"تيسلا" مطالبة ب 242 مليون دولار كتعويض عن حادث مميت    "شبكات الكهرباء تحت المجهر".. كيف يصنع استقرار العمود الفقري للطاقة في مصر؟    7 توجيهات من محافظ الوادي الجديد للمسؤولين بعد لقائه عددا من المواطنين    بلومبرج: مكتب التحقيقات الفيدرالي أخفى اسم ترامب في وثائق قضية إبستين    فلسطين.. جيش الاحتلال يدفع بتعزيزات عسكرية نحو مدينة قلقيلية من مدخلها الشرقي    سون هيونج يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    مواعيد مباريات اليوم السبت 2 أغسطس 2025 والقنوات الناقلة    قفلوا الشارع وأصابوا 13 شخصا، لحظة مشاجرة عمال كافتريات على الزبائن في سوهاج (فيديو)    محافظ سوهاج يزور مصابي حريق مطعم ميدان الشبان بالمستشفى ويأمر المسؤولين برفع حالة الطوارئ (صور)    كسروا الشارع وأرعبوا المارة، قرار عاجل من محافظ سوهاج بعد مشاجرة عمال محال تجارية على الزبائن    الهضبة يوجه رسالة خاصة إلى عمرو مصطفى في حفله بالعلمين ومحمد لطفي يقتحم المسرح (فيديو)    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    بعد حمدي فتحي.. بيراميدز يصرف النظر عن صفقته الجديدة    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. هل يوم الإثنين إجازة رسمية؟    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    تشميع محال وإحالة الواقعة للنيابة.. محافظ سوهاج يتخذ إجراءات رادعة بعد مشاجرة "حي شرق" – صور    بينهم طفل ..إصابة 3 من أسرة واحدة في حادث مروري بالوادي الجديد    إصابة 4 بينهم طفلان في تصادم دراجتين ناريتين بالوادي الجديد    مسلّح يفتح النار داخل حانة بمونتانا ويقتل 4 أشخاص    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب أفغانستان    3 أرقام مقلقة من وديات الزمالك قبل أسبوع من انطلاق الدوري    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    يونس: محمد شحاتة قادر على التطور.. وأول 10 مباريات فاصلة للزمالك في الدوري    نجاح علاج انسداد الشريان الحرقفي بمستشفى شرق المدينة بالإسكندرية    ما هي واجبات أعضاء مجلس الشيوخ؟.. القانون يجيب    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    وزير الزراعة: أسعار الدواجن في انخفاض مستمر.. والأعلاف تراجعت 2000 جنيه للطن    مصر ترفع رصيدها إلى 91 ميدالية متنوعة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    عمرو دياب الأعلى استماعا خلال شهر يوليو على أنغامي (صور)    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    روسيا ومدغشقر تبحثان إمكانية إطلاق رحلات جوية بمشاركة شركات طيران إقليمية    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نص كلمة شيخ الأزهر في مؤتمر الإرهاب بالسعودية
نشر في النهار يوم 22 - 02 - 2015

حذر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، من مخططات استعمارية دولية لتقسيم العرب والمسلمين بالتحالف مع الصهيونية العالمية وطالب بالتوحد والانتباه لهذه المخططات .
ودعا لتدريس مقررات في المدارس والمعاهد والجامعات لتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا : الجِهَاد، والتكفير وغيرها من المصطلحات التي تتذرع بها جماعات العنف لتبرير قتلها للنفس البشرية دون حق.
وشدد على ضرورة إحكام السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين محذرا من أنه دون ذلك فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة.
جاء ذلك في كلمته بالمؤتمر الإسلامي العالمي بعنوان: "مكافحة الإرهاب" والذي يعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بمكة المكرمة.
وفيما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم..الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة.. سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية والرئيس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي.. معالي الدكتور عبد الله التركي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي.. الحَفلُ الكَرِيم.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد.
فاسمحوا لي في بِداية كَلِمتي الموجزة أن أترحَّم على خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسِع مغفرته ورحمته ورضوانه، وأن يتقبله مع الأنبياء والشهداء والصالحين، وإننا إذ نُجدِّد التَّهنئة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود –حفظه الله ورعاه- نسأل الله تعالى أن يوفِّقه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يُحقِّق الله على يديه وأيدي إخوانه قادة العرب والمسلمين وحدة هذه الأمة وإعلاء كلمة الإسلام وعزّ المُسلِمين ومجدهم.
وأتقدم للملكة العربية السعودية الشقيقة بشكر كل مصر ومصرية وبكل الاعتزاز والتقدير لموقفها التاريخي الذي لا ينسى إلى جوار مصر، ودعمها الأزهر الشريف بكل هيئاته، وريادتها في نصرة قضايا العرب والمسلمين.
الحَفلُ الكَرِيم
إنَّ هذا المُؤتمر الذي نتداعى لساحته اليوم، ونتنادى بخطره وأهمِّيته البَالِغة يأتي في وقته الصَّحِيح، وتَوقيتِه الدَّقِيق مَع أشباهه ونظائره مِن المُؤتمرات الكُبرى في الشَّرقِ والغَرب، للتَّصَدِّي لِهذا البَلاء الشَّديد الَّذي اُبتليت بِه مَنطِقَتنا العَرَبيَّة، والمُتَمثِّلِ في جمَاعَات العُنف والإرهاب، الغَريبة عن الإسلام: عَقيدةً وشَريعةً وأخلَاقًا، وتارِيخًا وحضَارة، والَّتي لَا تَمُت إلى هَدْي هذا الدِّين الحَنيف بِأدنى صِلَة أو سَبب.. بل نبذت هذه الجَمَاعات حُكم القُرآن الكَريم والسُّنَّة وراء ظهورها، واتَّخذَت مِن الوَحشيِّة البربريَّة منهجًا ومذهبًا واعتقادًا، وقد نُزِعَت الرَّحمَة مِن قلوبهم، فَهِي كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وبرئ الله مِنْهُم ورَسُوله وصَالِح المؤمنين. ومِن المُؤلِم أنَّ هَؤلَاء قُسَاةَ القلوب غلاظَ الأكباد قد خَرجوا عَن السَّيطَرة، حتَّى كدنا نعتَاد أسَاليبهم المتوحِّشة، ومُمَارسَاتهم اللاإنسانية في تَنفِيذ جَرائِمهم البَشِعة، وكأنهم يتحرقون تحرق الظمآن إلى القَتل وقَطع الرُّؤوس وحَرق الأبرياء وهم أَحياء، إشاعة للذعر والخوف والرَّهبة في قلوب النَّاس، وقد بلغني مِمَّن يحتملون مشاهدة هذه الفظائع على وسائل التواصل، أنَّ هؤلاء المُجرِمين بلغوا من قسوة القلب وتحجُّر الشُّعور أنهم كانوا يَتقَاذفُون رؤوس القَتلى بين أرجلهم، ويَلعَبُون بِها وهُم يَضحَكُون، وحسبك من شرّ سماعه.
ولَعَلِّي لَا أُبَالِغ لَو قُلْتُ إنَّه لَمْ يَحدُث للمُسلِمين -في تاريخهم -أن أمسى بأسُهم بينهم شديدًا على هذه الشَّاكِلة الشَّنعَاء التي نراها اليوم، وأن هَذِه الأُمَّة التي قال الله تعالى فيها: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» {آل عمران: 110}، قد أفضَت بها الأيَّام إلى حاضِر بئيس، وخَطْبٍ فادح، وأَمْرٍ جلل، ارتكست معه الأمَّة في حمأة الفوضى والاضطراب والتَّمَزُّق والانفلات، وتشوَّهت صورة الإسلام في عيون النَّاس في الشَّرقِ والغرب.. بل أكاد أقول في عيون الناشئة من أبناء المسلمين أنفسهم.
لقد قِيل الكَثير في تَفسير ظَاهِرة الإرهاب القَاتِل الذي يجثم الآن على صَدر هَذِه الأُمَّة المَغلُوبة عَلَى أمرها.. وتَنوَّعَت التَّفسِيرات إلى أسباب شَتَّى: فَمِن المُحَلِّلِين مَن ذَهب إلى أنَّ السَّببَ في ظُهور هؤلاء المُجرٍمين هو الفَقر المدقع الذي عاشوا فيه، والبيئات المُهَمَّشة المنبوذة التي ترعرعوا فيها في بعض المُجتَمَعات الإسلَاميَّة والأوروبيَّة.. ومع أنَّنا لا نُقلِّل مِن شَأن الفَقر والعَوَز في تَعلِيل نَشأة كَثير من حالات التَّغيُّر الاجتِماعيّ، حتَّى هذا الذي يتَّخذ مِن العُنف والبَغي منحى ومنهجًا، إلَّا أنَّ النَظرَة المَوضُوعيَّة تَدفعنا إلى البَحث عَن أسباب أخرى بجانب الفَقر والحاجة، ذلِك أنَّ الفَقرَ أو العَوَز لَيس أمرًا مُستَحدثًا في دنيا النَّاس، وإنما هو أمر قديم رُبَّمَا قِدَم الإنسان نفسه، فقد كان النَّاس مذ كانوا –ولا يزالون- فُقَرَاء وأغنياء، ووجهاء وخاملين، ونَحنُ نَعلَم أنَّ طبقات العُلَمَاء والمُفَكِّرِين والفَلَاسِفة والشُّعَرَاء إنَّما نسجت خيوطها مِن الفُقَرَاء والبُسَطاء والزُّهَّاد، ورُغمَ ذَلِك كانوا مَصَابيح يُهتَدَي بها في دياجير الجَهل والضَّلال.
كما قِيل في تَعلِيل هَذِه الظَّاهِرة: إنَّ جذورها نَبَتت في غياهب السجون وظلمة المعتقلات، وما لقيه شَبَاب الجمَاعات الإسلاميَّة مِن قَسوة في التَّعَامُل وانتِهاكَات لِحُقوق السُّجَناء والمُحتَجَزِين، ومع وجاهة هذا القَول فإنَّ الجَماعات الإسلاميَّة لَمْ تَكُن وحدَها الَّتي صدمهم هذا اللون مِن العُنف والأذَى البَدَنيّ والنَّفسِيّ، بَل صُدِمَ به كثيرون مِمَّن يَنتَمُون إلى مَذاهِب سِياسيَّة إلحادية نذرت نفسها لِنشر الشِّيوعيَّة والإلحَاد والتَّبشِير بتيَّارات سِياسيَّة لا تَعرفها بِلاد المُسلِمين وتنكرها أشدّ الإنكَار، ومَع ذلِك لَمْ يَتحوَّلوا – في غالبهم - إلى جماعات مُسَلَّحَة تفرِض رأيها بقوَّة السِّلَاح وتَقُضُّ مضاجِع أوطانها قتلًا وتفجيرًا ورُعبًا وتَخويفًا.
إنَّ السُّجون –أيُّها الإخوة العُلَمَاء – لَيْسَت السَّبَب الأوحَد في النزعة التَّكفِيريَّة، واستفحالها وتوحُّشها، وهي وإن كانت مِن أقوى الدَّوافِع في هذا الأمر ، إلَّا أنَّ هُنَاك أسبَابًا أكثر عمقًا يَجِبُ أنْ تُؤخَذ في حُسْبَان لقائنا هذا الذي يُحاوِل ِمَا وسَعته المُحَاولة أنْ يكفكف قَلِيلًا أو كَثِيرًا مِن غلواء هذا الشَّر المُستَطير، وأبرز هذه الأسباب – فيما أرى - هو التَّراكمات التَّارِيخيَّة لنزعات الغُلُوّ والتَّشَدُّد في تراثنا، والَّتي نشأت مِن تأويلات فاسِدة لِبَعض نصوص القُرآن الكَريم والسُّنة النَّبويَّة وأقوال الأئمة.. فَفِي هذه التَّرَاكمات مُنزَلقات تُؤدِّي إلى التَّكفِير لأدنى مُلَابسة أو سَبَب، وفيها نزعَات قد انغلقت على بعض الآراء الفِقهية والعقديَّة، تراها الحقَّ الَّذي لا حقَّ غيره، وتَحكُم على مَن يُخالفها بالكُفرِ وبالخروج مِن المِلَّة، وهذا ما حفظه لنَا التَّاريخ عَن الخَوارِج – قديما - واجترائهم على قتل الصَّحابة بَعد تكفيرهم، وقتل عليٍّ كرَّم الله وجهه، وَبقْر بطون الحَوامِل.. وهو – أيضًا - ما يعود اليوم إلى السَّاحة مِن جَديد على أيدي هؤلاء التَّكفيريين.. ومِن قَبلهم على أَيدي كثيرين سلكوا مسلك التَّكفير المُتبَادل بين أتبَاع المَذَاهِب المُختَلِفة، الَّتي يتَّسِع لَها الإسلام ويَطويها تحت جناحه الرحب؛ وَرَاحوا يعلنون الجِهاد على المُسلِمين الآمنين، يقطعون الرَّؤوس ويحرقون الأسرى وهُم أحياء.. ويقتلون العسيف الذي نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيًا صَرِيحًا عَن قَتله في جيش العَدو، فَكَيف بِقتل العُمَّال الآمنين في بِلاد الإسلام! إنَّ هؤلاء ما كانوا ليَقدِموا على تَنكُّب هذه الحدود الشَّرعيَّة لولا أنَّهم يَعتَقدون اعتقادًا خاطئًا زائفًا بأنَّهم قَادة جيوش مُسلِمة ضِدَّ شعوب كَافِرة، وفي ديار كَافِرة، ولولا أنَّهم يَعثرون على ما يُبرِّر انحرافهم الدِّينيّ والعقديّ مِن تراث الخَوارِج وغير الخَوارِج مِمَّن اعتنقوا عقيدة التكفير وتمذهبوا به قَديمًا وحديثًا، وصاروا مبعث فتنة ومَصدر فرقة واختلاف وتمزُّق لوحدة المُسلِمين في القَديم والحَديث أيضًا.
واسمَحُوا لِي أيُّها العُلَمَاء الأجلَّاء بالقَول بأنَّه ما لَم نحكم السَّيطرة التَّعلِيميَّة والتربويَّة – في مدارسنا وجامعاتنا - على فوضى اللجوء إلى الحُكم بالكُفر والفِسق على المُسلِمين فإنَّه لا أمل في أن تستعيد هذه الأمة قوَّتها ووحدتها وأخوتها وقدرتها على التحضر ومواكبة الأمم المُتَقدِّمة، وقد لا ينتبه البعض أيُّها السَّادة إلى الأثر المدمر لنزعة التَّكفير في تَمزيق وحدة الأمة، وما تُثمره هذه النَّزعة المَقِيتة مِن أشوَاك الكراهية والأحقاد بين المُسلِمين، وما يَترتَّب على ذَلِك مِن التَّشرذُم والانقِسَامات، وكلٌ يَزعم أنَّه المُسلِم الحَقِيقي وأن غيره إما خَارِج عَن المِلَّة حلال الدم والعِرض والمَال، أو فَاسِق يَجب اجتنابه، وتجب كراهيته ومفاصلته شعوريًا ونفسيًّا وتحرم موالاته، وغير ذلك من الفتاوى العابثة بدين الله ورسوله.
وإنِّي لأتمنَّى أن ندعو جميعا إلى مؤتمر نخرج منه بإقرار سلام فيما بيننا أوَّلًا نَحْنُ أهل العلم والمنتسبين إليه، بمختلف مذاهبنا ومشاربنا، نَستَثمِر فيه ما هو ثابت بيننا مِن الأصول المشتركة نجتمع عليها، ونتآخي حولها، ونتلاقى في رحابها، ويترك المجال لأهل كل بلد في اتباع المذهب الذي ارتضوه ودرجوا عليه. تحقيقًا للاستقرار الاجتماعي الذي ننشده جميعًا، وألَّا يروج لهذا المذهب أو ذاك في البلاد التي تتجافى عنه بِالمَالِ واستغلال الفُقَراء والمعوزين، وتجنيدهم ليكونوا دعاةً للتعصب الطائفي أو المذهبي، وسُرعَان ما ينشأ النَّقيض ليبدأ الصِّراع الذي يفتت وحدة هذه الأمة.. أتمنى لو يُترَك الناس يتمذهبون بما نشئوا عليه من مَذاهِب تلقتها الأمة بالقبول ووَسِعَها الإسلامُ وضمن لأهلها السَّعادة في الدُّنيا والآخرة.
كما أتَمنَّى لَو أنَّ مُقررًا دِراسيًّا في مَدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا يُعنى عناية خاصَّة بتصحيح المفاهيم المغلوطة والملتبسة حول قضايا شَغلت الأذهان والعقول، مثل: قضية الجِهَاد، وقضية التكفير، وسائر القضايا التي سيتناولها مؤتمرنا هذا، وبخاصة خطرَ الفُرقة والتَّنازع، وأنَّه طريق معبَّد لِلفَشَل الذَّرِيع.. وكيف أن القُرآن الكَريم ربَط بينهما ربط المُسبب بالسَّبب والمَعلُولِ بالعِلَّة فَقَال: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» {الأنفال: 46}.
وجزى الله أحسن الجزاء رابطة العالم الإسلامي على ما بذلت وتبذل من جهود مشكورة ومأجورة عند الله لمواجهة خطر الإرهاب، ولحرصها على دعوة هذا الجمع الكريم من علماء الأمة مفكريها ومثقفيها، للتشاور والتناصح، والتفكير والتدبير، والأمل كبير في أن يكون هذا المؤتمر الجامع فاتحة خير وبركة واستقرار على العالم الإسلامي كله، وشكر الله لمعالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي حرصه الشديد على القيام بواجب الدفاع عن الأمة وحماية شبابها من هذا الفكر المنحرف وما يجر إليه من ويلات جسام، وإني لأشكره على همته الفتية ومثابرته الدؤوب على خدمة دينه وأمته.
السَّادة العُلَمَاء: تعلمون أنَّنا نواجِه مخطَّطات دوليَّة كُبرى تَستهدِف العَرب والمُسلِمين، وتُريد أن تصوغهم صِياغة أُخرى، وتشتتهم في بلادهم بما يتفق وأحلَام الاستعمار العَالَميّ الجديد المُتَحالف مَع الصُّهيُونيَّة العَالَمِيَّة يَدًا بِيدٍ وكَتِفًا بِكَتِف.. وعلينا ألَّا ننسى أن الوسيلة الوحيدة التي يَستخدمها الاستِعمار الجَديد الآن، هي الوسيِلةُ ذاتُها التي كان يستخدمُها هذا الاستعمار في القرن الماضي، وهي مَقُولَته القاتلة: «فَرِّق تَسد» والتي تلعب هذه المَرَّة على بؤر التَّوَتُّر والخِلاف الطَّائفيّ والمَذهَبيّ، واستطاعت –للأسف الشَّديد – أن تَعبَث بهذه الأُمَّة ما شاء لها العبث وما شاء لها المكر والغَدر والتَّسَلُّط، وكان من آثار هذا العبث الماكر أن ضَاعَت العِرَاق، واحترقت سوريا، وتَمَزَّق اليَمن، ودُمِّرَت ليبيا.. ولايزال في جُعبَتهم الكثير مِمَّا لَا يَعلَمه إلَّا الله تعالى، ومما نعوذُ بالله منه ومِن شرورِه، فَلننس خلافاتنا الَّتي لَمْ نَجنِ مِن ورائها إلَّا الضَّعف والذلة والهَوان، ولِيَكُن مُؤتمرنا هذا علامة فارِقة وبداية موفَّقة نتصَدَّى بها كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ الَّذي يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا لهذا الخطر الماحِق الذي يحدق بِنَا جَميعًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.