شهد صباح 17 ديسمبر 2011، نكسة جديدة على الشعب المصري وعلى تاريخ مصر العريق، بعد اندلاع النيران في مبنى المجمع العلمى أثناء فض اعتصام مجلس الوزراء، احتجاجا على تعيين كمال الجنزورى رئيسا للوزراء، واندلعت اشتباكات بين قوات الجيش والمعتصمين، اعتلى خلالها بعض جنود الجيش سطح مبنى المجمع العلمى ومبنى هيئة الطرق والكبارى التابعة لوزارة النقل المجاور له، واستمرت الاشتباكات لمدة 3 ساعات، وفجأة اختفى الجنود من أعلى مبنى المجمع، واشتعلت النيران عقبها وتحديدا في الطابق الثانى. لم تصل عربات الإطفاء حتى احترق مبنى المجمع العلمى بالكامل وأصبح معرضا للانهيار في أي وقت، ذلك الصرح الذي الذي أُنشئ بقرار من نابليون بونابرت في 20 أغسطس 1798 في دار أحد بكوات المماليك، لينتقل عام 1859 إلى الإسكندرية تحت اسم المجمع العلمى المصرى، ويعود مرة أخرى إلى القاهرة عام 1880، ليستقر في ذلك المبنى الأثري الذي يقع في نهاية شارع قصر العينى، ويبعد عن ميدان التحرير عشرات الأمتار. تجدد الحريق وتجددت الحرائق في المجمع صباح الأحد 18 ديسمبر 2011، بعد انهيار السقف العلوى للمبنى من الداخل، وانتشر الدخان الكثيف أعلى المبنى، فيما حاولت قوات الإطفاء السيطرة على الحريق وإخماده، مما أدى للقضاء على أغلب محتويات المجمع، ولم ينج من محتوياته البالغ عددها 200 ألف وثيقة تضم مخطوطات وكتبا أثرية وخرائط نادرة، سوى قرابة 25 ألفا فقط من الكتب والوثائق. وتمثل هذه الوثائق ذاكرة مصر منذ عام 1798، وكانت تحتوي على إحدى النسخ الأصلية لكتاب وصف مصر والتي احترقت بالإضافة إلى مخطوطات يزيد عمرها على مائتي عام، وحينها شكل شاكر عبد الحميد وزير الثقافة السابق لجنة فنية لحصر محتويات المكتبة والبحث في المكتبات الخاصة عن نسخ بديلة لما تم حرقه. المسئولون وأكد وقتها الأمين العام للمجمع العلمي المصري محمد الشرنوبي في تصريحات إعلامية، أن الحريق "أتلف كل محتويات المجمع تمامًا والتي تمثل تراث مصر القديم، واحتراق كل المؤلفات والمقتنيات منذ عام 1798 حتى اليوم، كما أن احتراق المبنى العريق بهذا الشكل يعني أن جزءا كبيرًا من تاريخ مصر انتهى". وصدرت تصريحات عديدة من الحركات الثورية والنشطاء، تؤكد أنها غير مسئولة عما يحدث للمجمع العلمي، وأن المتواجدين هناك "بلطجية" استأجرتهم السلطة لتأجيج الغضب ضد الثوار. واستنكر الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وقت الأحداث، الهجوم على المجمع العلمي المصري، وأوضح أن الحريق شب نتيجة إضرام المتظاهرين عن عمد النيران في المبنى، وقال الجنزوري، في بيان له صدر السبت 17 ديسمبر: إن الممتلكات التي فقدت نتيجة الحريق لا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال ومن بينها مجموعة لا تعوض من الخرائط والوثائق التاريخية التي حافظ أجيال مصر المتعاقبة عليها حيث تأسس المجمع العلمي في أغسطس من عام 1798 إبان الحملة الفرنسية. ووصف الدكتور مسلم شلتوت عضو المجمع العلمي المصري، حرق المجمع بالعملية القذرة، مطالبًا ب"إعدام وحرق من قام بذلك العمل، لأنها مصيبة كبيرة"، واصفًا من أحرقوه بأنهم ليسوا ثوارًا، وقال: "إن المجمع يضم وثائق نادرة وكتبا تؤرخ للعلم من أيام الحملة الفرنسية، ولتاريخ العلم الحديث، والخوف أن تصل النيران إلى الجمعية الجغرافية التي تحوى تاريخ اكتشاف منابع النيل، كما أن المجمع يضم أول تصنيف للنباتات المصرية، والنباتات التي تنمو في الصحراء، وكذلك للحيوانات البرية والمستأنسة". قائمة الاتهامات وتبادلت كل الجهات وقتها الاتهامات حول الفاعل منذ بداية أحداث الحرق، فقد اتهم في بداية الأمر الطرف الثالث، وهو اللهو الخفى في كل الأحداث منذ بداية الثورة، وظلت الاتهامات تنتقل من جهة إلى أخرى. وبدأت قوات الشرطة في القبض على عدد من أطفال الشوارع بتهمة حرق المجمع العلمى وتلقيهم أموالا مقابل الحرق من جهات لم يعلن عنها حتى الآن، وفي المقابل ظهر عدد من الفيديوهات حول تلقى هؤلاء الأطفال الأموال من قبل قوات الجيش، وهو ما صرح به مراسل قناة CBC على الهواء بقيام قوات الجيش بإلقاء كرات اللهب على المجمع. كما انضم "الثوار" إلى قائمة المتهمين بحرق المجمع العلمى، ورغم تلك الاتهامات إلا أن من قام بالتدخل لإنقاذ محتويات المجمع العلمى لم تكن قوات الإطفاء أو الأمن، ولكنهم كانوا المتظاهرين المتواجدين في محيط مجلس الوزراء وشارع قصر العينى. وبدأت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار عبد المنعم عبد الستار في نظر قضية محاكمة 269 متهما في قضية أحداث مصادمات مجلس الوزراء وحرق مبنى مجلس الشعب والمجمع العلمي المصري، وتمت تبرئة كل المتهمين من حرق المجمع، ولم يصل تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى الجاني الحقيقي، وأصبح حريق المجمع العلمى لغزا محيرا حتى الآن. إعادة ترميمه أعيد ترميم مبنى المجمع العلمي المصري التاريخى، واستغرقت عملية الترميم ثلاثة أشهر فقط، وساهمت فيها بفاعلية الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية. وأعادت عملية الترميم الشكل العام والطابع المعماري المميز لمبنى المجمع العلمي المتاخم لميدان التحرير، لكنها لم تستطع استعادة ما دمره الحريق من مخطوطات نادرة وكتب تراثية ترجع لأكثر من مائتي عام، وغالبية هذه المخطوطات تتناول فترة الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن السابع عشر. وقال الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة السابق ل"بي بي سي": إن هناك خططا طموحة لتطوير المجمع العلمي من خلال إقامة امتداد له بمدينة السادس من أكتوبر، حيث يتم التوسع في إقامة صالات العرض للكتب والمخطوطات النادرة، فضلا عن توفير مساحات أكبر للمخازن وأماكن الاحتفاظ بالكتب والمجلدات والوثائق النادرة التي تزخر بها الهيئات العلمية والثقافية المختلفة.