يبدو أن مشروع إنشاء مفوضية للإعلام العربى والذي عكف على اعداده الأمين العام للجامعة العربية تنفيذا لقرار مجلس وزراء الاعلام العرب بات في مهب الريح خاصة بعد احتدام النقاش حوله من قبل وكلاء وزارات الاعلام والخبراء والمتخصصين الاعلاميين والقانونيين خلال الاجتماع الاستثنائي للجنة الدائمة للاعلام برئاسة أمين بسيوني اليوم بالجامعة العربية حيث تحفظت العديد من الدول على مشروع المفوضية التي يناط بها وضع معايير تتعلق بتنظيم البث الفضائي وحماية الاعلام العربي ومراعاة خصوصيات المجتمعات من خلال توحيد التشريعات عبر هذه المفوضية كي تلتزم بها الدول العربية والتي بدورها آثرت أن تكون أي معايير يتم التوصل اليها استرشادية وليست ملزمة للدول العربية .وأبدت عدة دول اعتراضها على المشروع من حيث أنه لا يقدم رؤية مستقبلية عن الآليات المتواجدة حاليا بالدول العربية ، كما أنه يزيد من الاعباء المالية للدول العربية ومن ثم يثير العديد من المشكلات حول التمويل اللازم لها ، كما أنها قد تتعارض مع الهياكل الحالية التابعة للجامعة العربية والاتحادات الخاصة بالاعلام والادارات المتخصصة في هذا المجال ، كما رأت العديد من الدول انه يجب اتاحة حرية التعبير وعدم وجود المزيد من التشريعات التي تشكل رقابة على ادائها الاعلامي وتقيدهوجاء الاجتماع الاستثنائي للجنة الدائمة للاعلام الذي تم تأجيله مرتين ليشكل عصفا فكريا بين الدول العربية التي أبدت ملاحظاتها على المشروع .وفي البداية دعا السفير محمد الخمليشي الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون الإعلام والاتصال المشاركين الى التحدث صراحة حول مشروع المفوضية ، لافتا إلى أن ما ورد إلى الجامعة من ردود الدول العربية حول مشروع إنشائها غير مشجع مما يتطلب العمل أكثر للتوصل إلى صيغة ترضى جميع الأطراف حول هذه المفوضية.وطالب السفير محمد الخمليشي فى كلمته أمام الاجتماع بأن يكون النقاش بين المشاركين فى الاجتماع صريحا حتى يتم التوصل إلى قرار موحد بشأن إنشاء المفوضية .. وقال الخمليشي إن أغلب الردود التى وردت إلينا من الدول العربية بشأن مشروع المفوضية متنوعة ولكن أغلبها غير مشجع ، وأضاف أننا نريد فى هذا الاجتماع أن نسمع موقفا عربيا صريحا ونريد معرفة رأي الدول بشأن المفوضية بمعنى : هل حان الوقت لقيام المفوضية ؟ ، أم أن الوقت لازال مبكرا.وأشار الخمليشي إلى أن النقاش فى موضوع المفوضية بدأ لأول مرة عندما فكر قطاع الاعلام فى الجامعة العربية فى أن تكون هناك مبادئ ومعايير للبث الفضائي العربي السمعي والبصري لافتا الى ضرورة وضع تصور عربي حول حماية فضائنا أمام الفضاء الخارجى .وأوضح أنه تم وضع مبادئ لذلك وكانت لأول مرة ملزمة ، تم الاتفاق على أن تكون استرشادية.وقال إن التفكير فى موضوع المفوضية اختلف بين دولة وأخرى ، موضحا أن المفوضية هى تصور جديد لما يجب أن يكون عليه الإعلام العربي ولوضع مبادئ للإصلاح والتقدم ولزيادة سقف الحريات والتطوير .. مشيرا فى الوقت ذاته إلى أننا لا نريد أن نكون مثل مفوضية الإعلام الأوروبي لأنها متقدمة جدا ونحن ندرك أنه من الصعب أن نصل إلى هذا الشكل حاليا.وشدد السفير الخمليشي على الصراحة فى التعامل مع موضوع المفوضية موضحاً أن أن المفوضية تحتاج إلى جهاز إدارى وميزانية كبيرة ولابد من وضع محددات لها والاتفاق حول خطة إعلامية لمواجهة الخارج الأمر الذي يتطلب توافر النية وإرادة التنفيذكما أشار أمين بسيونى رئيس اللجنة الدائمة للإعلام العربي إلى أن مشروع إنشاء مفوضية الاعلام العربي عكف على اعداده عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية بناء على طلب مجلس وزراء الاعلام العرب، ثم وزع مشروع النظام الأساسي للمفوضية على الوزارات المختلفة وأرسلت كل دولة ملاحظاتها.وأضاف بسيونى أن الهدف الاساسي منها هو العمل على مواكبة عصرنا فى تقدمه العلمى والتكنولوجي فى المجال الاعلامي بما يتناسب مع قيمنا وعاداتنا وديننا وأخلاقنا ، موضحا أن الاعلام يدخل الآن كل بيت دون استئذان لذا لابد من وضع معايير تأخذ في الاعتبار خصوصيات الدول العربية .وأكد بسيونى أننا مع حرية التعبير ، لكننا فى نفس الوقت حريصون على أن نلتزم بالعادات والقيم للمجتمعات العربية ، كما نريد أن نكون ذوى رؤي واحدة وأن يكون إعلامنا متطورا.وقال إنه طالما أننا ندخل من خلال هذه القنوات إلى كل الدول العربية وسمح أصحاب الأقمار العربية بأن يتم البث من خلالها ، ففى هذه الحالة يجب أن يكون هناك التزام ومواكبة العصر واحترام حرية التعبير .وفي مداخلته قال ممثل قطر د. يوسف الابراهيم الخبير بمؤسسة الاعلام اننا نأمل أن تكون المفوضية خطوة لتحقيق مكانة متميزة للاعلام العربي ، كما أن الدول العربية وقعت على ميثاق العهد الدولي والذي يتيح حرية التعبير للمواطن العربي وكذلك الدساتير العربية ،من هنا لابد أن نحدد ماذا نريد من هذه المفوضية خاصة وأن النقاش يحتدم حولها ، وعلى الجانب الآخر يبرز موقف أمريكي تجاه الاعلام العربي! فهل يتم اقرار هذه المفوضية في مواجهة تلك العاصفة ؟من جهته قال ممثل لبنان حسان فلحة وكيل وزارة الاعلام إن بلاده تقدمت بورقة عبر عنها وزير الإعلام طارق مترى توضح أن مشروع إنشاء مفوضية للإعلام العربي ليس هدفا قائما بحد ذاته ، وإنما هو سعي لتعزيز دور الإعلام العربي فى مواجهة التحديات الدولية وإظهار الحق العربي فى إطار عربي مؤسسي.وأكد أهمية الدور الذي يجب أن يؤديه الاعلام الواعى والذكى ،لافتا الى حرص بلاده على تعزيز كل ما يمكن أن يدعم العمل العربي الإعلامى المشترك و رفض كل ما من شأنه أن يقوض حرية الرأى والتعبير، ملمحا الى ان غالبية الدول العربية لا تؤيد مشروع مفوضية الاعلام .من جانبه .. قال محمد رزوق معاون وزير الإعلام السوري إن معظم الملاحظات التى طرحت تؤكد أن هناك آراء حول المشروع بشكل عام وليست آراء تتعلق بالتفاصيل ، مضيفا أن هذا المشروع مع كامل الاحترام له والتقدير للجهد المبذول فيه يستند إلى الآليات الاعلامية القائمة حاليا و لا يستند إلى الرؤى المستقبلية ، وبالتالى لابد أن تكون الرؤية مختلفة.الاعلام النمطيقيود اعلاميةأما الدكتور المتوكل طه وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية فاشار إلى أهمية تجاوز مرحلة الاعلام النمطي موضحا إن إنشاء مفوضية للإعلام العربي ضرورة وأن تنفيذ الفكرة قد تأخر كثيرا ، واستعرض طه المهام التي يفترض أن تقوم بها مفوضية الإعلام وفي مقدمتها خلق حالة معرفية داخل المجتمع العربي عن واقع الأمة العربية.وأضاف أن ما يجري في القدس لا يعرفه الكثيرون من العرب والمسلين ، وحتى يقوم الإعلام بدور توعوي أفضل يجب الاهتمام بمختلف الأشكال والفنون وفي مقدمتها الدراما والسينما.وأشار طه إلى ضرورة أن تلعب المفوضية دورا في خلق حالة معرفية لدى الآخر وبخاصة لدى الغرب والمساهمة في تصحيح الصورة النمطية عن العرب في الخارج ، داعيا إلى اعتماد آليات جديدة في الترجمة وأهمية حدوث حراك مجتمعي.واشار طه الى ان الاعلام العربي لا يشكل سوى نسبة 2.5 %من الاعلام العالمي فيما يشكل الاعلام الاسرائيلي وحده 2.7% ، وانتقد تقييد حرية الاعلام في العالم العربيازدواج المهامكما اشار علي شمو وزير الاعلام السوداني الأسبق الى اهمية استجابة مشروع المفوضية لعدة أمور لا تزال محل جدال ومنها التفرقة بين مشروع المفوضية ووثيقة تنظيم البث الفضائي في المنطقة العربية ، كما انه لابد من مراعاة موضوع تمويل المفوضية ، وألا تخلق بدورها ازدواجا مع الهياكل الحالية والادارات الاعلامية التابعة للجامعة العربية وأن يتم تحديد مدى ما كانت هذه المفوضية ستسهم في تلبية الاغراض العربية أم لا .من جهته أكد د. عبد الله الجاسر وكيل وزارة الاعلام السعودي الى اهمية التوافق حول المطلوب من مقترح مفوضية الاعلام العربي والوقوف على مدى الاستفادة من المشروع في صيغته الجديدة وهل يلبي ملاحظات الدول العربية أم لا؟.وجاء رد المستشار ياسر عبد المنعم مسؤول الأمانة الفنية لمجلس وزراء الاعلام العرب بأن هذه المفوضية تأتي بناء على قرار وزراء الاعلام العرب ، ونحن مفوضون باعداد مشروع حولها ، وعلينا الخروج برؤية حولها لاقرارها في شهر اكتوبر المقبل .