طلقات من الرصاص الحي تتصاعد يمينًا ويسارًا، زجاجات المولوتوف تتساقط كسيل من المطر، رجال ونساء يفرون في اتجاهات مختلفة، وأصحاب المحلات والمتاجر يهرولون لإغلاق الأبواب حماية لمصادر أرزاقهم.. هذه الأجواء المفعمة بالذعر ليست مشهدًا في ولاية شيكاغو الأمريكية المعروفة بعصابات الإجرام، وإنما صورة حقيقية شهدتها مدينة شبرا الخيمة مساء الأربعاء.عشرات من الشباب والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينيات والثلاثينيات يمسكون بالأسلحة النارية ويقفون عند أحد أكبر ميادين شبرا الخيمة عند مطلع كوبري عرابي، الشهير بالمنطقة. فيما يقف على الجهة المقابلة من الكوبري فريقاً آخراً لا يقل تسليحًا، وبين الطرفين أصوات الطلقات النارية لا تتوقف ويتخللها صرخات النساء وحالة الذعر الشديدة التي انتشرت بين أهالي المنطقة.سبب المعركة النارية، حسبما أوضح أحد أهالي المنطقة لمصراوي، هو خلاف بين سائقي عربات الميكروباص بموقفين مختلفين لعربات الأجرة، وتصاعد الأمر إلى أن تحول لاحتشاد منطقة في مقابل نظيرتها. الأغرب في الواقعة هو وجود نقطة للشرطة لا يفصل بينها ومكان الحادث سوى عدة شوارع، كما يوجد قسم أول شبرا الخيمة على بعض مسافة لا تتجاوز خمسمائة متر من الواقعة.ولا يبدو الأمر السابق ذكره غريباً؛ إذ تصورنا هذا المشهد الذي يفسر كثيراً من الحالة الأمنية المتردية الذي يعانيها المجتمع في هذه المرحلة.. أفراد يملكون أسلحة وعبوات مولوتوف ويقفون صفين على مطلع الكوبري مركز الواقعة، وإذ بها عربة شرطة ( بوكس ) تمر بينهم وتسير بتلقائية وانسيابية وكأن شيئاً لا يحدث، الأمر الأكثر دهشة وغرابة ويكاد لا يصدقه العقل حدث عندما توقفت عربة الشرطة، ليخرج أحد أفرادها الذي يرتدي زياً مدنياً، فيشتري بعض حاجته من أحد أكشاك الباعة، ثم يعود لسيارته مغادرًا المكان.يجدر الإشارة إلى أن الواقعة ذاتها قد نشبت بشكلٍ بسيط، مساء الاثنين الماضي، وحضرت قوات من الشرطة العسكرية بعد منتصف الليل ليهدأ الوضع بعدما اختفت الأسلحة وعادت عبوات المولوتوف إلى مخابئها، فانصرف القوات الأمنية فيما اشتعلت الواقعة من جديد بصورة أفزع بكثير من وقت نشوب شرارتها الأولى.وحسبما علم مصراوي، لم تحدث أي إصابات قاتلة من الطرفين، إذا أن المسافة الفاصلة بينهما كبيرة ويكتفي كل فريق بإطلاق الرصاص في الهواء وعمليات من الكر والفر البائسة التي تهدف لإشباع النشوة العدوانية. ولكن حالة الذعر الشديدة التي فشت بين أهالي المنطقتين، هي التي تمثل أهمية قصوى، لاسيما في ظل حالة النوم الغارقة التي تسيطر على أمن شبرا الخيمة، وكأن لسان حال الشرطة: خلوا الثورة تدافع عنكم.