أسبوع واحد يفصل جموع المصريين عن الذكري السنوية لثورة الخامس والعشرين من يناير.. تعيشوا وتفتكروا.. سيتكرر المشهد المقدس والإستثنائي الذي نحته الثوار الحقيقيون في وعينا وذاكرتنا.. ستتراص مئات الآلوف كالبنيان يشد بعضه بعضاً.. ترتفع الأعلام والهتافات التي حتماً ستكون جديدة بعد عام من الحالة والمد الثوري اللذين طالا كل مناحي المحروسة ومؤسساتها وطرقها وخطوط سكك حديدها.. مصر تنتفض فتسري النبضة من الميدان لكل شبر فيها.. أمواج البشر الهادرة علي صفحة الميدان في المليونية المرتقبة ستشكل المشهد المصري القادم موجة تلو أخري.. وسيحج للميدان كل المصريين (و عود أحمد عليهم جميعاً) بلا رصاص أو قنابل مسيلة للدموع أو ذخيرة حية أو خرطوش .. بلا خسائر في الأرواح أو المكاسب المنتزعة (إن وجدت) أو المرتقبة (إن حدثت).. سيصلي أقباط مصر من المسلمين بحماية مسيحييها.. ستهتف الأخت السلفية بجوار الفتاة الليبرالية فالميدان يسع الجميع ولا يحتكره أحد.. سنجد في الميدان فتاة مصرية تتجاوز العشرين بقليل.. قررت إهداء جسدها البض للعيون والأخيلة وتقديمه طواعية لمرتادي مدونتها.. لم تفلح كلماتها المتاخمة لصورتها العارية في إضفاء أية ثورية علي ما فعلته.. لم تفلح وردة حمراء في شعرها في منح أي شبقية علي صورتها.. ربما حداثة السن أو طفولة الملامح تجعلك لا تأخذ أي من تصاويرها أو تعبيراتها علي محمل الجد، ولكن الفعل يستقبل باحتفاء في أوساط محدودة غالبيتهم من أصدقاء جامعتها الأمريكية التي تدرس بها، وباستهجان واسع وشديد في سائر القطاعات حتي أن حركة 6 إبريل تتبرأ منها ومن عضويتها بها بعد إستربتتيزها الفوتوغرافي الذي التقطته بنفسها وبكاميراتها كسراً للتابوهات وصدىً ثورياً لمصادمات فكرية بين تيارات الميدان.. بيد أن الفعل الأكثر ثورية من ذلك صدر عن فتاة صعيدية في قضية كشوف العذرية، حين تعرت السوهاجية السمراء رغماً عنها وليس بملأ إرادتها، وحين انتُهكت هي وثمان فتيات غيرها أمام موظفين وضباط بدعوي كشوف العذرية.. رفعت قضية ضد المجلس العسكري حين تم امتهان أجساد ثائرات التحرير بعد اعتصام 9 مارس.. تتحدث سميرة وتتحدي ميراث الصمت والخوف.. كل يعري وكل يكشف حقائقه بطريقته..في مليونية التحرير ستلوح مرشحة الرئاسة المحتملة بعلمها الصغير وهي التي صرحت من قبل بأنها رغم يقينها بأنها لن تنجح في انتخابات الرئاسة إلا أنها مصرّة علي الترشح لدواعي الوجاهة والتباهي أمام المجتمع الدولي، وحتي يقال أن بمصر امرأة مرشحة للرئاسة؛ مما يشكل دعماً للمرأة المصرية ومسيرتها.. تكتشف فور سماع تصريحاتها أن ما سيسقطها ليست تقاليد المصريين أو مقولات تراثهم المتعلقة بالمشي خلف المرأة، قدر زيف دعواها وديكورية تمثيلها دور الرئيس المحتمل، مما سيلزمها خانة التمثيل (التشخيص) فقط، خاصة وهي الإعلامية حيث قيم الشو والأداء ومسرحية العروض، ستكتفي بالتمثيل علينا ونحن نرد علي استخفافها بنا في صندوق الانتخاب ..سيدة أخري تعبر الميدان ملامحها سمراء أسوانية وتكوينها دقيق وصلب.. وتد رفيع يدق في الأرض فيثبِّت أسرتها وعائلتها وعشيرتها.. هي ربة منزل ربما لن تنزل في المليونية المرتقبة، لكنها قطعت الميدان من قبل متوجهة لدار نشرٍ قريبة من بيتها وفي يدها ابنها منصور أمين منصور .. الصبي الأسمر الذي ظهر بالفيديو الذي بثه المجلس العسكري بعد أحداث مجلس الوزراء، متهماً الناشر محمد هاشم صاحب الدار بأنه كان أحد المحرضين علي أعمال التخريب وحرق المجمع العلمي، عن طريق توزيع الكمامات والخوذ والنقود علي المتظاهرين، وبمجرد خروج الابن من محبسه واطمئنانها عليه ذهبت به الأم إلي هاشم كي يعتذر ويبرر له ما قاله في حديثه المذاع حفاظاً علي الجيرة وحقوقها، فهم من سكان المنطقة.. تجبر الأم طفلها علي الاعتذار والاعتراف قائلاً (قالولنا لازم تقولوا إن الناس دي بتدي فلوس حتي لو مخدتش عشان تروَّح، واضطريت أقول كده من خوفي).. يرجع الصبي لحضن أمه التي لا تستكين لدفء الحضن الصغير ولا تأمن لسلامة الوصول، وتؤثر ألا تجعله يخاف غده.. فتعطيه درس عمره (الاعتراف بالحق) كي يصير الصبي رجلاً.الأخيرة لا يعرف لها اسم، ستره الله عنا، وسترها رغم رؤيتنا لجسدها المنسحق تحت بيادات الشرطة العسكرية.. في حين أطلق عليها أسماء عدة كالفتاة المنتقبة، والفتاة المسحولة، وست البنات.. ربما ستكون قد تعافت لتنزل الميدان في المليونية المرتقبة مع الناشطة علياء المهدي والآنسة سميرة إبراهيم ومرشحة الرئاسة بثينة كامل والست أم منصور وغيرهن من نون نسوة الثورة وتاء تأنيثها.. تلك الثورة العجيبة الجامعة لكل المصريين والتي نستطيع تلمس ملامحها بمعرفة ملامح نسائها، منهن من تعرت بإرادتها ومنهن من تعرت مكرهةً.. منهن من انتقمت من نفسها ومنهن من انتقمت من منتهكيها حين تحدت ميراث الصمت والستر الزائف، منهن من آلمت وعي أمة وهي غائبة عن الوعي ومغشي عليها، ومنهن من رفضت أن تغىَّب عن الوعي، فربَّت وأصرت أن تعطي لوليدها درساً للحياة وفضيلة لعمره القادم.. ورغم صخب التحرير ومليونياته وبشره ونسائه وحرائره اللاتي كن فيه لا يزال الميدان يلم ويسع الجميع.