هل تعرف ماذا تعني كلمة "غانا"؟ هو لقب كان يمنح لملوك الإمبراطورية الغانية في العصور الوسطى في غرب أفريقيا ويعني "الملك المحارب"، والمرء قديما كان لا ينصب ملكا إلا عن طريق نسبه أو سيفه، لكن مع توالي العصور بات هناك طريقا ثالثا..كرة القدم. كرة القدم لا تخلو من الموهوبين، لكن العباقرة ورجال التاريخ دائما قلة، ومن بين هؤلاء، كان تشارلز كومي جيامفي، الأب المؤسس لكرة القدم الغانية، والذي وضع اسم غانا على خريطة كرة القدم الإفريقية، بل الأوروبية أيضا. ولد جيامفي في الرابع من ديسمبر عام 1929، في العاصمة أكرا، وتوفي في الأول من سبتمبر عام 2015، عن عمر يناهز 86 عاما. حين يتحدث أبناء غانا عن جيامفي، لا يذكرون فقط إنجازاته الكروية كصانع ألعاب ساحر بمهارته ودقة تمريراته وقوة تسديداته، ولا كمدرب عبقري توجت مسيرته بقيادة النجوم السوداء للفوز ببطولة كأس الأمم الإفريقية ل3 مرات، ليتربع على عرش مدربي القارة، قبل أن يلحق به المعلم حسن شحاتة الذي عادل رقمه ولكن بتحقيق البطولة لثلاث مرات متتالية، بل يذكرونه كأحد عظماء جيل الرواد، جيل الاستقلال الذي رسم طريق الجمهورية الوليدة، التي تخلصت لتوها من وطأة ستة عقود من الاحتلال البريطاني، لتتحول من ساحل الذهب إلى غانا، ويذكرونه أيضا كملك محارب. بدأ جيامفي رحلته مع كرة القدم حين كان طفلا، في عام 1936، عندما كان في السابعة، ظهرت مواهبه في لعبة الكرة الجلدية، وأصبح عنصرا أساسيا في فريق المدرسة، لعب أمام من يكبرونه سنا وبنيانا ولكنه كان أكبر موهبة ومهارة. في عام 1944، تم قبوله في مدرسة أكرا الملكية، في الوقت الذي تم فيه إغلاق القبول، ولم يكن هناك مكان شاغر، لكن الموهبة تستحق الاستثناء. ويحكي العجوز جيامفي في مقابلة صحفية عام 2005: "لقد قلت للمدرب وكان اسمه عطا ني كاتوي، إنني أفضل من معظم لاعبيه، وعندما أعطاني الفرصة لعبت جيدا وأخذني إلى مدير المدرسة حتى يقبل بالتحاقي". أثناء لعبه لفريق الناشئين بالمدرسة، جرى تصعيده سريعا إلى الفريق الأول، والذي كان أكبر من سنه حينها، لكن مهاراته وأداءه كانا أكبر من سنه أيضا، ولعب لصالح مدرسته منافسا المدارس الأخرى، حتى جذب اهتمام مسئولي نادي نوبل آريكس، للعب في فريق الناشئين، وبعد تخرجه من المدرسة عام 1947 انضم إلى نادي سيلورز، لتبدأ مسيرته الاحترافية كلاعب كرة قدم في مركز وسط الملعب المهاجم (صانع ألعاب)، في عام 1948. وبعدما شاهدوا مهاراته في مباراة لعبها ضدهم، وكان حينها يلعب لنادي دوارفز، قرر مسئولو نادي أشانتي كوتوكو الحصول على توقيعه على الفور، وبالفعل ارتدى قميص النادي في الموسم نفسه عام 1949. كان الطبيعي للاعب في مثل قدراته ويلعب لكبير كوماسي أن يتم اختياره لتمثيل المنتخب الوطني، حيث لعب أول مباراة له في عام 1950. في عام 1951، سافر مع منتخب غانا -ساحل الذهب حينها- في جولة إلى إنجلترا وأيرلندا في جولة، وسجل الفريق الذي كان يلعب "حافي القدمين" ما مجموعه 25 هدفا خلال تلك الجولة، سجل جيامفي 11 هدفا منها. الحذاء الأول وبعد العودة إلى غانا، قرر جيامفي وزميله بريانت ألا يلعبوا من دون حذاء بعدما رأوا اللاعبين الأوروبيين، وهنا ارتدى جيامفي أول حذاء رياضي في حياته، وبعدما رأى رئيس نادي أشانتي كوتوكو أداءه المذهل في الحذاء الرياضي، اشترى لكل لاعبي الفريق الفريق، ولكن معظمهم رفض ارتدائها، وعندما وافقوا أخيرا، لعبوا بشكل مزر للغاية وخسر كوتوكو المباراة، ولكن بعد ذلك انتشر ارتداؤها في ربوع ساحل الذهب. البطولة الأولى يحكي جيامفي عن أول بطولة حصل عليها مع منتخب ساحل الذهب، "كأس جالكو"، وهي بطولة سنوية من مباراة واحدة كانت تقام بين منتخبي ساحل الذهب ونيجيريا، اللتان كانتا مستعمرتين بريطانيتين، واستمرت منذ عام 1951، وحتى عام 1959، بواقع 8 بطولات، حيث لم تجر المباراة في عام 1952، وفاز كل منتخب منهما ب4 مباريات منها. واستدعي جيامفي للمنتخب لخوض المباراة التي أقيمت في العاصمة الغانية أكرا عام 1953. ويتذكر بفرحة عارمة: "كانت الكأس على المحك، وكانت المباراة تتجه إلى التعادل، الذي كان من شأنه منح اللقب لنيجيريا، فجأة وصلتني عرضية، سيطرت على الكرة، وراوغت مدافعا قبل أن أسدد الكرة بقدمي اليسرى الضعيفة، ورأيت الكرة تسكن الشباك". لتفوز غانا بأول كأس "جالكو". وبعدما حمل شارة قيادة كوتوكو لبعض الوقت، استقال جيامفي من النادي، وأسس ناديه الخاص "جريت أشانتيس"، وحقق العديد من النجاحات مع النادي. أول أفريقي احترف في ألمانيا قاد جيامفي منتخب بلاده في مباراة ودية أمام فريق فورتونا دوسلدورف، الذي حل ضيفا على ساحل الذهب، والذي عرض على اللاعب فرصة اللعب كمحترف في الدوري الألماني. في أول مباراة له، سجل هدفا لفريقه، وبعد فترة قصير أطلق عليه مشجعو الفريق اسم "توندا فيتا"، والذي يعني "الرعد" وذلك بسبب قوة تسديداته. كانت مسيرته الاحترافية قصيرة، حيث عاد إلى موطنه في عام 1961، للمساعدة في تشكيل منتخب "البلاك ستارز" الوليد، وأصبح مدربا مساعدا للمجري جوزيف إمبر. في عام 1962، ترك إمبر الفريق، ووقعت المسئولية على عاتق جيامفي أو كما يشتهر ب "CK"، لإعداد الفريق للمشاركة في كأس الأمم الأفريقية، والتي كانت غانا ستستضيفها العام المقبل. كانت مهمته التدريبية الأولى هي بطولة "كأس أوهور" في كمبالا عاصمة أوغندا، والتي استضافتها احتفالا بحصولها على الاستقلال، وضمت الكأس كينيا وفريق من إنجلترا، بالإضافة إلى غاناوأوغندا. لم تفز غانا بهذا الكأس وحسب، بل فازت أيضا بكأس غرب أفريقيا في العام نفسه. في 1963، استضافت غانا بطولة كأس الأمم الأفريقية في نسختها الثالثة، والتي ضمت 6 منتخبات، غانا وإثيوبيا وتونس في المجموعة الأولى، والسودان والجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) ونيجيريا. تعادل منتخب غانا إيجابيا في المباراة الافتتاحية أمام تونس، وفازت على إثيوبيا بهدفين نظيفين، لتصعد إلى رأس المجموعة إلى النهائي أمام السودان الذي صعد إلى النهائي بدلا من الجمهورية العربية المتحدة بفارق الأهداف. حصلت مصر على المركز الثالث بعدما هزمت إثيوبيا بثلاثية نظيفة، فيما تحقق حلما لبلاك ستارز بقيادة جيامفي، بعد الفوز على السودان في النهائي بثلاثية نظيفة، لتفوز بأول لقب أفريقي لها في أول مشاركاتها في كأس الأمم. شهدت البطولة مولد أحد أساطير الكرة المصرية، وهو مهاجم الترسانة الشاب حسن الشاذلي، الذي حصد لقب هداف البطولة بعد تسجيل 6 أهداف، وسجل هاتريك في شباك نيجيريا. وعلى الرغم من الفوز بالبطولة، ووضع غانا على خريطة الكرة الأفريقية، إلا أن النقاد كانوا يعتقدون أن "CK" فاز بالفريق الذي أعده إمبر، ودعا البعض منهم إلى إقالته، لكن مدير الرياضة وقتها والمسئولة عن تعيين المدربين للمنتخب الوطني تمسك به. وجد جيامفي أن معظم قوام الفريق الذي حصد معه البطولة قد تقدم في السن، ما دفعه إلى البدء في عملية تجديد الدماء استعدادا للدفاع عن اللقب في نسخة عام 1965 في تونس. وبالفعل نجح جيامفي في مهمته، واحتفظ البلاك ستارز باللقب بعد هزيمة أصحاب الأرض والجمهور في النهائي بثلاثة أهداف مقابل هدفين. اختفى جيامفي منذ عام 1966، حين انقلب الجيش على الحكم، وظل في غياهب النسيان، ولم يظهر إلا في عام 1972، عندما عينه الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" مدربا لمنتخب أفريقيا في بطولة بالبرازيل ضمت اليابان والأرجنتين وفرنسا وإيطاليا. عاد بعد البطولة إلى غانا ليدرب فريق "أكرا هارتس أوف أوك"، حيث طور فريقا أصبح من الفرق المهيبة في البلاد. في عام 1981، ذهب إلى البرازيل للالتحاق بدورة تدريبية، رجع منها ليقود البلاك ستارز في بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 1982 في ليبيا، ليحصد البطولة ويكمل "الهاتريك" التاريخي، مسجلا رقما قياسيا، لم يتمكن أي مدرب من تحقيقه، ولكن تمكن المعلم حسن شحاتة من بلوغه. ترك المنتخب وذهب للتدريب في الدوري الصومالي، من ثم تدريب منتخب الصومال تحت 21 عاما، بعد ذلك درب في كينيا، وعلى الرغم من نجاحه مع نادي ليوباردز الكيني، دفعه حب بلاده للعودة إلى تدريب منتخب غانا عام 1991، استعدادا لكأس الأمم في السنغال 1992، ولكن الاتحاد خذله، وفضل مسئولوه تعيين الألماني بوركهارد زيسي، ليعمل جيامفي في وظيفة مكتبية كمدير فني من دون صلاحيات، وفاز منتخب كوت ديفوار بالبطولة بعد التغلب على غانا في النهائي بركلات الترجيح. قرر بعدها العمل كمدير فني مشرف على فريق "Obuasi Goldfields" الذي فاز بأول دوري احترافي في غانا عام 1993. في 1994، قرر جيامفي اعتزال التدريب بعد الفوز بالدوري، وعين مديرا فنيا في "الكاف"، ومل أيضا في اللجنة الفنية للاتحاد الدولي "فيفا" في الفترة بين عامي 1998 و2002. في عام 1991، وتقديرا لريادته ولدوره في الحراك الاجتماعي الذي سبق انتخابات 1992، أول انتخابات تشهدها غانا عقب إقرار الدستور الجديد للبلاد بعد عقود من الانقلابات العسكرية، قام سكان أكوراسي بتنصيبه زعيما لهم، ولم ينسوا ماضيه الملكي، ومنحوه لقبا ملكيا "نانا جيامفي كومي الأول". في عام 2014، نجا جيامفي من سكتة دماغية خفيفة، وعاش في منزله المتواضع في شمال مدينة كانشي مع زوجته، فاليري جيامفي، التي كانت لاعبة تنس دولية، وأنجبت له 8 أبناء، حتى توفي في 2 سبتمبر عام 2015.