مجموعهم من 70% ل95% في الثانوية العامة.. مكتب التنسيق يوضح معطيات تحديد المرحلة الأولى    اليوم.. مصر تحتفل بالذكرى ال 73 لثورة 23 يوليو    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025.. الحد الأدني ل كلية علوم 2024 بالنسبة المئوية والدرجات    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 23-7-2025 بعد آخر ارتفاع بالصاغة    رئيس وزراء اليابان يعتزم إعلان استقالته الشهر المقبل    جولة جديدة من المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول وسط تشاؤم بشأن إنهاء الحرب    ترامب: الفلبين ستدفع رسوما جمركية بنسبة 19% بموجب اتفاق مع الرئيس ماركوس    ويتكوف يلتقي مسئولين قطريين وإسرائيليين في روما بشأن اتفاق الأسرى    الوداد يتحرك لضم يحيى عطية الله من سوتشي الروسي    رئيس اتحاد شمال إفريقيا للخماسي يكرم الطالبة وسام بكري الأولى على الجمهورية (دمج) ب 100 ألف جنيه    ارتفاع درجات الحرارة بشمال سيناء    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    اليوم، الأهلي السعودي في مواجهة نارية أمام كومو الإيطالي، الموعد والقنوات الناقلة    50 ألف جنيه مكافأة من حزب الجبهة الوطنية لأوائل الثانوية العامة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات في محافظات الصعيد    قفزة ل الدولار الأمريكي اليوم الأربعاء 23-7-2025 عالميًا.. وانخفاض بقية العملات الأجنبية    تحرك مفاجئ في أسعار النفط بعد الاتفاق التجاري "الضخم" بين واشنطن وطوكيو    10 عمال زراعة.. أسماء المصابين في حادث انقلاب سيارة ب«صحراوى البحيرة»    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    مجلس الأمن يعتمد قرارا لحل النزاعات بالطرق السلمية    عودة القائد.. حارس الصفاقسي يرحب ب معلول (صورة)    الصفقات الجديدة والراحلين يشعلون غضب يانيك فيريرا في الزمالك.. تقرير يكشف    سعر اليورو اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 مقابل الجنيه.. بكام في الأهلي ومصر؟ (آخر تحديث)    تظلمات نتيجة الثانوية العامة 2025 «الخطوات والرسوم والمواعيد الرسمية»    فيتو داخل منزل نوران نبيل السادسة على الجمهورية: أفتخر بلقب أخت الدكاترة ومثلي الأعلى مجدي يعقوب (فيديو)    حمزة نمرة يطرح اليوم الدفعة الأولى من ألبومه "قرار شخصي"    نقابة الموسيقيين اللبنانية عن تقبيل راغب علامة في حفل العلمين: تعبير عن محبة واحترام    طريقة عمل الحواوشي بالعيش، أحلى وأوفر من الجاهز    ترامب يتهم باراك أوباما بالخيانة بشأن تدخل روسيا في انتخابات 2016    إحالة وزيرة فرنسية وكارلوس غصن إلى المحاكمة.. ما السبب؟    بانوراما أيامنا الحلوة تجسّد مشاعر الحنين إلى الماضي على المسرح المكشوف بالأوبرا    لنقلهم إلى درعا.. دفعة جديدة من الحافلات تصل السويداء لإخراج المحتجزين    فيروس شيكونجونيا.. ما هو وباء البعوض الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية ويهدد 5 مليارات شخص؟    لمدة 7 ساعات.. قطع التيار الكهربائي عن 12 منطقة في البحيرة    كتائب القسام: قصفنا موقع قيادة وناقلة جند إسرائيلية بالقذائف والصواريخ    رئيس "بنك الطعام": نقدم نموذج شمولي فريد بالتعاون مع 5 آلاف جمعية    جامعة الإسكندرية تستقبل وفد المركز الإعلامي الأوزبكستاني    بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 .. نصائح لاختيار الجامعة والكلية المناسبة لك    شخص مقرب منك يؤذي نفسه.. برج الجدي اليوم 23 يوليو    محمد التاجي: جدي «عبدالوارث عسر» لم يشجعني على التمثيل    محمد التاجي: فهمي الخولي اكتشف موهبتي.. ومسرح الطليعة كان بوابتي للاحتراف    الرابعة على الثانوية: تنظيم الوقت سر النجاح.. وحلمي أكون طبيبة    تعليم البحيرة تهنئ الطالبة نوران نبيل لحصولها على المركز السادس فى الثانوية العامة    «الأهلي بياخد الدوري كل أثنين وخميس».. نجم الزمالك السابق يتغنى ب مجلس الخطيب    منها السبانخ والكرنب.. أهم الأطعمة المفيدة لصحة القلب    «الإندومي» والمشروبات الغازية.. أطعمة تسبب التوتر والقلق (ابتعد عنها)    بدون أدوية.. 6 طرق طبيعية لتخفيف ألم الدورة الشهرية    وساطات بتركيا تسعى لإطلاق سراحه .. إعلام "المتحدة" يُشيع تسليم محمد عبدالحفيظ    محافظ الشرقية يهنئ ياسمين حسام لتفوقها: نموذج مشرف لأبناء المحافظة    من 4% إلى 70%.. الطالبة ميار حماده تحقق قفزة دراسية لافتة في قنا    درس حصوله على الجنسية المصرية.. شوبير يكشف مفاجأة بشأن وسام أبو علي    إلى الحبيب الغالي.. رسالة من ممدوح عباس إلى حسن شحاتة    موندو ديبورتيفو: الخطيب بحث إمكانية مواجهة برشلونة بافتتاح استاد الأهلي خلال زيارة لابورتا    ما حكم الاعتداء على المال العام؟.. أمين الفتوى يجيب    ما هي كفارة اليمين؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الوضوء مع ارتداء الخواتم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أدعية لطلاب الثانوية العامة قبل النتيجة من الشيخ أحمد خليل    حملة دعم حفظة القرآن الكريم.. بيت الزكاة والصدقات يصل المنوفية لدعم 5400 طفل من حفظة كتاب الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الباز نبوءة الجد ل أسامة بأنه سيكون له شأن كبير
نشر في النهار يوم 05 - 05 - 2015

بكل المقاييس، سواء كانت مهنية أو إنسانية، لم يكن أسامة الباز رجلاً عادياً، ويمكنك وضعه بمنتهى الثقة والتقدير فى خانة «العظماء»، فالمؤكد أن تلك الخانة حصل عليها الكثيرون ب«صخب وضوضاء وأضواء»، أما هذا الرجل فدخلها ب«هدوء ووطنية وأفكار» سبق بها (مع السادات) عصره، وظل على إنسانيته وبساطته وبُعده عن الأضواء حتى آخر يوم فى حياته، وإلى اليوم لا تكاد تُلقى اسم «أسامة الباز» على سمع أى مواطن عادى فى الشارع، أياً كانت انتماءاته وتوجهاته السياسية، إلا وتجد رد فعله تجاهه تقديراً واحتراماً، لم يسبقه إليهما غيره، وهذا أمر نادر الحدوث فى بلدنا هذه الأيام.
دعك من تلك المقدمة الثابت معناها وفحواها، وتعالَ نبحث معاً عن «صندوق الأسرار» الذى كان يمتلكه الدكتور أسامة الباز، فالرجل عمل مستشاراً سياسياً للرئيس الراحل أنور السادات فى مرحلة عصيبة للغاية من عمر مصر، قبل أن يكلفه الأخير بتولى مهمة على قدر هائل من الأهمية، وهى إعداد محمد حسنى مبارك من جميع الوجوه، ليصبح جاهزاً حين يشاء القدر لتولِّى حكم مصر، وهو ما حدث بالفعل، ليستمر «الباز» فى منصبه كمستشار سياسى للرئيس.. «مبارك» هذه المرة.
السؤال: تُرى ما حجم وقيمة «صندوق الأسرار» الذى يمتلكه رجل بهذه القيمة وتلك المكانة؟ والإجابة: مؤكد أن الحجم والقيمة يفوقان كل التوقعات. من هنا، دخلت «الوطن» فى رحلة بحث مضنية، للحصول على ما يمكن الحصول عليه من صندوق أسرار أسامة الباز، خاصة أن الرجل أصيب فى السنوات الأخيرة بمرض منعه من القدرة على جمع مذكراته الممتدة من قريته فى «طوخ»، مروراً بالدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، إلى العودة والعمل فى سلك القضاء، وحتى الالتحاق بالعمل فى القصر الرئاسى بالتزامن مع الحرب «المصرية - الإسرائيلية» ومفاوضات «كامب ديفيد»، حتى تولِّى ملف القضية الفلسطينية.
إذن، مسألة الحصول ولو على جزء من صندوق أسراره مسألة صعبة، غير أن «الوطن» تمكنت من الحصول حصرياً على الوثائق والمذكرات التى كانت تحتفظ بها زوجته، بالإضافة إلى الكتابات والتدوينات التى كان يعلق بها على الأحداث، وتروى 30 سنة من فترة عمله بالرئاسة. تلك المذكرات رصدتها لنا زوجته الإعلامية الكبيرة أميمة تمام.
فى البداية، تحفظت السيدة بشدة، فالمسألة لها أبعاد عديدة يختلط فيها «الشخصى» ب«الأمن القومى»، وهى تدرك -قبل غيرها- أن زوجها الراحل كان بجعبته الكثير والكثير، وما زالت تحتفظ به فى مكتبته التى تشغل مساحة دورين من فيلته بالتجمع الخامس. فى المكتبة أوراق ومستندات تحمل على وجهها كلمات من نوعية «سرى» و«سرى للغاية»، بالإضافة إلى حكايات تمتد على مدار 17 عاماً من الزواج، وهى الأعوام التى كانت شاهدة على الكثير والكثير من فترة حكم الرئيس «مبارك»: قضايا.. أزمات.. اختلافات وخلافات مع النظام.. ومعلومات تكفى للحكم -بموضوعية- على نظام ما زلنا نبحث عن فهمه من أجل الحكم عليه.
محاولات عديدة ومتكررة أجريناها مع السيدة أميمة تمام للحصول على الأوراق والمستندات وحق النشر، قبل أن توافق بطلبين «أو شرطين»: الحفاظ على الأمن القومى، وصورة زوجها النبيلة التى طالما صنعها وحافظ عليها على مدار سنوات عمره. إذن، قد حصلت «الوطن» على الموافقة أخيراً، ودخلت إلى صندوق أسرار أسامة الباز، لنجد مئات الآلاف من الأوراق والمستندات المهمة، دخلنا فى «عملية فرز» مضنية فى الأوراق التى كان يتلقاها منذ التحاقه بالعمل السياسى والدبلوماسى، وحتى ما بعد اندلاع ثورة «25 يناير».
بخطه المنمق الدقيق، كتب «الباز» عشرات التعليقات والتأشيرات، وراء كل مستند قضية ووجهة نظر وحقائق يكشف عنها لأول مرة، تريد عناوين لتلك القضايا التى سنثيرها فى الحلقات القادمة من «صندوق الأسرار»؟ إليك بعضاً منها: كيف كان يعد «مبارك» سياسياً لتولى الحكم؟ وماذا كان يدور بينهما حول الخطابات التى كان يكتبها للأخير والنصائح التى وجهها له اتقاء ل«غضبة الشارع» قبل ثورة 25 يناير بسنوات، وإلى أى مدى وصل الصراع فى القضية «الفلسطينية - الإسرائيلية» وتدخلات الأطراف المختلفة فيها وفى المقدمة منها التدخلات الإيرانية؟ ومن بين أوراق «صندوق الأسرار»، نقرأ معاً الوثائق المهمة التى احتفظ بها أمير قطر آنذاك، وطبيعة تحذيرات الأمن ل«صائب عريقات»، وقائمة المتهمين بتسريب محضر اجتماع على قدر كبير من الأهمية، ونظرته إلى «عمر سليمان»، وطبيعة مفاوضاته مع الإسرائيليين، وكيف كانوا يكرهونه ويحترمونه فى نفس الوقت، وغيرها من الأسرار والتفاصيل التى نكشف عنها النقاب لأول مرة.
وفى الحلقة الأولى من «أسامة الباز.. صندوق الأسرار»، تلقى «الوطن» الضوء على الجانب الإنسانى وطبيعة نشأة أسامة الباز، وهو الجانب الذى يأتى على لسان السيدة أميمة تمام، فنرى أن جده توقع له «مكانة رفيعة»، وأوصى أمه برعايته رعاية خاصة، ورحلته التعليمية من دروس والده «الأزهرى» لتعليمه -وإخوته- النحو وقواعد اللغة، مروراً بالدراسة فى كلية الحقوق، ثم دراسته العليا فى الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى قصة زواجه من أميمة تمام التى بدأت -كما تواصل الحكى- بلقاء تليفزيونى فى برنامج «صباح الخير»، ثم حضور لقاء ثقافى انتهى ب«زلزال إعلان الزواج»، كما وصفته هى.
ما سننشره هنا هو كل ما يمكن نشره قانوناً -بعض الأوراق لا يمكن لأحد تحمل تبعات نشرها القانونية والأمنية سوى الباز نفسه وبالتالى ستظل فى مكانها حتى إشعار آخر- أو بمعنى أدق هى المادة الخام التى جمعها أسامة الباز عبر سنوات طويلة فى الدبلوماسية المصرية شارك خلالها فى صنع القرار، بل كان فاعله وصانعه فى أحيان كثيرة، وكان محركه ومحوره، وامتلك علاقات ومساحات اتصال فى الداخل والخارج مع القوى الفاعلة فى العالم ومحركى التاريخ لم تتوافر لغيره، بعض الأوراق كتبها الباز بخط يده وبعضها الآخر أشبه بيوميات، وأخرى كانت ملحوظات كتبها خلال لقاءات جمعته برؤساء ووزراء وزعماء، وعلى الهوامش تجد نقاطاً كتبها لاجتماعات مع قيادات الحزب الوطنى فى لقاءات خاصة كتب عليها «جمال»، فضلاً عن عشرات ال«بلوك نوت» التى كتب فى كل منها بضع صفحات عن محاضرات يشارك فيها وأسئلة طرحها الجمهور عليه، ومشاركات قديمة له فى مفاوضات ودروس فى التفاوض، تلك التى كانت تحمل خبراته التى أراد أن ينقلها لمن بعده. الأوراق التى تحمل سرى للغاية والتى تضرب طولاً وعرضاً فى التاريخ، من حكم السادات حتى ما بعد ثورة يناير 2011، والتقارير الاستخباراتية عن الأوضاع فى الداخل والخارج والأوراق التى ترسل من مكاتبنا الخارجية وسفاراتنا فى المناطق الملتهبة، والأوراق الخاصة بالملف الفلسطينى، خاصة فى أوقات الاشتباك التى التبست فيها المواقف، تكشف جزءاً مهماً من تاريخ مصر الحديث، كما تكشف أيضاً فى أجزاء منها بدايات دخول تركيا فى المنطقة فى أوراق رسمية وتقارير تتحدث وترصد دخولها طرفاً فى المعادلة، وكيف وضعت أول أقدامها فى الملف الفلسطينى، أما عن إيران فحدث ولا حرج، لا تبدأ بالأوراق السرية القادمة من مكتب رعاية المصالح واللقاءات الخاصة التى كانت تجرى فى قلب إيران ولا تنتهى بالتحذيرات التى جاءت من تل أبيب فى أعقاب ثورة 25 يناير، ما بين أيدينا هو كنز حقيقى لأوراق كانت ستشكل مجلدات خاصة تحمل اسم وبصمة الرجل القوى فى الدبلوماسية المصرية، رجل اقترب من السادات فى فترة غيرت مجرى تاريخ الشرق الأوسط، وأوكل له مهام أقلها صياغة فكر وخيال نائبه حسنى مبارك، وتأهيله لتولى رئاسة الجمهورية فيما بعد، ليقترن اسمه بقمة هرم السلطة مع صعود مبارك إلى سدة الحكم، ناصحاً أميناً ومعلماً ومرشداً محافظاً على خطوط فاصلة بين اقترابه من الرئيس واقترانه بالشارع، الذى كان يعرف دبيب قدمه فى حوارى السيدة زينب ومطاعم الحسين وجنبات مسجد السيدة نفيسة، وعربات مترو الأنفاق التى كان يرتادها دون حراسة، ليستمع إلى الناس ويحتوى مشاكلهم ويضع فى حقيبته أو جاكيت البدلة أوراقهم التى تحمل أوجاعاً بسيطة لحلها، الأمر الذى مكنه من قلوب البسطاء ووجدوه ابن بلد مثلهم لا متعالياً أو متكلفاً، فضلاً عن علاقاته الواسعة بالوسط الثقافى والفنى وارتباطه الوثيق بأصحاب الفكر حتى لو اختلفت التوجهات، لذا لم يكن غريباً أن نشاهد فى أوراقه الخاصة أجندات مواعيده التى كان يكتبها بخط يده وتحوى مواعيد افتتاح معارض فنون تشكيلية وحفلات وندوات يشارك فيها كمستمع ومشاهد ليستفيد من تنوع الأفكار.
ربما لهذه الأسباب ظل مبارك فى الحكم طيلة سنين طويلة، لا يعرف القلق باباً إلى عرشه، هذا القلق الذى ظهر مع إبعاده عن المشهد فى 2005 وهو العام الذى شهد للمصادفة ظهور حركات التغيير فى مصر مع إعلان حركة كفاية. وقتها لم يكن أسامة الباز بجانب مبارك لينصحه، كان الأمر بيد من تسبب فى إبعاد «عقل النظام» عن قصر الحكم، الغريب أن الأوراق التى بين أيدينا تواريخ بعضها يعود إلى فترة ما بعد إبعاد أسامة الباز عن المشهد، كانت تصله ويضع خطوطاً بأقلام ملونة تحت سطور غاية فى الأهمية، لو كانت خطوط الاتصالات مفتوحة مع مبارك وقتها لتغيرت بوصلة الأحداث، أو على الأقل لتأخر مؤشرها عن الحركة.
من هنا تكمن أهمية الأوراق التى وضعها الباز أمامه استعداداً لكتابة مذكراته، لكن المرض لم يمهل ذاكرته ليبدأ فيها قبل أن يعاجله بمشهد النهاية الذى جاء قبل أن يمنح الرجل خبراته للأجيال المقبلة فى كتاب، وقبل أن يضع أوراقه الخاصة فى مكانها الصحيح فى المذكرات،
هنا نعرض الأوراق التى تشبه الألغام فى مناطق منها، سنحاول تفكيك بعضها، ونؤجل «التعامل» مع البعض الآخر، حتى تسمح قوانين الوثائق بالنشر، التى يلاحظ منها أن الباز بدأ بالفعل فى ترتيبها ووضع بعضها فى ملفات خاصة، فيما ترك مئات منها بغير ملفات، لكنه كتب عليها ملحوظات، ليستخدمها فيما بعد فى موضعها الذى حدده لها، وهو يحكى عن تجاربه وخبراته والمواقف التى حدثت وشارك فيها، فى موضوعات الصراع العربى الإسرائيلى، والمفاوضات التى جرت، وإيران وملفها النووى، والعراق واليمن والسعودية، ولبنان والصراعات الطائفية والمذهبية، وكيف أدارت مصر الأزمات التى حدثت داخلها، وقطر وصعودها ودورها فى لبنان وعلاقاتها ب«حماس» وتركيا، وقصة ظهور أردوغان فى المشهد وكيف بدأ، وعلاقة تركيا بإسرائيل والوساطة التى قام بها أردوغان بين دمشق وتل أبيب، فضلاً عن واشنطن التى كانت شريكاً فى كل التفاصيل وجزءاً لا يتجزأ من لعبة الأحداث التى حركت العالم، بالإضافة إلى الملف الليبى حتى بعد رحيل القذافى، التى تكشف بدورها أن الباز ظل على علاقة وثيقة بالأحداث حتى رحيل مبارك، بعكس ما هو شائع، فالاختفاء والإبعاد عن المشهد لم يمنع الوثائق والأوراق من الوصول إلى مكتبه حتى المرة الأخيرة التى ذهب إليه بعد 11 فبراير لينقذ ما يمكن إنقاذه من أوراق.
الملف الأكبر فى أوراق أسامة الباز هو ما يتعلق بفلسطين، الملف الذى قضى فيه سنوات عمره، مفاوضاً ولاعباً أساسياً، الملف تضخمت أوراقه لتضم أوراقاً بعضها بروتوكولية -برقيات معلومات أو ملخصات لما تناولته وسائل الإعلام- وبعضها الآخر غاية فى الأهمية، وبين «البروتوكول» و«المهم»، تجد أوراقاً كُتب عليها «سرى» و«سرى جداً» و«عاجل للأهمية» و«فورى» تحتوى معلومات استخباراتية فى موضوع ما أو مقابلة خاصة تكشف معلومة جديدة.
ولمع اسم «الباز» فى الحياة السياسية المصرية طوال العقود الثلاثة الماضية بمستوييها الرسمى والشعبى، وكانت قوة شخصيته سبباً فى إزالة الاغتراب والحواجز بينه والكثيرين، لا سيما أن خطابه الإصلاحى بدا أمام معظم النخب المصرية متطوراً عن شخصيات متعددة قريبة من نظام الحكم. لذلك كان السؤال الحاضر الغائب: لماذا لم ترَ رؤاه لأهمية الإصلاح والتغيير طريقها للتطبيق طوال السنوات الماضية؟!
وعلى الرغم من تأثيره البالغ فى مجال عمله، فإن «الباز» ظل مخلصاً للاشتراطات غير المعلنة لطبيعة منصبه، لذلك، فإنه على قدر إسهاماته فى مجال الفكر السياسى، ظل الأكثر صمتاً على ترسانة المعلومات والأسرار التى يحملها فى ذاكرته. واستطاعت «الوطن» اختراق ذلك الحصن المنيع حول أسرار الرجل، من خلال زوجته الإعلامية أميمة تمام، وسننشر، على عدة حلقات، ما يمكن أن تسمح به قيود العمل الدبلوماسى من أسرار وتفاصيل عن حياة الرجل.
نبدأ من ملف الحياة الشخصية والمهنية ل«أسامة الباز» والذى نحكيه على لسان أميمة تمام:
فى يوم من أيام يوليو الحارة فى قرية طوخ بالقليوبية عام 1931، ولدت الأم ابنها الثانى من الشيخ السيد الباز، وفرح أهل المنزل بقدوم الولد، وقرر الوالد الشيخ أن اسمه سيكون «أسامة». وبعد عامه الرابع، تنبأ الجد أن «أسامة» سيكون له شأن كبير، بالمقارنة بباقى أشقائه، فسألته الأم: «لماذا؟»، ولم يجب الجد، لكنه شدد عليها أن تهتم به، ومنذ تلك اللحظة والأم لا تنسى نصيحة الجد.
كان اهتمام الأسرة بالتعليم أكثر من أى شىء آخر، ولأن والده رجل أزهرى، فقد حرص على تعليمه القرآن الكريم واللغة العربية بشكل سليم، وكان الأب كل يوم يجمع الأبناء ليعلمهم قواعد النحو، ولفت انتباهه أن «أسامة» كان أكثرهم ذكاءً، ذكاء يسبق سنه بمراحل كثيرة، لم يكن طفلاً مثل باقى الأطفال المهتمين باللعب فقط، بل كان يفضل القراءة، ويبحث عن المعرفة.
مرَّ «أسامة» بالمراحل التعليمية المعتادة، حتى انتهى من البكالوريا، وقتها قرر أن يلتحق بكلية الحقوق، وهى كلية القادة والقامة، ولأن شغفه بالقانون أهّله لكى يكون من المتفوقين بالكلية، حصل على ليسانس الحقوق فى 1954، وقرر أن يكمل دراسته العليا فى الولايات المتحدة، وقتها مرض الأب، وكان «أسامة» يعمل وكيل نيابة، ومن الصعب أن يترك الأسرة ويسافر فى هذه المحنة، فقرر أن يؤجل سفره لمرافقة الأب ورعايته، لم يكن يتركه أبداً.
ورغم تعلقه الشديد بوالدته، فقد كانت للأب مكانة خاصة لدى «أسامة»، فهو معلمه الأول، كان يعتز دائماً بأن والده من شيوخ الأزهر، وأنه سبب إتقانه اللغة العربية الفصحى، والخط العربى، وفى كثير من الأحيان كان «أسامة» يتذكر والده وهو يجمع أبناءه ويعطيهم دروساً فى القيم والأخلاق والدين، لم ينسَ حتى نهاية العمر الدعاء الذى علمه إياه، خاصة فى أحلك المواقف والمصاعب: «اللهم اكفنى شر حب المال»، كان الأب يجعلهم يكررون الدعاء، وهكذا ظل راسخاً فى ذاكرته مدى العمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.