليه عربيا أصيلا ؟
وفي الحديث عن المعاهدة المزمع توقيعها بين أميركا والعراق والتي إذا ما وقعت ونفذت بنودها فسوف تحول العراق لمستعمرة أميركية على النمط القديم الذي لفظته جميع شعوب العالم وتخلصت من قبحه وهمجيته. في حديثنا هذا نقول ان الولاياتالمتحدة الأميركية لم تعد تكتفي بمفهوم الإستعمار الجديد الذي لا يقل قسوة وقبحا عن القديم فتاقت نفسها لممارسة الإستعمار على الطريقتين الإنجليزية والفرنسية التي عفا عنهما الزمن . إلا أن بعض الخبراء الأميركيون يقولون ان المعاهدة موضع البحث تحتاج لمصادقة الكونغريس عليها قبل تفعيلها ويعتقد على نطاق واسع ان هذه المصادقة سوف لا تكون مؤكدة الأمر الذي قد يستدعي من الإدارة الأميركية استبدال المعاهدة "بمذكرة تفاهم" تفاديا لعرضها على الكونغريس , ومن جهة أخرى تضع الإدارة الحالية في اعتبارها وصول المرشح الديمقراطي باراك اوباما الى البيت الأبيض وتخشى أن ينفذ وعوده بسحب القوات الأميركية من العراق الأمر الذي جعل ادارة بوش تتحدث عن جدولة سحب قواتها بالتزامن مع جدولة سحب الصلاحيات التي منحتها لنفسها في العراق وهذا هو ملخص فكرة مذكرة التفاهم على ما يبدو.. وقد تطرقت صحيفة "يو اس تودي" الأميركية لهذا التحليل ورجحت ما ذكرناه ويعتبر هذا التوجه الأميركي الجديد آخر صيحة أطلقتها الإدارية الأميركية المغادرة في الأشهر القليلة القادمة للساحتين الأميركية والعالمية. وبالتأكيد سوف لا يتردد الشعب الأميركي وبقية شعوب العالم في كسر الجرّات خلف ذيول هذه الإدارة الذاهبة الى غير رجعة. وأخيرا نقول إن العراق دفع اثمان باهظة نتيجة احتلال أميركا وحلفائها لترابه المقدس , فقد العراقيون أكثر من مليون شهيد قتلتهم أميركا او تسببت في قتلهم كما أوقع الإحتلال مئات الآلاف من الإصابات والإعاقات بين أبناء الشعب ودمرالبنية الأساسية للبلاد, لقد حولت أميركا العراق (بلد الماء والنفط) الى دولة فاشلة وجعلته عاجزا حتى عن إنجاز أبسط الخدمات المدنية لأبنائه مثل توفير الماء النظيف لهم أو البنزين لسياراتهم والديزل لمصانعهم ولمولدات الكهرباء أو مشتقات النفط والغاز لمنازلهم المنتهكة حرماتها. ولكن هل سيتعايش العراقيون مع هذا الضيم ؟ وهل سيقبلون بهذا الذل ؟ المقاومة العراقية المجيدة أجابت على هذه الأسئلة وقالت كلمتها فالحقت بالمحتل خسائر فادحة وما زالت تدمي جسده المنهك وتنظر اليه وهو يحصي في كل يوم قتلاه ومعاقيه, لقد أوقعته المقاومة في مستنقع عميق يتعذر عليه الخروج منه إلا مهزوما مدحورا.