يواجه ملايين المزارعين فى مختلف محافظات الجمهورية الزراعية الواقعة أراضيهم حول فروع نهر النيل وروافده خطرتوقيع محاضر الحجز والسجن؛ بسبب عدم سدادهم تكاليف الصرف المغطى لأراضيهم بعد أن فوجئوا بمطالبة مأموريات الضرائب المعنية بسداد مبلغ 1415 جنيها عن كل فدان مقيد بحيازتهم لحساب الدولة تكلفة عمل مشروع الصرف الذى انتهى العمل به منذ أكثر من 15 عاما فى معظم الأراضى!!! تلك القضية التى ظهرت منذ فترة قصيرة وسببت حالة من التذمر والضيق بين الفلاحين تمتد بدايتها لأكثر من 20 عاما عندما قررت الحكومة فى منتصف الثمانينيات عمل مشروع صرف زراعى متكامل فى معظم أراضى دلتا النيل لامتصاص الأملاح التى ظهرت فوق سطح التربة الزراعية بسبب مخلفات الأسمدة الأزوتية والبلدية ومخلفات المياه والعوامل الجوية وأعاقت نسبة الملوحة المرتفعة فى التربة عملية الإنبات لكافة المحاصيل، خاصة القمح والبطاطس والخضراوات وغيرها وانخفض معها الناتج الزراعى بنسبة بلغت وقتها أكثر من 40%! ومع بداية تنفيذ المشروع الذى استغرق أكثر من 10 سنوات تم عمل مواسير الصرف من الأسمنت والحديد القادرة على مقاومة المياه والأملاح وتحمل حركة المعدات الزراعية فوق الأرض أثناء عمليات تجهيزها للزراعة مثل الحرث ونقل المحاصيل من خلال الجرارات الزراعية وبلغ سمك الخط الرئيسى الممتد بطول الحوض الزراعى أكثر من متر والفرعى نحو ثلاثين سم، وقامت أجهزة وزارة الزراعة بعد انتهاء العمل بإجراء حصر شامل لكل تلك الأراضى وقدرت من خلال لجان متخصصة قيمة الخسائر التى لحقت بكل فدان من المحاصيل التى كانت مزروعة فى ذلك الوقت؛ بسبب عمليات الحفر ونزول المعدات الثقيلة الأرض وقامت بصرف التعويض المناسب لكل فلاح حسب حيازته المقررة، ومع مرور الوقت والإهمال فى عمليات تطهير المواسير الفرعية وارتفاع نسبة استخدام الأسمدة الأزوتية تعرضت تلك الخطوط للانسداد وطفت بنسبة كبيرة من جديد نسبة الأملاح، فعادت الدولة فى بداية التسعينيات لتجديد مشروع الصرف الزراعى، ولكن فى الخط الفرعى الذى أصيب بأكثر الأضرار. محمد إبراهيم -فلاح من مركز إيتاى البارود- يقول: التنفيذ هذه المرة كان مخالفا للمواصفات، حيث كان المطلوب تسليك الخطوط الرئيسية ذات السمك الكبير لأنها تتحمل عبء سحب المياه المالحة الآتية لها عن طريق الخطوط الفرعية المنتشرة فى مساحات واسعة من الأرض، ولكن الذى حدث تم بدون ذلك؛ فتعرض المشروع فى أغلبه للفشل فى أداء مهمته؛ بسبب الانسدادات الموجودة وفشلنا فى الشكاوى للمسئولين دون فائدة رغم أن كل إدارة للصرف المغطى بالمراكز الزرعية ومنها إيتاى البارود تضم مئات الموظفين بجهاز إدارى كامل موزع لكل حوض زراعى مشرف للمرور ومتابعة حسن سير عملية الصرف وفى حالة حدوث أعطال يتم استدعاء معدات التسليك والإصلاح الموجودة فى الإدارة الرئيسية. ويضيف محمد إبراهيم : أن الإهمال فى مشروع الصرف الزراعى والذى يتسبب فى خسائر مئات الملايين سنويا تلحق بالمواطنين والدولة؛ نتيجة انخفاض الإنتاج الزراعى، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد لما هو أخطر من ذلك، ويوضح بقوله إن عملية التجديد الأخيرة للمشروع كله تمت بالمخالفة للمواصفات التى تلزم جهة التنفيذ باستخدام مواسير الحديد فى عمل الفرعيات ولكن الذى حدث هو قيام وزارة الزراعة باستخدام مواسير بلاستيك صغيرة بنسبة 50% عن المواسير القديمة فيما عرف فى ذلك الوقت بالمشروع الأمريكى، ومع دخول المشروع الخدمة انسدت تلك الفرعيات لعدم تحملها مرور الآلات الزراعية وعمليات الحفر والحرث التى تتم باستمرار فى الأرض، وساعد على زيادة حجم الكارثة تركيب تلك المواسير بالقرب من سطح الأرض بنحو 30 سم وليس كما نفذ المشروع السابق على عمق 50 سم أو أكثر. ورغم أننا تقدمنا بآلاف الشكاوى لجميع المسئولين فلم نتلق غير وعود وعرفنا فيما بعد استحالة عمليات الإصلاح لأن المواسير الفرعية التى تم انسدادها لايمكن تسليكها والحل الوحيد هو تغييرها ووضع أخرى بديلة عنها! محمود أبو زيد -فلاح من كوم حمادة- يقول ساخرا: «المتر من المواسير الفرعية التى تم تركبيها يباع فى المحلات بعشرة جنيهات فقط وهى ليست صالحة لغير المسافات القصيرة مثل صرف المنازل أو الحدائق، ولكن تلك الجريمة التى تمت ضد الأرض الزراعية دفنت فى باطن الأرض ويصعب تحديد مسئول عنها الآن ومحاسبته لأنهم يلقون المسئولية على الفلاح بإساءة استخدامه المواسير»! ويضيف المزارع محمود أبو زيد قائلا : الموظفون المسئولون عن متابعة العمل فى الأحواض الزراعية لا يعرفون مكان تلك الخطوط واكتفوا فقط بالجلوس فى المكاتب وتلقى الشكاوى والوعد بالحضور والحل الذى طال انتظاره!! ويستطرد محمود أبو زيد قائلا : مع تدهور حال المحاصيل ويأس أغلب المزارعين ترك المزارعون عوضهم على الله وقاموا بأنفسهم بعمل خطوط فرعية فى أراضيهم بشراء مواسير مشابهة للموجودة فى الأرض من المحلات واستئجار حفار أو استخدام العمالة الزراعية لحفر مكان المواسير بارتفاع 50 سم بطول الأرض حتى الغرفة الرئيسية وإحداث فتحة بها وتركيب الفرعى حتى يقوم بسحب المياه، وأضاف: تلك التكاليف أعباء جديدة على المزارعين ولم يتمكن من فعل ما سبق غير ما تسمح ظروفه المالية. ويؤكد أبو زيد، قائلا : حتى تنفيذ الفلاحين لصرف أراضيهم به مخاطر جانبية متعددة للمشروع كله أولها أنهم يفتقدون الخبرة الفنية فى تركيب ماسورة الفرعى مع الرئيسى، وأحيانا متعددة يتم انسداد الفرع الرئيسى؛ نتيجة حدوث عمليات تكسير به، ويتسبب حال حدوثه بتوزيع أضراره على مساحات أكبر من الأرض، هذا بالإضافة إلى أن الصرف الخاص يقوم بالاستغناء عن الفرعى الذى نفذته الدولة، وبالتالى يعجز هو الآخر عن تنفيذ مهمته فى باقى الأرض المستفيدة منه، ويرى فى نهاية كلمته ضرورة قيام المسئولين عن الأحواض بالمرور عليها والعمل على صيانتها! ويلتقط الحديث عمر طلبة فيقول : مأساة الفلاحين مع إدارة الصرف لم تتوقف عند ما سبق، بل فوجئنا بصرافى مصلحة الضرائب الأميرية يطالبون بتسديد تكاليف المشروع السابق بقيمة أكثر من 1400 جنيه للفدان وتقدمنا بالشكاوى للمسئولين وأوضحنا لهم عدم أحقية الدولة فى تحصيل تلك المبالغ لأنها تحصل سنويا بشكل دائم رسوم أموال أميرية عن كل فدان يزرع مقابل ما تؤديه له من خدمات مثل عمليات الصرف الزراعى وتطهير الترع من الحشائش وهذا يعنى تكرار السداد، بالإضافة لما تردد أن المشروع كله منحة أمريكية وبعكس ما تم فى المشروع الأصلى الذى نفذ قبله وعوضت الحكومة الأهالى عن خسائرهم الزراعية. ويضيف عمر طلبة أن موظفى التحصيل يقومون بتحرير محاضر الحجز الإدارى ضد الذين لا تسمح ظروفهم بالسداد وإبلاغ الشرطة للقبض عليهم والذهاب بهم إلى النيابة أو صدور أحكام غيابية ضدهم تستوجب القبض عليهم وإيداعهم فى السجن لحين السداد. وينبه عمر طلبة أن موظفى التحصيل يتغيرون باستمرار، وعندما يقوم المزارعون بالسداد لأحدهم يفاجئون بتكرار المطالبة عن المساحة نفسها والمبالغ ويفشلون فى إثبات سدادهم بعد أن يكتشفوا تزويرا فى فواتير التحصيل، ويطالب عمر طلبة بتدخل الدولة لوقف ما يحدث وتعويض المزارعين عن قيمة التلفيات التى حدثت لهم!!