ليس هذا من قبيل أخطاء تلميذ ابتدائى راسب فى العربي لأنه كان يملأ فراغات الجمل بطريقة أوتوماتيكية بدون تفكير؛ فجاءت إجاباته على هذا النحو: يُزرع السجاد فى إيران.. وتنمو المكرونة فوق الأشجار .. وتُصنع الطيور فى المصانع.. ولكنى معنيّ بخبر منشور؛ لا لأهميته ولا لأهمية صاحبه ولا الشخصيات التى تضمّنها.. فهم جميعًا مجرد تماذج تعيسة لمرحلة كئيبة.. مثيرة للاشمئزاز والسخرية.. ستتحدث عنها أجيال قادمة باندهاش شديد؛ فلن يصدّق أحد أن هذا قد جرى بالفعل على أرض مصر.. إذن لماذا اهتمامى بهذا الخبر..؟ – فى حقيقة الأمر هو مجرد نموذج فقط لطوفان من الأخبار اليومية التى تطفح على سطح الإعلام المصري، كما تطفح المجارى فى العشوائيات.. ولكنى أسوقه فقط لتحليله والكشف عن حجم التزييف الهائل فى خبر قصير كهذا.. ولنفهم معًا الأساليب الخبيثة: فى صناعة الأخبار وتلفيقها.. واعْجبْ بعد ذلك –ما شاء لك العجب؛ أن ترى أنه لا يزال يوجد فى مصر المحروسة صنف من البشر يصدقون هذه الأكاذيب الفاقعة الرخيصة.. التى تصنعها عصابة من الأفاقين .. لتذيعها عصابة أخرى من المنافقين والمرتزقة يزعمون للناس أنهم الصحافة والإعلام..!
يقول الخبر: كشف الإعلامي وائل الإبراشي، مقدم برنامج العاشرة مساء، سر استمرار المشير عبدالفتاح السيسي ، في الحكومة التي أعلنت استقالتها اليوم، مضيفًا: أن المشير فوجئ باستقالة الدكتور حازم الببلاوي، الذي كان مُخَطَّطًا أن يستمر في منصبه لفترة .. وقال الابراشي: إنه تم اكتشاف مخطط رُصدت له أموال طائلة تصل إلى مليارات الجنيهات من أجل تنفيذ عمليات إرهابية، وإدخال البلاد فى نفق مظلم، فور ترك المشير السيسى منصبه كوزير للدفاع حتى خوضه انتخابات الرئاسة .. لذا.. فإن المشير باق في منصبه بتوصيات من جهات سيادية". منطوق الخبر -من واقع كلماته- يهدم ويفضح نفسه بنفسه.. وإليك بيان هذا فى ستّ نقاط .. تعليقًا على عباراته واحدة بعد أخرى : 1- كشف وائل الإبراشى: هل الإبراشى كشف فِعْلًا أم أنه قد أُملي عليه الخبر من مصدر مخابرات كالعادة..؟ فكل أخبار الإبراشي وأمثاله مُمْلاة عليهم من المخابرات ومن أمن الدولة .. تأتيهم جاهزة.. مغلّفة ومختومة .. وهم جالسون كألواح من الخشب المسنّدة ، بلا جهد ولا حراك ولا بحث ولا يحزنون .. وظيفة سهلة تدرّ عليهم مئات الألوف من الجنيهات .. ليس فيها شيء مما كنا نسمع عنه زمان: أن الصحافة مهنة المتاعب والمعاناة والعذاب..
2- وهل هو خبر حقًّا ..؟ أم مجرد بالون اختبار طيّره الإعلامي الكسول.. ليعرف الراصدون -مِنْ ورائه- ردود فعل الفئات والأطياف المختلفة من الجماهير والنخب.. ؟ أم أنه مجرد نوع من التمويه على الناس لكسب الوقت..؟! كل هذه –وغيرها- وجوه محتملة .. ولا يقين هناك ؛ فحالة التِّيه أو التَّولة العقلية فى حد ذاتها عملية مقصودة لتزيد الناس اضطرابًا فى أفكارهم و سلوكهم .. فلا يهتدون سبيلًا. 3- المشير فوجئ باستقالة الدكتور حازم البلاوى: هل هذه نكتة أم كذبة أم هبالة..؟ أيًّا ماكانت.. فالهدف منها أن ترسّب فى وعي المشاهدين الغافلين- أن السيسى شخص عادي.. وليس وزيرا فى وزارة.. يهمه مصيرها ولابد له أن يكون أول من يعلم بأخبارها ولا يفاجأ بشيء- .. فما بالك وهو وزير الجيش والدفاع؛ كل مؤهلاته وإنجازات حياته الوظيفية تنحصر فى المخابرات وجمع المعلومات...
حقيقة الأمر وخلاصته المنطقية فى هذه النقطة بالذات.. أن وصف الإبراشي للسيسى ب" أنه فوجئ " بمثابة وصفه بأنه حمار، تايه فى مولد البلاوى؛ ولا يعرف رأسه من رجليه.. أو أنه كان يجلس "على ودنه" طول الوقت فلا يسمع ولا يرى ولا يفهم ما يدور حوله..! أنا شخصيًّا لا أعتقد هذا .. وأظن أن هذا الوصف ينطبق بجدارة على صاحب الخبر ، الذى ينقل هذا الكلام الغبي المفكّك اللامنطقي ، إلى الناس.. دون أن يراجعه مع المصدر أو يفكِّر فيه .. كما ينطبق –بنفس القدر- على كل من يستمع إليه ويصدِّقه.. وإلا فهو إهانة تضع صاحبها تحت طائلة قانون العقوبات.. 4- "الببلاوى.. كان مُخطَّطا له أن يستمر فى منصبه لفترة": حلْو.. قوي..!" يعنى كان فيه خطة.. يلزمها -طبعًا- مُخَطِّط..! فمن هو..؟ - هل الببلاوى نفسه..؟ أم الرأس الكبير.. أم الطرطور الملعون.. الذى لم يقدّر مواهبه.. عند الاختيار فعيّنه عن طريق الخطأ.. ثم أمره بالاستقالة بلا سبب واضح .. ؟! أم أن مظاهرات المعارضين للانقلاب هي التى أجبرته على الاستقالة..؟ أم أن مُمَوِّلى الانقلاب هم الذين فرضوا عليه الاستقالة ..؟ أم أن الجنرالات السفاحين أرادوا مسح جرائمهم ومجازرهم وفشلهم فى حكومة البلاوي .. فأقالوها.. ليشغلوا الناس بوزارة أخرى هي أكثر انحطاطا وأشد فسادًا من سابقتها..؟!
5- "اكتشاف مخطط لعمليات إرهابية مموّله بمليارات الجنيهات": ترويع مكشوف يتكرر كل يوم بلا دليل ولا بيّنة ولا تفاصيل ولا إجراءات عملية يراها الناس: كيف.. ؟ ومن..؟ وأين هم ..؟ و من يموّل..؟ وأين القضية..؟ وأين النيابة .. ؟ وأين التحقيقات.. والمحاكمات..؟! -لا شيء على الإطلاق... ليس بجديدٍ القول: بأن الناس يعلمون أن العمليات الإرهابية تقوم بها بلطجية الشرطة والمخابرات ليلصقوها بالمعارضين للانقلاب؛ الأحياء منهم والأموات والمحبوسين فى سجون إسرائيل..! 6- نأتى إلى كذبة الأكاذيب وقمة المُفْتريات التى تنسف الخبر كله من أساسه.. حيث يزعم الإبراشى "أن المشير باق في منصبه بتوصيات من جهات سيادية"..
أقول: إن الحمار المستأنس بالتدريب الطويل يمنح ظهره –تلقائيا- لأي راكب.. وقد فعلها صاحب الخبر بلا وعي منه .. ولن أناقش بقاء السيسى أو عدم بقائه فى منصبه فكل هذه مجرد تخمينات وبالونات اختبار طائرة فى الفراغ السياسي الرهيب الذى يملأ فقاعة الدولة الانقلابية منذ 3 يولية حتى الآن..
ولكنى فقط أذكّر القراء : أن الذى قاد الانقلاب هو الذى سطا على السلطة وألغى الدستور والبرلمان المنتخب .. وهو الذى جاء بالطرطور وعيّنه رئيسًا صوريًّا مزيَّفًا.. وهو المسئول عن تعيين الببلاوي وإقالته.. وهو الذى اختار أو وافق على جميع وزرائه.. وهو المسئول الأول عن كل قانون أو قرار أو إجراء؛ حتى الدعوة لمظاهرات الدعم والتفويض وتنظيمها.. وهو المسئول الأول عن المجازر والقتل المتواصل للناس فى مظاهرات الاعتراض السلمي على الانقلاب.. وفى النهاية هو الجهة السيادية الوحيدة القائمة فى مصر.. والمدعمة بدبابات الجيش وطائراته ورصاصه.. وعلى هذا فالكلام عن جهة سيادية أخرى نصحته بالبقاء أو عدم البقاء هو محض أسطورة ، فليس فى مصر –واقعيا- جهة سيادية أعلى من وزير الدفاع : الذى ألغى دستور الأمة الشرعيّ ووضع دستورا وقوانين تدعّم منصبه وتحصِّنه وترفع صلاحياته فوق سلطات رئيس الجمهورية..
لقد بنى قائد الانقلاب هذه القلعة الناشزة فى التاريخ المصري والعالمي .. وجعلها دولة حاكمة فوق الدولة الصورية المفرّغة من السلطة .. لا ليهجرها مختارًا وإنما ليبقى فيها محصّنًا إلى الأبد .. أو إلى أن يفيق الشعب وينسف هذه الأسطورة ؛ بثورة عارمة؛ تهدم الثورة المضادة وتعيد الأمور فى مصر إلى أوضاعها الشرعية الطبيعية..!! [email protected]