مصر ليست فوق الجميع كما ندعي جميعا، بل أصبحت تحت الأقدام وخلف الأسوار والمتاريس، لقد أصبحت مصر تخاف من أبنائها وهم يهتكون عرضها في وضح النهار ويتظاهرون مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية ولم يفكر أحد منا: أين حرية مصر وهي تباح وتستباح وتنتهك كعجوز فقدت القدرة والسيطرة علي أبنائها وجنودها؟ هل أحد منا كان يتصور أن يحدث لمصر أن تقف عاجزة تماما وهي تري جيشها يضع الحواجز الخرسانية والأسلاك الشائكة لتكون جدارا عازلا بين شبابها وجيشها الذي ندعي جميعا أننا نحترمه؟ كلنا كاذبون وخائنون ونهرب دائما من الحقيقة المرة ونحاول أن نجمل مواقفنا.فمن الخطايا الكبري والخطيئة السياسية أن لجنة تعديل الدستور- والتي قفز عليها الإخوان المسلمون بعد ثورة 25 يناير السلمية- هي أم الكوارث والمصائب التي نعيش فيها. ونجح المستشار طارق البشري في أن يحقق الحلم المستحيل ، بوضعه خارطة طريق ضد مصالح مصر وثورتها لتحقق جماعة الإخوان المسلمين الفرصة التاريخية الاستثنائية التي لو اكتملت ستغير وجه مصر والمنطقة العربية بأثرها.فالإعلان الدستوري كان مثل إعلان وعد بلفور بهدم الدولة المصرية وإسقاطها في مستنقع الفوضي واللا معقول، فهل أحد منا كان يتخيل أن يحقق حزب الحرية والعدالة في خلال تسعة أشهر فقط نتائج تفوق أكبر شعبية الأحزاب الحقيقية في العالم من ناحية الأغلبية الحاكمة لتسيطر علي المؤسسة التشريعية التي تعبر عن آمال وآلام الجماهير المصرية من أسوان إلي الإسكندرية؟لقد خططوا ودبروا وراوغوا حتي تمكنوا من إحكام سيطرتهم لأنهم متأكدون أن الشارع السياسي لايعترف إلا بقوتهم ووجودهم الكمي والكيفي ويلعبون علي وتر الدين والحاجة الاقتصادية والفقر والأمية الانتخابية فحققوا أرقاما فلكية في صناديق الانتخابات البرلمانية في كل محافظات مصر بسبب التربية السياسية المسرطنة علي مدار 60 عاما والتي أخرجت إلينا عاهات سياسية ونماذج رجعية متخلفة وشخصيات فاسدة حتي النخاع وكوادر جاءت لتنهب ثروات وشعب مصر واعتقلته في دوامات رغيف العيش والعذاب اليومي وقتلت فيه الانتماء الوطني وكفرت بكل المعتقدات والأفكار فكانت نظرية الهروب الجماعي للشعب المصري هي السبب في عزوفه عن المشاركة السياسية في الماضي لأن الاعتقال والفصل الوظيفي هما عصا النظام لوأد الإنسان قبل الأفكار والاحتكار قبل الانصهار فكانت النتيجة الحتمية هي الانهيار، لأن الخروج الجماعي للشباب والمرأة في لحظة فارقة من تاريخ هذه الأمة لا فرق عندهم بين الموت والحياة لأنهم كانوا ارقاما بلا رصيد في بورصة النظام الفاشي الذي سقط، ولكن ما يحدث الآن في مصر يجعلنا نتوقف ونتساءل: هل هذا هو شباب مصر الوطني الذي حافظ علي جمال ميدان التحرير وقام بتجميله ليكون مزارا للعالم وكعبة للأحرار والثوار في كل ميادين الدنيا، واليوم أصبح ميدانا تعمه الكآبة والظلام والحزن وتحيط به الحواجز الخرسانية ويبكي في صمت علي دماء الشباب الذي سقط في محمد محمود ومجلس الوزراء؟ وأصبح المواطنون يخافون من المرور بجوار ميدان التحرير. فحالة الخوف والرعب من المجهول أصبحت تسيطر علي الشعب المصري ولم يتخيل أحد أن تمر مصر بهذه الكوارث التي لم تحدث في التاريخ القديم والمعاصر والسبب في كل ذلك أننا جميعا مخطئون، خاصة المجلس العسكري الذي كان سببا مباشرا في سيطرة الإخوان علي المشهد السياسي والانتخابي في مصر المكتئبة..لقد ترك الشباب المصري الحقيقي الساحة والميدان للعشوائيات السياسية والعناصر العجيبة والغريبة التي هبطت علي حياتنا السياسية وأصبحت صورة مكررة في الفضائيات والمجلات والجرائد اليومية. والكل يدعي أنه من شباب التحرير، والتحرير والثورة بريئة منه إلي يوم الدين.وأخيرا كانت لعبة المصالح والمكاسب الانتخابية التي أحرقت مصر وتاريخها وألغت ذاكرتها الثقافية. فالمهم هو تحقيق الهدف وهو الوصول إلي السلطة وهذا ما يجري الآن.وأقولها بأعلي صوتي إنني غير متفاءل علي الإطلاق، لأننا نسير إلي المجهول بعقولنا وأيدينا وسرنا منذ البداية في الاتجاه المعاكس وستكون النتيجة صادمة.. فالمجلس العسكري لن يسلم السلطة والبرلمان إلي الإخوان مهما حدث من مليونيات فالصدام قادم مهما بعدت المسافات الزمنية بين القوي، لأن لحظات الحسم والانقضاض ستكون قريبة وسريعة.لماذا جري ويجري ذلك في مصرنا التي ندعي حبها؟ وإجابتي: لا أحد منا يحبها بل نريد أن نقتلها وندمرها ونحرقها ثم نبكي عليها آه يا بلد .