قلت فى مقالى السابق(شيخ الأزهر عندما يكون ليبرالياً أكثر من الليبراليين) أن شيخ الأزهر لا يمثل سوى الدولة العميقة و نظام مبارك الذى أتى به قبل أقل من عام من اندلاع ثورة25 يناير لتمرير سيناريو توريث جمال مبارك رئيس أمانة سياسات الحزب الوطنى المنحل الذى ينتمى إليه شيخ الأزهر والذى أكد فى حواره مع منى الشاذلى قبل ثورة يناير عندما سألته عن عضويته فى لجنة سياسات الحزب المنحل أنه لا فرق بين الحزب والأزهر لأنهما كالماء والهواء أو الشمس والقمر كل منهما يكمل الآخر. شيخ الأزهر الذى لطالما صدّع رؤوسنا بأنه يقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين يناقض نفسه بمشاركته كعرّاب للإنقلاببين فى انقلاب(3 يوليو) بدعوى نزع فتيل الأزمة وإنقاذ البلاد من حرب أهلية (ولاحظ هنا نفس مبرر الانقلابيين) لدرجة أن الرجل ابتدع بدعة جديدة وهى الاعتكاف (قبل شهر رمضان) بدلاً من العشر الأواخر بعدما لاحت مؤشرات فشل الانقلاب العسكرى ، ذلك أنه لا ينبغى أن نُبرّىء شيخ الأزهر من انحيازه الواضح لتيار على حساب تيار آخر لاسيما التيار الليبرالى العلمانى المدعوم من المؤسسة العسكرية ، فلعب دور المحلل والعرّاب مع حزب النور السلفى(ظاهرياً الوطنى المنحل للدقة) لتمرير انقلاب 30 يونيو ودون الخوض فى مبررات إباحة الخروج على الشرعية وتناقضه مع نفسه إبان ثورة 25 يناير 2011 دفاعاً عن المشروع ونظام مبارك الذى يعتبر نفسه أحد أبناءه وأعمدته. خرج علينا مستشار شيخ الأزهر(السبت 10 أغسطس) د. محمد مهنا على قناة الجزيرة مباشر مصر ليعلن أن فضيلة شيخ الأزهر قام بالاتصال بأصحاب المبادرات لإنهاء الأزمة الحالية وعلى رأسهم مبادرة د. محمد سليم العوا وهو ما نفاه د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية ومستشار الرئيس مرسى الأسبق، مضيفاً فى تصريحات صحفية لموقع"مصر العربية" أن د. محمد سليم العوا لم يتلقى أى اتصالات من شيخ الأزهر بشأن هذه المبادرات ، لكن المفزع والملفت للانتباه فى كلام مستشار شيخ الأزهر للجزيرة مباشر مصر أنه حمّل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية الدماء التى ستُراق" رجماً بالغيب "( لاحظ هنا ستراق بصيغة المستقبل وكأنه على علم بما سيحدث) إذا رفضوا دعوة شيخ الأزهر للحوار. أبديت خشيتى وقتها والكثيرين أيضاً من أن يتم استخدام الأزهر للمرة الثانية كدور المحلل لسفك الدماء والتغطية على مجزرة جديدة يُخطط لها الإنقلابيون قريباً لاسيما بعد تصريح مصدر أمنى اليوم الأحد(11 أغسطس) بأن بدء عملية فض اعتصام رابعة سيبدأ فجر الإثنين (12 أغسطس) وهو ما لم يحدث ربما من تكتيكات الحرب النفسية ، وكانت بالفعل المجزرة التاريخية الأربعاء (14 أغسطس) بحق المعتصمين فى ميدانى رابعة والنهضة وتلك الدماء المتناثرة فى كل مكان ، جرائم لم تقدم عليها العصابات اليهودية الصهيونية ، قتل على الهوية نساءً ورجالاً حرق وتمثيل بالجثث ومنع المصابين من العلاج بل وقتلهم والإجهاز عليهم ، وهدم ومهاجمة بيوت الله فى مشاهد فاقت كل تصور وتخطت حواجز القل والمنطق والإنسانية التى تجرد منها القتلة والمجرمين ، ثم يخرج علينا شيخ الأزهر نافياً علمه بما حدث رغم تحذيره سابقاً من إراقة الدماء إذا لم تستجيب جماعة الإخوان لدعوات الحوار ذلك أنه لو افترضناً جدلاً أن شيخ الأزهر لا يعرف بما سيحدث من فض دموى لإعتصامى رابعة والنهضة، فلماذا لم يحمل السلطة القائمة المسؤولية بدلاً من الشجب والإدانة المريبة للطرفين وكأنه يساوى كعادته بين القاتل والمقتول؟! ، بين من يملك القوة الباطشة وسلطة وجيش وشرطة وإعلام وبين العُزّل السلميين .. إن لشيخ الأزهر النصيب الأكبر من وزر مذبحة 14 أغسطس وشريكاً رئيسياً فى مخطط مستنقع الحرب الأهلية(الذى حذرنا منه شخصياً فى تبريره لانحيازه لتيار30 يونيو) بما ينسف مزاعم شيخ الأزهر بتأكيده على وقوفه دائماً على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين، تلك الأكذوبة التى استخدمت فى تفتيت المجتمع وتشتيت الأمة وتفريق الصف الوطنى ، وما عزز من شكوكنا فى نوايا الرجل وعلمه على الأقل بمجزرة الأربعاء الأسود 14 أغسطس إلى حد اليقين ما أقدم عليه من شكره"الفضيحة " الجمعة 16 أغسطس لملك السعودية المساند للسلطة القائمة فى حربها ضد ما أسماه الإرهاب ورفضها التدخل الأجنبى فى شؤون مصر على حد زعم العاهل السعودى معتبراً السعودية حصن العروبة والإسلام. شيخ الأزهر يختطف مؤسسة الأزهر بعيداً عن دورها الدينى والوطنى لصالح تيار المصالح من النظام السابق والدولة العميقة بدعمه ومباركته لسياسات العسكر والتيار الليبرالى، ذلك أنه لا يصلح بحال من الأحوال أن يكون حكماً فى نفس الوقت الذى أصبح فيه خصماً للحق والشرعية لاسيما بعدما صار جزءاً من الأزمة وليس الحل ، والمفزع فى المشهد المصرى الآن تلك الحالة من الشماتة العجيبة فى إراقة الدماء تحت ذريعة رخيصة بأنها دماء إخوانية بل إسلامية لا ثمن لها ولا تستحق الشفقة فى إطار مشهد لا تخطأه العين بالحرب على الإسلام فى أبشع صورها وعلى المكشوف ، إذ بات من المألوف الآن اقتحام المساجد وقتل المصلين أو اللائذين بيوت الله كأنه لا مكان لمشاعر الإنسانية فى القلوب أو وجود لضمائر حية تستنكر الاستئصال والقتل والقهر ، إلى هذا الحد وصلت بنا الكراهية إلى انعدام الرؤية وتسمية الأشياء بمسمياتها، لك الله يا مصر.