التعويض عن الحبس الاحتياطى خمسة جنيهات عن كل يوم سبهللة فى التسجيل الجنائى.. مجرمون غير مسجلين جنائيا وآخرون بلا جرائم وتم تسجيلهم معظم القضايا التى تعج بها السجون بسبب عجز الفقراء عن سداد أقساط أجهزة منزلية لتجهيز الأبناء شرط ترقية ضباط المباحث بعدد القضايا المضبوطة حولهم إلى ذئاب لممارسة التلفيق التعذيب فى أقسام الشرطة وسجون مصر ممنهج ولم يتغير حتى بعد ثورة يناير، فلا فارق بين مسجون سياسى وآخر جنائى فالكل فى التعذيب سواء، وكلاهما يحصل على نصيبه وما يجود به الضباط من تعذيب جسدى وإكراه معنوى وإذا كان التعذيب السياسى كثيرا ما تسلط عليه الأضواء خاصة من المنظمات الحقوقية باعتبار الجريمة السياسية ليست اتهاما مخلا بالشرف، بل كثيرا ما يعتبره المجتمع فخرا لصاحبه، إذ عادة ما يكون بسبب الدفاع عن رأى أو مبدأ، أو كلمة حق فى وجه سلطان أو نظام جائر، بينما يأتى عدم الاكتراث بما يتعرض له المسجونون أو المقبوض عليهم فى اتهامات جنائية من تعذيب رغم أن كثيرا منهم ما يثبت براءتهم أو يكون تم القبض عليهم فى قضايا فى حقيقتها لا تعنى تأصل الإجرام فى المتهم ومعظمها ما يطلق عليها قضايا «الغارمين» للعجز عن سداد قسط أو أقساط أجهزة منزلية، فضلا عن أنه فى كل الأحوال لا يجوز التعذيب وقد عشنا - فى هذا التحقيق الصحفى- يوما مع المعذبين من المسجونين أو الذين يتم القبض عليهم فى قضايا جنائية، من خلال مبادرة «ابدأ للعدالة الاجتماعية» والتى تراقب سجون محافظات الشرقية ومدن القناة، وقد رصدت 1124 حكما قضائيا بالتعذيب، والأخطر عدم ترك الشرطة لهم حتى بعد خروجهم من السجن، وقضائهم العقوبة، بل سعى ضباط المباحث على إكراههم للعودة إلى الجريمة ما بين إرغامهم على العمل كمرشدين أو تلفيق قضايا جديدة لهم، وهو ما ينتهى إلى عودتهم بل واستفحالهم فى الإجرام بدلا من التعايش الكريم وسط المجتمع وتأتى المفارقة فى أن معظم من التقينا بهم قضوا العقوبة فى قضايا ديون مالية لتعثرهم وعجزهم عن السداد لأقساط معظمها لأجهزة منزلية من ثلاجات وغسالات وغيرها اشتروها لتجهيز أولادهم أو بناتهم فى الزواج، ويقوم صاحب المتجر برفع دعاوى بعدد الإيصالات، وهو أمر سبق أن تكرر مع واحد من كبار «حيتان» استيراد السيارات الميكروباص فى مصر، وبعد فترة قصيرة اكتشف ممن ساء حظهم أن السيارات المشتراة مخربة من الداخل، وبدلا من محاكمته امتلأت السجون بهم لعدم سداد الأقساط، وحتى عندما يحاول المتعثر التصالح والسداد يفاجأ بقيام صاحب المتجر باشتراط دفع أتعاب لمحاميه للتصالح، ويزيد أتعاب المحامى عن أضعاف القسط المطلوب لينتهى الأمر بالحبس، ووصل الأمر إلى صدور أحكام بحبس سيدة 35 سنة لتعثرها فى سداد الأقساط رغم أن إجمالى الديون قد يكون ثمن ثلاجة أو بوتاجاز فماذا عن عالم التعذيب والسجون لغير السياسيين و الصعوبات فى إعادة تأهيلهم ودمجهم مع المجتمع؟ تعذيب ممنهج بداية عن التعذيب فى السجون أو أقسام الشرطة والتى رصدت «ابدأ للعدالة الاجتماعية 1124 حكما فى منطقة واحدة من مصر، يقول محمد جمال عبد الجيد عضو وحدة الدفاع القانونى بالمبادرة: إن التعذيب فى مصر يمارس بشكل منهجى فى كل القضايا الجنائية، وتم رصد حالات تعذيب ثبتت بالأحكام القضائية، وبالطبع هناك أضعاف أضعافها لا يتم إثباته لأسباب عديدة أهمها عدم إبلاغ من تعرضوا للتعذيب عما حدث لهم وتأتى معظم حالات التعذيب فى أقسام الشرطة بمعرفة ضباط المباحث لأسباب عديدة أهمها وجود مصلحة شخصية للضابط حيث يرى ضرورة وجود عدد كبير من المتهمين فى قضايا ملفقة أو غير ملفقة ليتلاشى التفتيش، إذ لا تؤمن الداخلية بعدم وجود محتمع مثالى أو حتى منطقة واحدة بلا جرائم، والأعجب أن ترقية ضباط المباحث تتوقف على كم القضايا المضبوطة بمعرفته، وربما يبررها لنفسه بأنه عمل إنسانى وبأنه لو استنبط المعلومات بطريقة التعذيب ستكون السرعة، وبذلك يخدم المجتمع والإنسانية، ومن المؤسف أن ثقافة المجتمع بها تقبل للتعذيب من ضباط الشرطة، وأنه حتى فى حالة اللجوء إلى الشكاوى أو البلاغات والقضايا فإن القوانين غير رادعة حيث لا تعاقب رجال الشرطة سوى بغرامات بسيطة، ويقدر التعويض عن الحبس الاحتياطى بمبلغ خمسة جنيهات عن كل يوم ويعاون ضباط المباحث فى هذه التجاوزات من تلفيق أو تعذيب جمهورية المخبرين، حيث يعتبر ضابط المباحث الرئيس الأوحد لهم، وهو يعلو المأمور أو أى رتبة أخرى فى قسم الشرطة، ففى يده الترقيات والموافقة على الإجازات وتوقيع الجزاءات وغيرها، وفى الوقت نفسه فمعظم هؤلاء المخبرين غير مؤهلين للعمل فى هذا المجال وفق ضوابط موضوعية. وتشير نرمين البحطيطى مدير عام مبادرة ابدأ إلى مفارقات عديدة أثناء عملها الميدانى، من أهمها: وجود أخطاء جسيمة فى التسجيل الجنائى، فهناك أشخاص بلا جرائم وهم مسجلون جنائيا، وهناك أيضا مرتكبو جرائم وغير مسجلين، علما بأن هناك مدة لإلغاء التسجيل ومنها بعد 6 سنوات أو بعد 9 سنوات، أما التعويض عن الحبس الاحتياطى فهو مبلغ تافه. مفارقة أخرى تشير إليها نرمين البحطيطى بأن كثيرا من الأطفال يتحملون أوزار الجرائم بدون ذنب منهم، وهم المرتبطون بقضايا إثبات النسب، وصعوبة إجراءات الإثبات خاصة مع عدم تعاون الأبوين أو أحدهما فى العلاقة بالطفل، والمفروض خروج الطفل من هذه المنظومة. أما الفئة الأكثر تضررا فهم من يتم حبسهم بسبب قضايا مالية لعدم تمكنهم من سداد أقساط لأجهزة منزلية، ويوجد صاحب محل أجهزة منزلية بمدينة أبو حماد تسبب فى حبس عشرات الأشخاص بسبب مبالغ صغيرة، وتسعى المبادرة إلى مساعدتهم سواء أثناء تداول القضايا، أو إعادة تأهيل من قضوا العقوبة للعيش الكريم مع المجتمع. هذا وقد التقينا بعدد من الأشخاص الذين قضوا عقوبة الحبس لأسباب مختلفة ومن بينهم: داليا صلاح وهى أرملة ولديها أربعة أطفال، ضمنا أمها فى إيصال أمانة بخمسة آلاف جنيه، وتوفيت أمها، ولم تستطع هى سداد الدين فتم حبسها لمدة عام بسجن بور سعيد للنساء، وهو سجن مكتظ بالسجينات حيث يخدم محافظات مدن القناة والشرقية ودمياط وكثيرا ما يكون عدد السجينات ضعف سعته. أما وفاء رجب مرسى فقد بلغت الأحكام الصادرة ضدها 35 سنة بسبب عدم القدرة على سداد أقساط بعض الأجهزة المنزلية لصالح محلات شهيرة بأبو حماد، وقضت سنة فى السجن، بينما تم حبس سهير البساطى لسبب عجيب، إذ إن بعض ملاك أرض الإصلاح الزراعى المصادرة من أملاك الخديوى إسماعيل بالشرقية تركوها بسبب رشح ترعة الإسماعيلية، وقام بعض الفقراء بالبناء عليها ومن بينهم سهير البساطى لترعى أولادها، فجأة استولت الأوقاف على الأرض وطلبت من هؤلاء الفقراء دفع إيجار، وعندما تأخرت صدر حكم بحبسها، أما زاهر السيد أحمد فقد قضى عقوبة السجن، ويسعى إلى التوبة بمعاونة صادقة من شقيقته وزوجها إلا أن ثقافة المجتمع والشرطة عطلت عودة اندماجه فى المجتمع. فى الحبس مظاليم التقينا أيضا بفريق المساعدة التطوعى «ابدأ» بداية من مدير عام المبادرة نرمين البحطيطى، ووحدة الدفاع القانونى المحامين محمد جمال ومحمد سعد وأحمد عبد الحق عبد الحميد وعبد العظيم كمال، ووحدة التأهيل النفسى والتى تضم د. هانى الزغنيدى ود . علاء عبد الهادى، والأخصائيين النفسيين أحمد عبد العظيم ومحمود حسن وندى مختار، ووحدة العدالة الاجتماعية محمد السيد عبدالجيد ومها أحمد على، ومدير المشروعات محمود سعد. وقد قامت مبادرة «ابدأ» بجانب عمليات الرصد بمساعدة هؤلاء قدر المستطاع، حيث قام الطبيب النفسى د. علاء عبد الهادى بمعاملة زاهر وتأهيله للعودة للمجتمعع خاصة مع هدف المبادرة بنشر الوعى المجتمعى حول ضرورة تأهيل المفرج عنهم، وأنه من الأفضل تعليمه حرفة يتكسب منها، واتفقت نرمين البحطيطى مع بعض المقاولين على عمل زاهر وأمثاله بنصف الأجر وتتحمل النصف الآخر مع ضمان عدم العودة للجريمة، أما الأخريات فقد تم السعى لسداد الغرامات والديون وعمل مشروعات صغيرة من متاجر ومعلف وغيرها على أن يسدد هؤلاء جزء من الريع بعد فترة ليتم منح غيرهم، وكذلك العمل على إزالة الوصمة الاجتماعية من خلال برنامج تدريبى باعتبارها المحدد الأساسى لما يعانى منه المسجون المفرج عنه، وهناك جهد طيب يحسب لفريق العمل خاصة أنه متطوع لخدمة المسجونين المفرج عنهم أو الذين لا يستطيعون سداد ديونهم البسيطة، أو الذين يتعرضون لمعاملة سيئة ودفع بعض ضباط المباحث لهم دفعا لعودتهم للجريمة، وأيضا معالجة آثار نظرة المجتمع لهم حتى لوكان - كما يقول المثل الشعبى - يا ما فى الحبس مظاليم