لقد أثبتت التجربة العملية والواقع العملى أن شيخ الأزهر لا يمثل الأزهر الشريف كمنارة علمية إسلامية جامعة ، وإنما يمثل النظام المخلوع الذى أتى به قبل ثورة 25 يناير بعدة أشهر لأنه يضمن ولاءه التام له ولمشروع التوريث المخطط له أن يتم تمريره فى نفس عام الثورة ، فكان من الطبيعى أن يكون رئيس جامعة الأزهر سابقاً (شيخ الأزهر فيما بعد) عضو أمانة سياسات الحزب المنحل الذى يترأس سياساته الوريث المدلل نجل المخلوع ،لاسيما بعد المشاركة المخزية فى إنقلاب 30 يونيو العسكرى تحت دعاوى باطلة أثبت الأيام كذبها. لقد استمرأت مؤسسة الأزهر الرسمية للأسف على مدى أكثر من خمسة عقود التبعية للحاكم وللسلطة بعد ثورة23 يوليو1952 (عهد عبد الناصر) والوقوف إلى جانب السلطة على حساب الأمة إلا من رحم ربك وهنا أقصد المؤسسة وليس الأفراد ذلك أن أزهرنا الشريف يعج بالكفاءات والعلماء المستقلين الشرفاء ، فقد عمد جمال عبد الناصر على ترويض الأزهر فى البداية واستمالته وتطويعه لتمرير أطماعه الإستبدادية واستخدامه كمطية دينية رخيصة لنزعاته القومية ، فنزع عن الأزهر كمؤسسة جامعة استقلاليته للأمة ونقل تبعيته للدولة حتى لا يخرج عن الإطار الذى يُرسم له من قبل السلطة والمسار الذى أراده له عبد الناصر فقام بتأميمه أو بالأحرى تأميم الدين (كما خطط) فى إطار سياسة التأميم المتبعة آنذاك (القانون103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها)، فتحول شيخ الأزهر بموجب هذا القانون إلى موظف كبير تابع مالياً وإدارياً للدولة.
فشيخ الأزهر ناقض نفسه قبل وبعد ثورة 25 يناير، فموقفه كان واضحاً أيام مبارك من تحريم الخروج على الحاكم والمظاهرات بل وصل الحد إلى التعريض بالثوار والاستخفاف بمطالبهم ، أما بعد تولى د. محمد مرسى الحكم فنجد الرجل يبدى انحيازاً كاملاً للتيار الليبرالى المعارض للرئيس بالمواقف ، فكان من الملاحظ للجميع أن شيخ الأزهر كان منحازاً للفريق أحمد شفيق بما يمثله من الامتداد الطبيعى لنظام مبارك الذى احتضنه وتربى فى كنفه مباركاً ومشاركاً فى سياساته ، وقرأنا عن توزيع شقيق فضيلته فى بلدته الأقصر منشورات مؤيدة لشفيق رئيساً لمصر ، فالرجل كان يرى مصلحته مع الدولة العميقة الذى يمثل أحد أذرعها ،على الرغم من أن دستور(الإخوان) كما( يروج خصوم الرئيس مرسى والإخوان المسلمين) أبقى على منصب شيخ الأزهر حتى سن الثمانين أى أن الرجل ببساطة باقٍ فى منصبه حتى 2026 (من مواليد1946) ، ورغم أن الرجل كان دائما يغرد داخل سرب النظام الحاكم السابق فأراد أن يخرج عن السياق فانحاز طواعية لمعسكر التيارات الليبرالية واليسارية ، فتبخرت فتواه القديمة بتحريم الخروج على الحاكم إلى إباحة التظاهرات والخروج على الحاكم بشرط (مصطلح خادع وهمى) وهو السلمية، ولكنها كما اتضح سلمية برائحة الدماء قبل وبعد انقلاب 30 يونيو.
إذا عدنا للوراء قليلاً وقبل أكثر من عام (ابريل 2012) أصدرت مشيخة الأزهر ما سمى ب(وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر) وقبل انتخابات الرئاسة المصرية بأقل من شهرين بمشاركة مجموعة من ما يسمون أنفسهم بالنخبة أسماؤهم وحدها كفيلة بعلمنة ولبرلة أى وثيقة إن صح التعبير لعل أبرزهم(بهاء طاهر – جمال الغيطانى – يوسف القعيد - مصطفى الفقى – جابر عصفور – ليلى تكلا – سمير مرقص – السيد ياسين – عمروعبد السميع – محمد صابرعرب "وزير ثقافة الإنقلاب" – حلمى النمنم " صاحب فضيحة علمانية الدولة بالفطرة) فسنجد أن شيخ الأزهر لم يتخلص بعد من تأثير التغريب الفكرى الليبرالى إبان دراسته فى جامعة (السوربون بفرنسا)، فأى قارىء بسيط لوثيقة شيخ الأزهر عندما يقرأها للوهلة الأولى يحكم بعلمانية الوثيقة(وهذا رأى بعض علماء الأزهر أنفسهم) لو لم يرى خاتم وشعار مشيخة الأزهر لاسيما بعد احتواءها على مصطلحات ليبرالية خالصة لا تمت للفكر الإسلامى بصلة ، وكأن الرجل يريد أن يثبت حياديته وأنه ملكاً لكل المصريين فتحاشى كل لفظٍ إسلامى(إلا على استحياء) يُفهم على أننا بصدد التأسيس لدولة إسلامية ، فقطع الطريق على كل طامح وطامع بأن تعود مصر بأزهرها الشريف إلى حضن الدولة الإسلامية ديناً ودولة ، فالعنوان الشهير العريض الذى خرجت به الوثيقة آنذاك يثبت مزاعمنا (دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة ، التى تعتمد على دستور ترضيه الأمة ، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة ، ويحدد إطار الحكم ،ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب.. حتى آخر محاور الوثيقة الحادية عشرة ، وللمفارقة أن شيخ الأزهر خرج على هذه الديباجة فى الوثيقة التى خطها بيده بتوريط الأزهر فى المشاركة فى انقلاب30 يونيو.
فالمتابع لتحركات شيخ الأزهر بعد 25 يناير يلحظ صمت الرجل عن إهانة علماء الإسلام وإن كانوا من علماء الأزهر فى وسائل الإعلام المختلفة وينبرى دفاعاً عن الكنيسة وأبناءها قبل أن يدافع عنها بابا الكنيسة نفسه ، لم نسمع صوت لفضيلته عندما كانت تُقطع الطرق وتغلق المؤسسات بالبلطجة والمولوتوف والأسلحة البيضاء والخرطوش وتُعطّل مصالح المواطنين ، ثم تُحاصر المساجد بما فيها من مصلين بالساعات ويقوم بلطجية الداخلية بالإعتداء على المصلين فى مسجد القائد إبراهيم أثناء صلاة التهجد فى آخر ليالى رمضان وحرق المصاحف، حتى الجامع الأزهر يُغلق وشيخ الأزهر لا يسمع ولا يرى ربما بسبب اعتكافه!!، وتُمنع الصلوات والتراويح فى رمضان ويُعتدى على أئمة المساجد ويُقبض عليهم لأنهم رفضوا الإنقلاب ويتم تشميع مسجد المركز الإسلامى بمحافظة دمياط بالشمع الأحمر، لم نسمع صوتاً لفضيلة الإمام الأكبر عندما أهان الليبرالى المدعو (حلمى النمنم) الإسلام وعقيدة غالبية الشعب المصرى من المسلمين ونطق بحقيقة ما تكن صدورهم للإسلام بقوله أن مصر علمانية بالفطرة (أى أن الله خلقنا على فطرة العلمانية بدلاً من الإسلام كما بينت السنة النبوية الصحيحة) وللمفارقة العجيبة أن يكون هذا (النمنم) ضمن المشاركين فى كتابة وثيقة الأزهر سالفة الذكر، بينما فى المقابل تجتمع هيئة كبار العلماء(28 يوليو الماضى) فزعاً للرد على يسمى بإساءات الشيخ يوسف القرضاوى لفضيلة شيخ الأزهر لأنه نصحه بمراجعة نفسه والعودة إلى الصواب بالتبرؤ من هذا الانقلاب على الشرعية ، كأن فضيلة شيخ الأزهر أقدس من حرمات بيوت الله فى المساجد ، وكأن فضيلته أطهر وأنزه من أولئك الذين قتلتهم يد الغدر والخيانة أما الحرس الجمهورى وميدان النهضة والمنصة ورمسيس والإسكندرية والمنصورة ، فلا يتحرك لنصرتهم وإذا تحرك فيساوى بين الطرفين بين القاتل والمقتول وربما أتى بالائمة على المقتول بدعوى أن من قتله هو من أخرجه ، اللهم إلا جنود الجيش والشرطة الذين يستحقون خروج فضيلته عن صمته لاسيما أن دماءهم أزكى وأطهر من أولئك الإرهابين.
سيرد علينا أحد المتفزلكين والمتفلسفين بأنه ليس مطلوباً من شيخ الأزهر أن يرد على كل ناعق فلا الوقت والجهد ويسمحان بالتفرغ لمثل تللك التُرّهات، فالإجابة بكل بساطة فى السؤال التالى : ولماذا يرد على كل من يحاول المساس بالذات الليبرالية والكنسية؟! لأنه بكل بساطة أيضاً كما أعتقد ليبرالياً أكثر من الليبراليين أنفسهم ويمثل أحد أذرع الدولة العميقة بكل أنيابها ومخالبها.