فتحت المعارك الحالية فى ليبيا صفحة دامية جديدة فىسياق مايعرف بحروب المدن فيما تثير تساؤلات حول دور سلاح الجو فى هذا النوع منالحروب بقدر ماتطرح تحديات جديدة أمام الفكر العسكرى الغربى والأمريكى على وجهالخصوص.وكان حلف شمال الأطلنطى الناتو قد استخدم امس السبت المروحيات الهجوميةمن طراز اباتشى فى قصف القوات الموالية لنظام العقيد معمر القذافى وذلك للمرةالأولى منذ بدء العمليات العسكرية الأطلسية فى ليبيا.وواقع الحال أن العمليات العسكرية فى المدن ليست بالظاهرة الجديدة فعبر تاريخالنزاعات المسلحة لعبت حروب المدن دورا رئيسيا وكثيرا ماكانت حاسمة بالنسبة للحربككل مثل معركة ستالينجراد فى الحرب العالمية الثانية ومعركة بور سعيد عام 1956.غير أن عاصمة دولة ما تشكل بالتحديد العامل الأكثر خطورة فى حروب المدن فسقوطالعاصمة يعنى سقوط النظام كما حدث عندما سقطت بغداد فى الحرب الأمريكية علىالعراق عام 2003 وقبل ذلك عندما سقطت كابول فى الحرب على افغانستان فى اواخر عام2001.فسقوط العاصمة يعنى فى أغلب الأحوال هزيمة النظام الذى كان يحكم من هذهالعاصمة فيما ادت نزعة العولمة المتنامية الى زيادة اهمية حروب المدن وحسبتقديرات لقسم السكان فى الأممالمتحدة فان النمو السكانى الفعلى خلال العقودالثلاثة المقبلة سيتركز كله تقريبا داخل المدن.وفيما تنال العاصمة الليبية طرابلس نصيبا كبيرا من الضربات الجويةالغربية-يكشف طرح للخبير العسكرى الأمريكى بوب كيلبرو وهو كولونيل متقاعد فى سلاحالمشاة عن نظرة استراتيجية أمريكية تربط مابين الضربات الجوية الحالية فى ليبياوحالة السيولة الواضحة فى الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط التى تبدو وكأنها فى مرحلةصياغة جديدة واعادة تشكل ووصولا لأفغانستان وانتهاء بالصين.وكما تقول مجلة الجيش الأمريكى فى دراسة نشرتها مؤخرا حول حروب المدن فان تطويربرامج أسلحة الدمار الشامل بات يتكيف مع الخطط العسكرية التى تستهدف مراكز الثقلالسكانى وغالبا ماتكون العاصمة فى مقدمة هذه المراكز ..ومن هنا فان استهدافالقوات المدافعة عن عاصمة دولة ما ينطوى على أهمية كبيرة سواء على صعيد العملياتأو من منظور المعانى والرموز.ومن نافلة القول أن حروب المدن أمست فى بؤرة اهتمامات المؤسسة العسكريةالأمريكية الضالعة منذ سنوات فى هذا النوع من الحروب فضلا عن الدول الغربيةالمتحالفة مع الولاياتالمتحدة فى حلف شمال الأطلنطى الناتو.وهكذا فمن الطبيعى أن يعكف الخبراء العسكريون فى الغرب على دراسات متعمقةتتعلق بحروب المدن واعادة اكتشاف معطياتها والسعى لحل المشاكل التى تكتنف حسمهذا النوع من الحروب وتوزيع المهام والأدوار بايقاع سريع.وتنهض وحدات مشاة البحرية الأمريكية الشهيرة بالمارينز بالدور الأكبر علىمستوى القوات المسلحة الأمريكية فى حروب المدن حتى انها هى التى قامت من المنظورالتاريخى بصياغة أغلب المفاهيم والتكتيكات الخاصة بتلك الحروب.غير أن العمليات العسكرية للتحالف الغربى فى ليبيا والمستمرة منذ أواخر شهرمارس الماضى تثير تساؤلات وتحديات جديدة تتعلق بحروب المدن ودور سلاح الجو فيهافيما بدا جليا أن الطائرات الحربية الأطلسية رغم كثافة هجماتها وسرعتها الفائقةوقوتها النيرانية الهائلة لم تتمكن من حسم المعارك المستمرة فى ليبيا على مدىاسابيع عديدة.وتقر مجلة الجيش الأمريكى بأن سلاح الجو بقدراته الهائلة يغرى صانعى القراراتالعسكرية باستخدامه فى حروب المدن بصورة رئيسية دون المخاطرة بالزج بوحدات تتحركعلى الأرض حتى فى الحالات التى تسمح فيها الظروف وقرارات مجلس الأمن الدولىباستخدام قوات برية فى عمليات عسكرية .اى أن اللجوء لسلاح الجو كما توضح هذه الدراسة يشكل الخيار الأسهل لصانعىالقرارات العسكرية الأمريكية حيث يبدو اقل خطرا بالمقارنة مع العمليات البريةوالبحرية فيما تكشف دراسة مجلة الجيش الأمريكى عن تفكير صانعى القرارات بشأنالعمليات الحالية فى ليبيا ودور سلاح الجو فى حروب المدن .وتتحدث الدراسة المستفيضة لمجلة الجيش الأمريكى عن أسس العقيدة الجوية العسكريةوالخواص المميزة من سرعة ومدى ومرونة وقدرة هائلة على المناورة فيما يبدو أنالعمليات الحالية فى ليبيا ستكون لها آثارها على الذهنية والتفكير والخططالمستقبلية لصانعى القرارات العسكرية الأمريكية.وتتميز مروحيات الأباتشى بمرونة فائقة وقدرة على ضرب الأهداف من ارتفاعاتمنخفضة بدقة عالية فيما قررت قيادة الناتو تمديد عملياتها العسكرية فى ليبيا حتىشهر سبتمبر القادم.وحسب القواعد العامة للعمليات الجوية الأمريكية فان طائرات سلاح الجو الأمريكىمكلفة ضمن أدوار متعددة بدور وقائى للمدن الليبية التى خرجت عن سيطرة نظام العقيدمعمر القذافى اى أنها يمكن أن تحول دون اندلاع معارك داخل هذه المدن عبر مزيج منالردع والانذار المبكر والتدخل الانسانى السريع فضلا عن قصف القوات المعادية علىالأرض ومراكز اتصالاتها على وجه الخصوص.ووفقا للمفاهيم الكلاسيكية للعمليات الجوية فى حروب المدن فان الطائرات الحربيةهى أفضل أداة لمنع القوات المعادية من الاقتراب من المدن المطلوب حمايتها كماأنها يمكنها عبر تكتيكات متطورة اجبار القوات المعادية المتحصنة داخل المدن علىالتخلى عن أوضاعها الدفاعية الجيدة والخروج للعراء لتكون لقمة سائغة لحمم النيرانوالصواريخ من الجو.ولن تنسى الذاكرة الانسانية هجمات جوية على المدن كادت أن تصل الى ازالتها ككلمن الوجود كما حدث فى غارات الحلفاء على المانيا فى أواخر الحرب العالمية الثانيةوالهجمات الجوية الأمريكية بقنابل ذرية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى فى اليابان.وكان هذا القصف الجوى الذرى الأمريكى العامل الحاسم فى استسلام اليابان فىنهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بما يشكل حالة استثنائية لامكانية حسم حربما بسلاح الجو وحده شريطة ان يقترن ذلك باستخدام قنابل نووية.وحتى الآن تتحدث العقيدة العسكرية الجوية الأمريكية عن دك المدن بالكامل بلوامكانية استخدام أسلحة نووية فى الهجمات الجوية استنادا على مايعرف بمبدأالقيمة المضادة رغم ماينطوى عليه هذا المبدأ من انعكاسات وتداعيات سياسية خطيرةومايعنيه هذا التعبير من خسائر هائلة فى ارواح المدنيين والبنية الأساسية المدنية.وهنا فان سلاح الجو هو الأكثر قدرة على الحاق الدمار والخراب بسرعة وفعاليةعالية بأى مدينة بالمقارنة مع اى سلاح اخر فيما لم تجانب الدراسة المستفيضة لمجلةالجيش الأمريكى الصواب عندما انتهت الى أن المطلوب هو منظور يتيح لنا دائمارؤية الأشياء بدقة كما نحتاج أن نراها لاكما نتمنى ونود أن نراها.وصحيح أيضا مايقوله الخبير العسكرى الأمريكى بوب كيلبرو من أن أسس المجتمعاتذاتها باتت الآن تحت النار وأن حقائق قديمة تتلاشى منها احترام حدود الدول بينماباتت كل الاحتمالات واردة لدى المخططين العسكريين.