كشف كتاب صهيوني صدر في الأيام الأخيرة أن الكيان الصهيوني فشل منذ إقامته في العام 1948 في تطويع فلسطينيي الداخل وأسرهم بشكل كامل رغم الموارد الهائلة التي استخدمتها لذلك منذ تأسيسها علي أنقاض الشعب العربي الفلسطيني بعد النكبة المشئومة. وعالج بحث جديد بعنوان العرب الجيدون لمؤلفه د. هليل كوهين من الجامعة العبرية في القدس والمختص في الشؤون العربية منظومة العلاقات المركبة بين أجهزة الاستخبارات الصهيونية وبين فلسطينيي 48 الذين بلغ عددهم عام 48 نحو 160 ألف نسمة (15% من الصهاينة وقتذاك، و18% اليوم)، مستندا إلي وثائق سرية من أرشيف المخابرات الصهيونية ألقت الضوء علي المسيرة السياسية والاجتماعية لفلسطينيي 48 تحت الحكم العسكري الممتد من 1948 إلي 1966. ويقول الكتاب: إن أوساطا ممن وصفهم بالعرب الجيدين أرادوا الانخراط في الكيان الصهيوني وعدم مجابهتها وآمنوا بأن هذه الطريقة تؤمن بقاءهم وحقوقهم المدنية، لكن الكتاب يقدم قصصا كثيرة تفيد أن الكيان الصهيوني أدار لهم ظهره رغم خدماتهم وتعاونهم، فصادر أراضيهم أو حال دون عودتهم إلي قراهم أو لم يلب مطالبهم الحياتية. ويروي الكتاب كيف استخدم الكيان الصهيوني تشكيلة من الوسائل غير الإنسانية لاحتلال وعي الفلسطينيين والتحكم فيهم أمنيا وسياسيا، أبرزها المخابرات وتجنيد العملاء والمتعاونين ممن عرفوا بالعرب الجيدين. ويشير الدكتور كوهين، الذي عمل صحافيا قبل انخراطه في السلك الأكاديمي إلي صمود جيل 48 قائلا: إن الأرشيفات تكشف مدي قوة التمرد لديهم من ناحية التصدي للكيان الصهيوني أو لأفعاله، حتى في مجال الرواية والذاكرة الجماعية رغم الرقابة القاسية، بما فيها ملاحقة الشعراء الوطنيين كمحمود درويش وتوفيق زياد، الذي انتخب لرئاسة بلدية الناصرة ومن ثم نائبا في الكنيست الصهيوني. ويشير الكتاب المتميز بكثرة تفاصيله الدقيقة إلي دور الحزب الشيوعي الصهيوني الذي ورث عصبة التحرر الوطني عقب النكبة في المواجهة بين الكيان المحتل وبين الحركة الوطنية التي تشكل عمودها الفقري حول هوية فلسطينيي 48 الذين أراد لهم أن يصبحوا (عرب إسرائيل) بواسطة إسكات الرواية العربية القومية لكل ما يتعلق بحرب 48. ويكشف الكتاب تفاصيل وافرة حول وسائل المخابرات الصهيونية كمنع تطور مؤسسات أو سلطات محلية بل حتى تكوين فرق رياضية ونواد ثقافية والحيلولة دون التعليم الجامعي ليبقي الفلسطينيون حطابين وسقاة ماء، موردا وثائق رسمية تحمل قرارات وخطط الصهاينة لتفتيت فلسطينيي 48 وزرع الفتنة الطائفية بينهم، ورهن أبسط الحاجات اليومية كارتباط تصريح بانتقال من الناصرة إلي حيفا بالابتعاد عن التيار الوطني أو التعاون مع الكيان الصهيوني. ويوضح البحث أيضا أن الطائفة العربية الدرزية لم تقبل التجنيد الطوعي أو الإجباري بسهولة كما تدلل عليه صدامات شهدتها قري درزية مطلع الخمسينيات، ويزعم أن القرى التي لم تهجر بالجليل كانت هي تلك التي لم تقاوم بشراسة عام 48 واستسلمت دون قتال بمساعدة متعاونين محليين. ويخلص الكتاب إلي أن المواجهة المفتوحة بين الكيان الصهيوني وأذرعه المخابراتية والسلطوية وبين فلسطينيي 48 في فترة الحكم العسكري لم تحسم، ولم تستأصل الرؤية الوطنية والقومية لفلسطينيي 48، منوها بدور الكيان الصهيوني ذاته الذي لم يمنحهم طريقا حقيقيا للتأثير والتداخل معها لكونهم عربا، مما حافظ علي هوية الفلسطينيين بسورية ولبنان والأردن، لتستمر النكبة لا ذكري تاريخية فقط وإنما واقعا حياتيا متواصلا يتجلي في التمييز ونهب الأرض وفي الرموز العبرية للكيان الصهيوني.