المشهد الأول :* توكأت أم سلمي علي حلمها وهو يكبر أمام عينيها وتحسست جيبها وقلبت في دولاب ملابسها باحثة عن جنيهات انزلقت من يديها فهي لا زالت في منتصف الشهر ولن يحول زوجها خليفة عبد الحميد الذي يعمل سائقاً بالكويت أموالاً أخري لها إلا بعد أن يقبض مرتبه أول الشهر .* أرتد بصر أم سلمي إلي بناتها سلمي وشيماء الطالبتين في كلية الهندسة وهاجر التي تدرس الإعلام ورحمة بالإعدادي ومحمد طالب الابتدائي .. وقالت لنفسها: مش مهم .. هيعدي الشهر بأي شكل .. المهم أنني دفعت المصاريف لأولادي في الجامعات والمدارس .. وكلهم تعليم خاص .* أم سلمي عوضها حلمها بالمهندسة والصحفية عن سنوات غربة الزوج وتعب الأيام والسنين .. وحمدت ربها وشكرته فلا شئ ينقصها حتي الحلم الذي (عز) علي كثير من المصريين .* وتذكرت زوجها خليفة وآخر كلام بينهما قبل سفره .. شكا لها الغربة والقلق علي الأولاد والبنات .. وشكت له وجع البعاد والبيت الذي يضيق رغم رحابته ولا يتسع إلا بوجوده .. واستفاقا في النهاية من جلسة الشكوي الحميمة علي تحذير منها : أوعي تسيب شغلك ما عندناش حاجة في مصر .. الأولاد والبنات في جامعات خاصة . أتحمل شوية لحد ما يخلصوا .. وهز رأسه موافقاً بأسي .المشهد الثاني :* استيقظت أم سلمي علي صوت الجرس .. كان واهناً مثلما بدا خليفة .. ارتمت في أحضانه ثم سألته : خير .. لماذا رجعت قبل موعد إجازتك؟ .. انهار علي اقرب مقعد وهو يقول : البراد عي السبب .. لم تفهمه .. ظلت صامتة .. وظل هو كذلك .. وبعد إلحاح روي لها ما حدث في الكويت .* بعد يوم عمل شاق أراد أن يستريح قليلاً .. قادته قدماه إلي أحد المقاهي التي يرتادها المصريون .. ولم تمض لحظات إلا والأمن الكويتي يقبض عليه هو وآخرون .. سألوه عن الدكتور محمد البراد عي وهل يؤيده .. قال لهم : أنا مشغول بلقمة العيش ولا أفهم في السياسة ولا أهتم بها .. سألوه عن هذا التجمع الذي كان محتشداً للتعبير عن تأييد البراد عي .. روي لهم أن الصدفة وحدها قادته إلي هنا من أجل كوب شاي ودقائق ينفرد فيها مع نفسه ولا علاقة له بالآخرين .. احتجزوه ثلاثة أيام وهو لا يعرف السبب لأنه غير مقنع بما اجتمع له الآخرون بل يجهله ولا يعنيه أصلاً .. رحلوه من مطار الكويت إلي مطار القاهرة وقالوا له انه أبعد إدارياً .. سأل : يعني إيه .. قالوا : انه لن يعود إلي الكويت .* كان دموع أم سلمي تتساقط بغزارة من أجل حلمها الذي يكاد يتبدد بالمهندسة والإعلامية .. وطال صمت خليفة قبل أن يتساءل بألم وأمل : هل يتصل البراد عي بالمسئولين لينهوا أزمتي ويعيدوني إلي عملي بالكويت مرة أخري .. وفي نفس اللحظة كانت أم سلمي تتمني في داخلها ذلك من اجل حلمها .هذا السيناريو هو ما تخيلته لمأساة خليفة وزوجته أم سلميالمشهد الثالث :* ليس ببعيد عن هذا السيناريو مأساة أسماء طالبة الثانوي الفني التي كانت تحتضن حقيبتها لتواري صدرها الذي كان يشي بأنها أصبحت عروس ولتواري في رأسها حلمها بفتي الأحلام الذي يأتي هذه الأيام في توك توك وليس علي فرس كما يحدث في زمن .. ألف ليلة وليلة .. كان تجتاز شوارع قريتها في مركز طامية بالفيوم حين توقف أمامها توك توك اسود ينعق بأغنية هابطة ليهبط منه أربعة شبان هابطون أيضاً ويعبثون بكل جسدها قبل أن يحاولون إدخالها في ال توك توك الأسود لولا بقية من شهامة أهل القرية الذين أنقذوها من براثن الشبان الهابطين .المشهد الرابع:* الأحد الماضي في محكمة جنايات الفيوم نطق القاضي بالحكم علي منتهك عرض أسماء في الشارع العام بالسجن المشدد خمس سنوات.. لا اعرف هل ستفرح أسماء بهذا الحكم ؟ وهل كانت تنتظره أساساً ؟ وكيف عاشت طوال الفترة الماضية ؟ وكيف اضطرت أكثر من مرة لوصف ما حدث لها لدواعي التحقيقات ؟المشهد الأخير:* والمشهد الأخير بلا مشاهد فقد أجهدني التخيل وانتحال شخصية السيناريست .. لكن صداع الأسئلة لا زال يلاحقني : ما ذنب خليفة الذي لا يعرف البر ادعي في أن يقطع عيشه؟ وما ذنب أم سلمي التي فقدت حلمها الوحيد بأن تصبح ابنتاها سلمي وشيماء مهندستين وابنتها هاجر إعلامية؟ وما ذنب أسماء لكي تعيش كل هذا العذاب التي لا اعتقد أن الحكم بسجن الجاني سيضع له حداً ؟ وأين أخلاق القرية وأين تقاليدها وعاداتها التي كانت تجبر العين تلقائياً علي ألا ترفع في وجه فتاة أو امرأة ؟ ماذا حدث لقريتنا ؟ ماذا حدث لمجمعتنا ؟ لماذا أصبحت الجريمة تمارس بفجر وتبجح ؟ ولماذا أصحبنا لا مبالين في مواجهتها .* الخلاصة أن خليفة وأسماء ضحية سياسة لا تبالي بمصر ولا حاضرها ولا مستقبلها ... أما التفاصيل فهي لدي الحكومة والساسة ومنظمات المجتمع المدني وحتي المسجد والأسرة ... جميعنا شركاء في الجريمة.. وجميعنا ضحايا .