بقلم: د. محمد حبيبفي تصوري وتصور الكثيرين غيري أن حالة الارتباك التي تعيشها مصر الآن سببها في الأصل عدم اختيار جمعية تأسيسية منتخبة عقب الثورة مباشرة تكون مهمتها الوحيدة هي وضع دستور جديد للبلاد، إذ بقيام الثورة سقط الدستور القديم.. كان هذا هو الوضع الطبيعي والمنطقي..لكن المجلس العسكري الذي تولي السلطة منذ تنحية الرئيس المخلوع آثر أن يسير في طريق آخر، فكانت تلك التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها في 19 مارس 2011، ثم الإعلان الدستوري الذي أصدره في 30 مارس من نفس العام، والذي لم يتم الاستفتاء عليه!!السلطة الوحيدة المنتخبة الموجودة الآن هي السلطة التشريعية..وهي تقف حاليا مع المجلس العسكري الذي يحكم ويدير شئون البلاد، يعاونه في ذلك حكومة تسيير أعمال، أقل ما يقال عنه وعنها أنها مترددة ومضطربة وغير قادرة علي حل أي من المشكلات والأزمات المتعددة الموجودة، وبالتالي فنحن أمام وضع متفجر، الأمر الذي جعل الأغلبية البرلمانية تفكر، كي تخلي مسئوليتها أمام الناخبين، في سحب الثقة من الحكومة وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، وهو ما شكل أزمة بين هذه الأغلبية والمجلس العسكري الذي يحرص علي استمرار الحكومة حتي الانتهاء من انتخابات الرئاسة، و نحن الآن أمام ثلاث مشكلات رئيسية: كتابة الدستور، انتخابات الرئيس، وتشكيل حكومة جديدة..ولا يخفي أن هذه المشكلات متداخلة ومتشابكة ومرتبطة ببعضها وتؤثر كل واحدة منها علي الأخرين ، وأي نظرة أو تصور للحل يجب أن يضع في اعتباره هذا الارتباط..فالدستور هو العقد الاجتماعي الجديد الذي سيحدد طبيعة وماهية الدولة، المقومات الأساسية للمجتمع، الحريات والحقوق والواجبات العامة، سيادة القانون، ونظام الحكم في العقود القادمة..وبديهي أن يصدر هذا الدستور وفق توافق عام يعكس كل الشرائح والفئات والقوي في المجتمع..والرئيس هو أحد أهم الركائز الأساسية في نظام الحكم، خاصة إذا كان رئاسيا أو حتي مختلطا، وهو يقبع علي رأس السلطة التنفيذية وله صلاحياته وسلطاته، التي تتسع أو تضيق، وفقا لعلاقاته مع المؤسسات الأخري التي يحددها الدستور..الحكومة الجديدة هي السلطة التنفيذية التي سيقع علي عاتقها مواجهة، وبالتالي حل كل المشكلات المتراكمة التي خلفها الرئيس المخلوع من ناحية والمجلس العسكري من ناحية ثانية..هل هذه الحكومة سوف تعمل في ظل نظام حكم رئاسي، أم نظام حكم رئاسي برلماني؟..وإذا كان الأخير، فهل ستشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة، أم يتعاون الرئيس والأغلبية علي تشكيلها وفق ما سينص عليه الدستور الجديد؟يمثل أطراف النزاع في هذه المشكلات بشكل أساسي: المجلس العسكري، الإخوان، والقوي السياسية الأخري..ويسود العلاقة بين هذه الأطراف قدر لابأس به من فقدان الثقة إضافة إلي غياب الشفافية، وهو ما يصعب إيجاد حل معقول ومقبول للمشكلات الموجودة، فضلا عن اختلاف رؤية كل طرف تجاه كل واحدة منها..وإذا جاز لنا القول بأن ثمة تفاهمات ما، ولو جزئية، قائمة بين المجلس العسكري والإخوان حول بعض القضايا، فإن هذه التفاهمات معرضة في لحظة ما إلي الاختلاف والتعارض..هذا فضلا عن أن التفاهمات ربما لا تكون موجودة بين هذين الطرفين من ناحية والقوي السياسية من ناحية أخري، بالنسبة لكتابة الدستور، كنت أتمني أن تكون الجمعية التأسيسية من خارج مجلس الشعب، وأن تقتصر مهمة الأخير علي تحديد المعايير التي يتم علي أساسها اختيار أعضاء هذه الجمعية، وبشكل لا يعكس حزبية ضيقة..ومن هذا المنطق كان من الممكن أن يتم تمثيل كل الشرائح والفئات في المجتمع المصري، بعيدا عن النسب والأوزان حتي يتحقق التنوع، وبالتالي التوافق المنشود..لكن للأسف لم يحدث ذلك..وأتمني أن يراجع الإخوان أنفسهم، فالدستور ليس قانونا يتم سنه وفقا للأغلبية، أو ترضية لمؤسسة بعينها، وإنما هو دستور يجب أن يعكس إرادة الجميع، فضلا عن تحقيق الفصل والتوازن بين السطات.بالنسبة للرئيس القادم أرجو أن يقف المجلس العسكري والقوي السياسية، بكل أطيافها، علي مسافة واحدة من كل المرشحين، حتي يكون الاختيار معبرا بحق وصدق عن الإرادة الحرة والحقيقية لكل المصريين..إن الرئيس القادم لن يكون رئيسا لهذا الحزب أو ذاك، وإنما سيكون أو يجب يكون رئيسا للجميع.بالنسبة للحكومة القادمة، أتمني أن يكون الإخوان جزءا منها، لا علي رأسها..فالتحديات التي تواجهها مصر، داخليا وخارجيا، لن يستطيع تيار أو فصيل بمفرده أن يحمل أعباءها..نحن الآن في مرحلة فارقة وحرجة وحساسة، وفي أمس الحاجة إلي تكاتف كل الجهود وتضافر كل القوي..ولن يتم ذلك إلا من خلال مد جسور الثقة وتوافر الشفافية بين الجميع، ومن قبل ذلك وبعده تقديم مصلحة مصر، الشعب والوطن، علي كل ما عداهما.