لم يكتف الكيان الصهيوني في ظل غلبة التيار اليميني المتطرف في ال"كنيست" ووجوده الفاعل في الحكومة التي يرأسها بنيامين نتنياهو بجريمة تشريد فلسطينيي عام 1948 وإقامة دولة احتلال على أراضيهم التي اغتصبوها منهم، ثم بمطالبة سلطة رام الله بالاعتراف ب"يهودية الدولة" العبرية كشرطٍ لقبول استئناف ما يسمى "عملية السلام" فقط، بل خطا عدة خطوات عملية بقصد تكريس هذا الواقع، من خلال المصادقة على جملة قوانين عنصرية تستهدف الوجود الفلسطيني (المتبقي) في الأراضي التي احتلت قبل أكثر من ستة عقود. قوانين أخرى في الطريق إلى ال"كنيست" وكانت أولى الخطوات حينما وافق ال"كنيست" الصهيوني يوم 28 مايوالجاري بالقراءة الأولى على مشروع قرار يقضي بالسجن لمدة عام كامل لكل من يرفض الاعتراف بالكيان الصهيوني "دولة يهودية ديمقراطية"، والتي تستطيع حكومة الاحتلال بموجبها ملاحقة أي فلسطيني في الأراضي التي احتلتها عام 48 بتهمة أنه لا يعترف بيهودية الدولة العبرية، رغم أنه صاحب الأرض الشرعي. وحسب متابعين للأوضاع في الداخل الصهيوني فإن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد فقط، بل هناك جملة قوانين أخرى تستهدف فلسطينيي 48يجري التحضير لها؛ يأتي في مقدمتها قانون يمنع إحياء ذكرى النكبة، ويعاقب من يقوم بذلك، وقانون "الولاء والمواطنة" الذي يلزم أي فلسطيني عند حصوله على بطاقة هوية بأداء قسم الولاء ل"إسرائيل"، إضافة إلى قانون مقدم من قِبل وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان يمنح وزير الداخلية في حكومة الاحتلال صلاحية سحب الجنسية من أي مواطن لا يقر ب"يهودية الدولة"، وآخر يلزم من يمتنع عن أداء الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال بدفع الضرائب. ويرى مراقبون أن الكيان الصهيوني بهذه القوانين التي يسعى قريبًا إلى إقرارها لا يستهدف فقط إسقاط حق العودة للفلسطينيين في الشتات، بل تتجه -تحت مبرر خشيتها مما تسميه التفوق السكاني للفلسطينيين في الداخل على اليهود، والمأزق الذي تعيشه بسبب ذلك- إلى إجراءات تسهم في نهاية المطاف في طرد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، أو ممارسة مزيد من الضغوط عليهم لحملهم على الرحيل. انتقال أرض المعركة وتوقعت شخصيات فلسطينية وجهات إعلامية أن تسهم هذه الخطوة في تأجيج الموقف وتفجير العلاقة بين فلسطينيي الداخل والمؤسسة الصهيونية، وهي علاقة متوترة أصلاً بسبب ما يتعرضون له من اعتقالات وملاحقات واضطهاد وتمييز، فيما أشار عضو المجلس التشريعي عن حركة "حماس" إسماعيل الأشقر إلى أنه يتوقع أن تنقل هذه الحملة الصهيونية المتطرفة المعركة من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، خصوصًا أنها جاءت بعد مصادقة اللجنة الوزارية الصهيونية الأسبوع قبل الماضي على منع فلسطينيي عام 48 من إحياء النكبة وفرض عقوبات صارمة على من ينظم أو يشارك في إحيائها. يذكر أن تحركات داخل فلسطينيي عام 1948 تجري حاليًّا لتنظيم احتجاجات في الأيام المقبلة لإفشال هذا القانون والتعبير عن رفضه. "غوانتانمو" يهودي وبعد التصويت عليه بالقراءة الأولى جرت مشادات بين النواب الفلسطينيين في ال"كنيست" الصهيوني ونواب اليمين اليهود؛ فقد قال جمال زحالقة حسب صحيفة "هاآرتس" العبرية: "هذا قانون مجنون.. أيها العنصريون.. مللناكم"؛ فما كان من عضو ال"كنيست" الصهيوني أرييه ألداد إلا أن رد عليه بقوله: "هذه دولة يهودية.. اذهب من هنا إن كان هذا لا يعجبك"، فسارع زحالقة إلى القول: "هذا وطني.. اذهب أنت من حيث جئت"، وبعد أن تعالت المشادة الكلامية بينهما قام رئيس ال"كنيست" بإبعاد النائب زحالقة عن القاعة متجاهلاً صراخ نواب اليمين الصهيوني وكلامهم البذيء والمسيء. وفي لهجة تهكمية قال النائب الفلسطيني في ال"كنيست" لدكتور عفو اغبارية: "إن على "إسرائيل" أن تستأجر من أمريكا سجن غوانتانمو؛ لأنه من المتوقع ألا يبقى متسع في السجون الصهيونية للذين سيجري اعتقالهم إذا ما تم تشريع هذا القانون". وباستعراض ردود فعل الفصائل الفلسطينية والهيئات العربية على الحملة الصهيونية يتضح أن نواب حركة "حماس" في الضفة الغربية اعتبروا القرار "مقدمةً لتطبيق سياسة التهجير التي يخطط لها الكيان بحق أبناء الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة عام 48، فضلاً عن أنه يمثل محاولة لشطب حق العودة الذي لم يستطع نسخه من ذاكرة الشعب بطول الزمن". دعوات إلى دعم الجبهة الداخلية واعتبرت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" القراربمثابة "سلوك نموذجي للدولة العنصرية وسياسة ال"أبرتهايد""، مضيفةً أنه "يعكس مدى الطبيعة القهرية والعنفية المناوئة لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وثقافة العصر". الجامعة العربية من جهتها أدانت بشدة إقرار ال"كنيست" بالقراءة التمهيدية الأولى مشروع القانون، ووصفته بأنه "دليل جديد على مدى عنصرية "إسرائيل" ومحاولتها شطب حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه ومسح تاريخه وتراثه وإلغاء حق العودة للاجئين". ورأت أن المشروع "يمثل تحديًا سافرًا لقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي الإنساني، خصوصًا اتفاقية "جنيف" الرابعة، ومحاولة لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة، ويهدد بالتهجير القسري والطرد لفلسطينيي 1948"، وشددت على أن "تمادي "إسرائيل" في سن هذه القوانين العنصرية إنما يعبر عن المأزق الحقيقي الذي تعيشه الحكومة "الإسرائيلية" حاليًّا". ودعت شخصيات وفصائل فلسطينية إلى التصدي لهذه القوانين الصهيونية الخطيرة التي تستهدف صمود الفلسطينيين بقوة؛ فقد حث نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة "حماس" في تصريحٍ له من غزة يوم 29 مايو الجاري الدول والشعوب العربية إلى دعم الجبهة الداخلية للفلسطينيين في أراضي 48، وتقويتهم أمام مثل هذا التوجه الصهيوني بعد عقودٍ من الصمود أمام كافة المشاريع الصهيونية، من أجل فضح مخططات الاحتلال وكشفها على حقيقتها. وعلى نحو متصل طالب المتحدث باسم "اللجنة الشعبية لتحرير فلسطين ب"تعزيز وحدة المواجهة والنضال بين كافة قوى الحرية والتقدم والسلام عبر شتى أشكال النضال الكفاحي والجماهيري والسياسي والقانوني؛ لكسر إرادة هذه الحكومة الصهيونية وشوكتها، ووأد سياساتها في المهد، ومواصلة النضال من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني".