نتائج الحراك الشعبى فى تونس وهروب «بن على» فى يناير 2011.. ساهم فى تحطيم جدارن اليأس فاستبسلت الشعوب وقدمت تضحيات دفاعا عن حريتها المقاومة يجب عليها تبنى قدرتها والتحرك فى مسارات سليمة.. وتصحيح أخطائها سريعا منع قوات القمع أو البلطجية من الوصول إلى مناطق التظاهر وعدم الاعتصام أمام أو داخل أحد المبانى المستهدفة من قبل الجماهير الثائرة عند غلق الطريق يجب دراسة الطرق التى تأتى منها قوات القمع لقمع المحتجين.. وتحديد استراتيجية مثلى للتعامل معها المقاوم ليس قاطع طريق أو مجرما.. بل هو صاحب رسالة لذلك يجب أن يحسن معاملة الناس ويدعوهم للتضامن مع الثورة العصيان المدنى يصبح ضروريا حينما تتعارض القوانين وممارسات الجهات التنفيذية مع القيم الأخلاقية للمجتمع.. وتتوقف أخلاقياته على عدالة القضية إن لم يفهم خصمك ما فى رأسك فلن يستطيع أن يحاربك أو يتآمر ضدك تأتى أهمية «حرب الصدور العارية» لمؤلفيه (أحمد عبد الحكيم، وهشام مرسى، ووائل عادل) ليس لحداثة صدوره، ولكن لتوقيت عرضه من ناحية وما تشهده مصر من ثورة عارمة وثوار لديهم الاستعداد للبذل والتضحية ويحتاجون إلى نصائح هامة. ومن ناحية أخرى نظرا إلى مضمون هذا الكتاب الذى يقدم روشتة هامة فى العمل الثورى ومقاومة قمع الحكومات الاستبدادية من خلال حرب الصدور العارية. يرى الكتاب أن التدخل الخشن هدفه بناء المسار السلمى، وتزويده بأدوات تجعله محصنا بحيث لا يخترقه العمل العنيف تحت ضغط الواقع، فى عمليات المقاومة المدنية لا يمثل الاحتفاظ بالمواقع أو حصارها أمرا ذا قيمة كبيرة، اللهم إلا فى لحظات الحسم الأخيرة حين تتم محاصرة أو احتلال ميادين كبرى أو رئيسية. ومن ثم فإن الوصول إلى التوازن الاستراتيجى مع قوات القمع النظامية وغير النظامية يقتضى اعتماد التيار المقاوم على الحركة الدائمة والسريعة والمفاجئة وغير المتوقعة. ويواصل الكتاب قائلا إنه تخطئ بعض الحركات والأفراد الذين لديهم نزوع للعنف، حين تقيس استخدام العنف على ممارسات سابقة كان يؤيدها فيها الناس، ولا تراعى فى قياسها سوى عنصر «الأداة».. فتقول على سبيل المثال: «لقد استخدمنا الحجارة من قبل ولم يستنكر أحد، فلماذا تنكرون علينا اليوم؟». وهنا يجب الانتباه إلى أن الرضا الشعبى أشبه بتصويت عام على حالة كاملة وليس فقط على وسيلة، فهو أقر الوسيلة (أو تغاضى عنها) فى ظل ظروف محددة، بكراس شروط خاص، وليس إقرارا عاما باستخدام الوسيلة فى كل حالة. توفير حماية للتظاهرات ويدخل فى المعطيات المتغيرة عدة عناصر، مثل القضية التى يكافَح من أجلها، ووجود مسارات بديلة، وتوقيت الكفاح، وطبيعة الخصم ومدى تقدير المجتمع له، وطبيعة المقاوم. ويشبر هنا إلى الحالة اليمنية قائلا: عندما نجد الشعب اليمنى -المسلح بطبعه- يضع سلاحه ويتظاهر، ومع شدة القمع يكتفى بتوفير حماية للتظاهرات؛ فهذا تقدم كبير من أجل الحفاظ على المسار السلمى فى شعب مسلح. يصعب قياس الحالة ودعوة شعب أعزل بطبيعته إلى التسلح من أجل حماية التظاهرات لمجرد أن قوات القمع تستخدم أسلحة مكافحة الشغب. فالوعى العام يقبل الحالة الأولى ويعتبر هذا التكتيك الدفاعى هو قمة التحضر فى هذا البلد. بينما الوعى العام فى الحالة الثانية قد يؤدى إلى عزوف كامل عن المشاركة، بل وربما اتهام المسلحين بالإرهاب وتمنى القضاء عليهم. المقاومة هدف القمع وكما تدرس المقاومة هدف القمع، وتحاول فهم عقلية القيادة القمعية؛ فإن القيادة القمعية على الناحية الأخرى تفهم عقلية قيادة المقاومة من نمط الحركة المتكرر، وبالتالى تتوقع ردود الفعل والتكتيكات المستخدمة. لذلك اجعل قاعدتك «إن لم يفهم خصمك ما فى رأسك، فلن يستطيع أن يحاربك أو يتآمر ضدك» ويؤكد الكتاب أنه ليس الطغاة من يملون على المقاومة المنهج الذى تقاوم به، ليسوا من يقول هذا يصح وهذا لا يصح، فقط رؤية المقاومة للمسار الذى يُصلح المجتمع هى التى تحدد منهج المقاومة. ويتطرق الكتاب هنا إلى نقطة هامة وهى أنه يجب التمييز بين مفهومى «اليأس» و«الخوف»، فليس كل عزوف عن المشاركة سببه الخوف؛ أحيانا يكون السبب هو اليأس.. اليأس من إمكانية التغيير، فلطالما اتُهمت شعوب المنطقة العربية بالخوف والسلبية، ومع اندلاع ثورة تونس إذا بنا نرى الشعوب تنتفض فى مشهد صادم للقناعات السابقة. لم تكن الشعوب جبانة، بقدر ما كانت يائسة من إمكانية التغيير على الطريقة التى يطرحها السياسيون التقليديون، فحين رأى الناس نتائج الحراك الشعبى فى تونس وهروب «بن على» فى يناير 2011، تحطمت جدارن اليأس، واستبسلت الشعوب وقدمت تضحيات لنكتشف أن جدار اليأس كان أعلى بكثير من جدار الخوف. عوامل نجاح عمليات القمع ويلفت الكتاب إلى أنه من عوامل نجاح عمليات القمع قدرتها على توقع الخطوة القادمة للمقاومة، وبالتالى بناء خطط المواجهة، وتطوير برامج التدريب والإعداد والتأهيل للقوى الأمنية لتنفيذ هذه الخطط، أو تفعيل خطط الطوارئ المتاحة بالفعل، والتى يتم تدريب قوى الأمن عليها بشكل دورى. الهجوم أو النشاط المفاجئ وغير المتوقع الذى يخرج عن إطار خطط الطوارئ يجعل الخصم فى حالة ارتباك شديدة، ويجعله يرتكب الكثير من الأخطاء، وهو ما يمهد الطريق أمام الحراك التغييرى لتحقيق الانتصار. ويطالب الكتاب بتفعيل تكتيك حصار القوات: فى حالة التخطيط لحصار مبنى تقف أمامه قوات قمعية، بدلا محاصرة المبنى بشكل مباشر، يتم سد الطرق المؤدية إلى المبنى، وبذلك يكون المتظاهرون قد تجنبوا المواجهة المباشرة، ويحاولون تعطيل الطرق التى يمكن أن تعود من خلالها القوات لممارسة القمع، ثم ينصرفون قبل أن يأتى إمداد عسكرى جديد، وحين تصم السلطة آذانها، تظهر الحاجة إلى ضرورة إحداث ضجيج، فتلجأ المقاومة إلى وسائل التدخل المباشر، والتى من أهدافها: - التعبير عن الغضب الحاد إزاء قضايا لا يمكن السكوت عنها، مثل مقتل أبرياء. - إثارة انتباه الناس لأزمة كبيرة، مثل تمرير تشريعات قانونية أو دستورية معينة. - إصابة الدولة بشلل كامل فى حالات حسم الصراعات، أو الشلل الجزئى فى حالات إيصال رسائل إلى النظام عن إمكانات المقاومة. - منع أو تعطيل مجموعات محددة من الوصول إلى مكان محدد، مثل منع قوات القمع أو البلطجية من الوصول إلى مناطق التظاهر. - منع العمل فى مكان محدد، فبدلا من الاعتصام أمام أو داخل أحد المبانى المستهدفة من قبل الجماهير الثائرة، يتم قطع الطرق الموصلة إليه. - التحكم فى الحركة المرورية من خلال إيجاد أنماط بديلة، مثل شبكة مواصلات بدية. إرشادات إغلاق الطرق - يجب أن ترتبط الوسيلة بقضية عادلة فى وعى الكثير من الناس (حتى لو لم تكن القضية ذاتها تعنيهم)، فإن لم تكن كذلك، سيستثمرها النظام ضد المحتجين. - يجب أن يكون هذا النشاط رد فعل على حدث يستحق مثل هذا النوع من العمل، وفى الحالات العادية لا يكون هو بداية السلم التصعيدى، ولكن يتم اللجوء إليه حين تصم السلطات آذانها تماما، ولا تتفاعل مع وسائل الاحتجاج الأخرى. - المقاوم ليس قاطع طريق مجرم، هو يريد فقط إيصال رسالة، لذلك يجب أن يحسن معاملة الناس، وأن يهتم بذلك بشكل كبير وواضح فى نشاطه، وأن يحدد فى طريقة إغلاق الطريق الرسالة التى سيوجهها إلى الناس. - احترام عقول الناس، وتوضيح أسباب الغلق بشكل واضح، ورفع لافتات من قبيل «سنغلق الطريق 5 دقائق، لتسير البلد 5 سنين». ويمكن إعطاء حلوى أو هدايا بسيطة للواقفين، وإيجاد مجموعة دورها هو الحوار مع الناس. - وكما تخاطب العقول وتحترمها، تستهدف العواطف كى يمس النشاط قلوب الناس، عبر الرسائل التى توضح القيمة المعنوية العالية للنشاط، وأهميته لمستقبل الناس وأبنائهم، ولتحقيق مصالحهم... إلخ، مما تمليه الاستراتيجية العليا لحركة المقاومة، وهكذا يتم مخاطبة العقل والقلب فى آن واحد. - تحويل الضرر الواقع على الناس إلى تكلفة مدفوعة؛ فالناس حين ترى الشارع مغلقا بسبب فرح لا تتوتر، وربما تجامل أصحاب الفرح برسالة ترحيبية من أبواق السيارات. فالناس بطبيعة الحال تقف فى الطريق أحيانا دون تذمر كبير. شعورها بالاستهداف هو الذى يخلق التذمر بدرجة أكبر. - الإعلان عن مواعيد غلق الطرق قبل القيام بذلك، وتوضيح الهدف من الغلق، حتى لا يتحول الأمر إلى عقوبة مفاجئة للناس. وتحديد الطرق التى يمكن أن يسلكها أصحاب الحالات العاجلة مثل المرضى أو المسافرين. - فى حالة عمليات الإغلاق المفاجئ -التى عادة ما تلجأ إليها المقاومة فى الأنظمة شديدة القمع التى لا يمكن فيها الإعلان عن الإغلاق قبل حدوثه- يجب أن تصحب هذه العملية مجموعات خدمية لتقديم العون والمساعدة؛ فالطريق المغلق قد يعطل مريضا عن شراء دواء هو فى أمس الحاجة إليه، أو يعطل عجوزا عن تحصيل معاش قد يفقده إن تأخر. - إنشاء موقع إلكترونى يبث بشكل مباشر الحالة المرورية والمنافذ المتوفرة للسير (فى حالات قطع عدة طرق لمدة طويلة)، والأماكن التى يمكن من خلالها الحصول على الخدمات العاجلة، كما يمكن تخصيص قناة فضائية أو موجة إذاعية للرصد والتوجيه. الاستخدام الرمزى للوسيلة الاستخدام الرمزى للوسيلة فى حالة الرغبة فى لفت الانتباه، دون أن يتم تكرارها بشكل مستمر إلا فى حالات الضغط الحاسم، وفى حالة من القبول الشعبى العام النسبى. والقبول لا يعنى الرضا؛ ففى حالات السخط الشديد على مقتل أبرياء على سبيل المثال، يتفهم قطاع من الشعب حالة الغضب. - أحيانا تقدم التكتيكات الذكية غير المباشرة التى تحمل قدرا من التحايل، على التكتيكات المباشرة. - المجموعات التى تقوم بمثل هذا النوع من الأنشطة عليها أن تكون مستعدة لتحمل العقوبة. - عند إغلاق طريق، يجب دراسة الطرق التى يمكن أن تأتى منها قوات القمع لقمع المحتجين، وتحديد استراتيجية مثلى للتعامل مع هذه الطرق من خلال واحدة من الاستراتيجيات السابقة. - أحيانا يحقق مجرد الإعلان عن إغلاق طريق أو احتلال وسيلة مواصلات الغرض منه، حين تُصاب السلطات بالذعر فتحذر المواطنين، فيتجنبون الوسيلة أو الطريق، وهو ما يحقق فى النهاية هدف النشاط حتى لو لم يتم. لذلك فرصد التعامل الأمنى المسبق مع النشاط لها أهمية كبيرة. - خطط للنشاط، وحدد المعنيين بالرسالة من نشاطك، وحدد فى تصميم النشاط كيف ستصل رسالتك بدون تشويش إلى كل طرف. - حدد إذا ما كان هذا النشاط جزءا من حملة أو مجرد نشاط مستقل. - اهتم بالتغطية الإعلامية الجيدة. المقاومة والديكتاتور يتساءل الكتاب عن رحيل الدكتاتور ويجيب: قد يظن البعض أنه يمكن التخطيط لحرب وتحديد موعد بدايتها ونهايتها، وهذا لا يحدث فى حرب عنيفة أو غير عنيفة، لأن الفعل لا يكون من طرف واحد، أو حتى طرفين (المقاومة والديكتاتور)؛ فهناك أطراف أخرى قد تغير فى موازين القوى. لذلك فإن مشروع التغيير هو مشروع مستمر إلى أن تكون موازين القوى فى صالح المقاومة، وكل ما تفعله المقاومة أن تخطط وتبنى قدرتها، وتتحرك فى مسارات سليمة، وتصحح أخطاءها سريعا.. كذلك يختلف الأمر بسبب طبيعة الديكتاتور؛ هناك ديكتاتور يشعر بالخطر فيعلن الاستسلام، وآخر يقاوم حتى الرمق الأخير.. كل ذلك يؤثر فى طول المدة أو قصرها. كذلك يؤثر إبداع المقاومة ومرونتها وسرعتها فى ابتكار وسائل الضغط على تعجيل النهاية، أحيانا تكون المقاومة ذاتها هى سر البطء، بمنطق تفكيرها وأسلوب عملها. فى النهاية يمكن التخطيط بتواريخ محددة فى الحملات الجزئية، مثل حملة عصيان فى مصنع، أما المشروع الكلى للتغيير فهو محصلة تفاعلات، وسلسلة قرارات سليمة. متى يصبح العصيان المدنى ضروريا ويتناول الكتاب ملف العصيان المدنى قائلا: العصيان المدنى يصبح ضروريا حين تتعارض القوانين وممارسات الجهات التنفيذية مع القيم الأخلاقية للمجتمع، كالحرية والمساواة وإقامة العدل، فالحفاظ على هذه القيم النابعة من ثقافة المجتمعات ومعتقداتها الدينية والدفاع عنها هو ضمان لحفظ آدمية المجتمع، وكفيل باستمرار تقدمه وتطوره؛ فالمجتمع هو الشريك الأكبر فى تكوين الحكومات، وهو المتحكم فى تصرفاتها، فهو داعم لتصرفاتها الصحيحة بإيجابيته، أو داعم لتصرفاتها الفاسدة بسلبيته. أما القيم الأخلاقية للمجتمع فلا دعم لها إلا بالإيجابية، فإذا تعارضت ممارسات الحكومة مع هذه القيم فإن العصيان المدنى يمثل أعلى درجات هذه الإيجابية تجاه قيم المجتمع وأخلاقياته. ويرى «ثورو» أحد رواد استخدام مصطلح «العصيان المدنى» أنه لا سلطة تُحترم للدولة الفاسدة، وأن المجتمع لا بد أن يضغط على حكومته باستمرار كى تلتزم الصلاح وخدمة المجتمع، وقد أطلق صيحته المشهورة: «إذا كانت مشيئة القانون أن تظلم الآخرين، فأنا أدعوك أن تخرق هذا القانون الفاسد، لتجعل من وجودك عقبة صعبة فى طريق الدولة لمنع وإيقاف تسلط الحكومة». وتتوقف أخلاقية العصيان على عدالة القضية.. ويقول «جون راءول» فى كتابه (نظرية العدالة): «ليس من الصعب أن تبرر حالة العصيان المدنى فى نظام غير عادل لا يتبع رأى الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلا إلى حد ما تبرز مشكلة، ألا وهى أن من يقوم بالعصيان المدنى يصبح من الأقلية، وتغدو عملية العصيان المدنى وكأنها موجهة ضد رأى الأغلبية فى المجتمع».