"القومي لحقوق الإنسان" ومكتبة الإسكندرية ينظمان ندوة حول نشر وتعزيز الثقافة الحقوقية    البطريرك يوحنا العاشر يستقبل المبعوث الأممي بيدرسون في دمشق    محافظ كفر الشيخ يُسلم 22 عقد تقنين جديد للمواطنين    شتلة صغيرة استدامة طويلة.. شعار جامعة حلوان في اليوم البيئي    ترامب: إيران وإسرائيل رغبتا معا في وقف الحرب    هولندا تقدم حزوة مساعدات لصناعة المسيرات في أوكرانيا    الوضع في طرابلس والعملية السياسية.. ماذا جاء في إحاطة البعثة الأممية لليبيا أمام مجلس الأمن؟    تقرير: مبابي خارج حسابات ريال مدريد في مباراة سالزبورج    نوتنجهام يفتح محادثات مع يوفنتوس لضم وياه ومبانجولا    الأهلي يجهز تقريرا طبيا عن إمام عاشور لإرساله إلى المنتخب    مطروح: حملات رقابية تضبط وتعدم 37 كجم أغذية فاسدة وتغلق منشأة مخالفة    القبض على سيدة القروض الوهمية بالمحلة بعد استيلائها على 3 ملايين جنيه من 40 ضحية    أوقاف شمال سيناء تطلق مبادرة توعوية بعنوان "احمى نفسك"    زينة تبدأ تصوير ورد وشيكولاتة.. وتتعاون مجددا مع ماندو العدل في عمل مستوحى من قصة حقيقية    "رحلة إلى الحياة الأخرى".. برنامج تعليمي صيفي للأطفال بمتحف شرم الشيخ    جائزة لرجل الصناديق السوداء    الأزهر يعرب عن تضامنه مع قطر بعد هجوم إيران.. ويطالب بضرورة احترام سيادة الدول على كامل أراضيها    مصر وموريتانيا تبحثان توسيع الشراكة الصحية: تعاون في الدواء والتحول الرقمي ومكافحة الملاريا    عملية نادرة تنقذ مريضة من كيس مائي بالمخ بمستشفى 15 مايو التخصصى    العرض الأفريقي الأول لعائشة لا تستطيع الطيران بمهرجان ديربان السينمائي الدولي    وقف مؤقت للغوص بجزر الأخوين لتنفيذ برنامج تتبّع لأسماك القرش    حكومة الانقلاب فشلت في مواجهتها..الكلاب الضالة تهدد حياة المواطنين فى الشوارع    «الداخلية» تمد فعاليات المرحلة ال27 من مبادرة «كلنا واحد» لمدة شهر    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لعملية القيد التاريخية لشركة ڤاليو في البورصة المصرية    «القومي للمرأة» يهنئ إيمان أنيس لتنصيبها نائباً للأمين العام للاتحاد الأفروآسيوي    محمد مطيع يناقش خطة اتحاد الجودو مع المجلس العلمي لوزارة الرياضة    بالعلم الفلسطيني وصوت العروبة.. صابر الرباعي يبعث برسالة فنية من تونس    محافظ المنوفية يفتتح مركز الثقافة الإسلامية في شبين الكوم| صور    مجلس جامعة الإسكندرية يعتمد الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد    الرئيس الفرنسي يشدد أهمية التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة    تنفيذ 7234 عملية عيون للمرضى غير القادرين بالأقصر    «متى سنتخطى التمثيل المشرف؟».. خالد بيومي يفتح النار على إدارة الأهلي    تقارير: برشلونة يحسم صفقة روني باردجي    «بحبكم برشا».. أول تعليق من مي عمر على تكريمها من مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس    جنايات دمنهور تؤجل محاكمة عامل بكفر الدوار لاتهامه بخطف أطفال والتعدى عليهم    الصين: عرض عسكري لإحياء الذكرى ال80 للانتصار فى الحرب العالمية ضد الفاشية 3 سبتمبر    سانتوس يقترب من تجديد عقد نيمار    «صحافة القاهرة» تناقش مستقبل التعليم الإعلامي في العصر الرقمي    خلال فعاليات قمة مصر للأفضل.. «طلعت مصطفى» تتصدر قائمة أقوى 100 شركة في مصر وتحصد جائزة المطور العقاري الأول لعام 2025    يوسف داوود.. "مهندس الضحك" الذي ألقى خطبة الجمعة وودّعنا في هدوء    الإدارة العامة للمرور: ضبط (56) ألف مخالفة خلال 24 ساعة    تحرير (153) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    تبدأ 26 يوليو.. محافظ الدقهلية يعتمد جدول امتحانات الدور الثاني للنقل والشهادة الإعدادية    محافظ القاهرة يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجرى الجديد غدا نائبا عن الرئيس    وزيرة البيئة: مشروع تطوير قرية الغرقانة نموذج متكامل للتنمية المستدامة الشاملة    6 مشاريع بحثية متميزة لطلاب الامتياز ب"صيدلة قناة السويس"    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه    إزالة 1883 حالة تعدٍ بالبناء المخالف على أملاك الدولة ببني سويف    متحدث عسكري عراقي: مسيرات استهدفت عدة مواقع وقواعد نتج عنها أضرار للرادارات    قافلة طبية مجانية بحى الصفا فى العريش تشمل تخصصات متعددة وخدمات تثقيفية    بدأت ب«فولو» على إنستجرام.. سلمى أبو ضيف تكشف طريقة تعرفها على زوجها    تداول 10 آلاف طن بضائع و532 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    ما حكم تيمّم المرأة التي تضع «المكياج»؟.. الإفتاء تُجيب    تفسير آية | معنى قولة تعالى «وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي 0لۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي 0لۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ»    هل الشيعة من أهل السنة؟.. وهل غيّر الأزهر موقفه منهم؟.. الإفتاء تُوضح    شاهد وصول لاعبى الأهلى إلى استاد ميتلايف لمواجهة بورتو البرتغالى    سعد خلف يكتب: من دونيتسك إلى بوشهر.. بوتين يعيد رسم خرائط النفوذ من قلب سانت بطرسبرج    رسائل قوية من بوجبا عن أزمة المنشطات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داعش .. تفاصيل "الذمة المالية" لأغنى تنظيم إرهابى فى العالم
نشر في النهار يوم 16 - 10 - 2014

بات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف إعلاميا بتنظيم "داعش"، يحمل ألقابًا غير معهود إطلاقها على التنظيمات الإرهابية المماثلة له، فالبعض وصفه بأنه "أغنى تنظيم إرهابي في العالم"، وقدرت بعض الدراسات رأس مال التنظيم بحوالي 2 مليار دولار(1). وآخرون وصفوه بأنه "أخطر تنظيم إرهابي في العالم" لجسامة الأخطار والتهديدات التي يمثلها هذا التنظيم على واحدة من أهم مناطق العالم من الناحية الجيوبيولتيكية والجيوقتصادية(2). وبعضهم اعتبروه "أكبر تنظيم إرهابي في العالم" لأنه يسيطر ويفرض سيادته على مساحة من الأراضي والأقاليم تصل إلى مساحة بريطانيا(3)، ومن مساحة دول مجلس التعاون الخليجي (بدون السعودية وعمان).
وكأي تنظيم نفعي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، فإن تنظيم داعش لم يتورع عن القيام بأي أفعال وسلوكيات هي طبقًا للقانون "أعمال إجرامية يعاقب عليها القانون" مثل السرقة والاحتيال والنصب والابتزاز والاختطاف وقطع الطرق، جنبًا إلى جنب مع قتل وترويع المسالمين العزل من المسلمين وغير المسلمين. وهو ما يثير تساؤل رئيسي مفاده: ما الذي يجعل تنظيمًا لم يتجاوز عمره خمس سنوات بكل هذه القوة والنفوذ والقدرة على التوسع؟.
يرجع تنامي نفوذ وسيطرة داعش عاملين؛ العامل الأول اقتصادي، متمثل في تعدد مصادر تمويل داعش التقليدية والمعروفة، بالاستيلاء على الموارد الطبيعية (وتحديدًا النفط) وتخصيصها، والاستفادة من عوائدها الضخمة لتمويل عملياته الإرهابية والتوسعية عبر تهريبها وبيعها في السوق السوداء، وهو ما ساهم في تقوية شوكة هذا التنظيم الإرهابي. والسبب الآخر سياسي، ويتمثل في عاملين، غياب الدولة القوية التي سمحت بوجود مثل هذه التنظيمات غير الرسمية وتقويتها بصور باتت معها دولة داخل الدولة (بتعبير جويل مجدال)، والعامل الآخر، هو غياب استراتيجية جادة للتحالف الدولي لمواجهة هذا التنظيم الذي ينتشر كالسرطان عبر منطقة الهلال الخصيب وما وراءها.
مصادر تمويل داعش
تؤكد كاثرين فيليب أن تنظيم داعش بات من أغنى التنظيمات الإرهابية في العالم، وأن مصادر تمويله أصبحت متعددة وواسعة(4). ومن خلال التقارير والدراسات التي تطرقت إلى مسألة تمويل داعش، والتي حتى الآن لم يُمكن التأكد من مدى صحتها أو حقيقتها بصورة أكيدة - تمكنا من حصر حوالي 12 مصدرًا لتمويل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها داعش، سواء في العراق أو في سوريا(5). وهذه المصادر هي على النحو التالي:
1- تبرعات أثرياء الخليج: حيث رصد تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في شهر يونيو الماضي وجود عدد كبير من الأثرياء والشخصيات الخليجية التي دعمت ومولت الأنشطة الإرهابية في كلٍّ من العراق وسوريا، ووفقًا للتقرير هناك (28) شخصية سعودية، و(12) عراقية، و(5) من الكويت، إلى جانب عدد آخر من قطر والإمارات والبحرين وقطر.
2- أموال الصداقات والتبرعات والزكاة: حيث عملت المنابر والقنوات الإسلامية خلال عامي 2011/2012 على تشجيع المسلمين على توجيه أموال الزكاة والتبرعات والصدقات لتأييد الجهاد والمقاومة في سوريا، وهي الأموال التي وجدت طريقها بصورة مباشرة إلى كلٍّ من داعش وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية.
3- التمويل الخليجي (الرسمي) خصوصًا من دول مثل السعودية والكويت وقطر والإمارات، حيث قامت هذه الدول بتمويل هذا التنظيم في البداية كجزء من حربها بالوكالة ضد نظام الأسد، قبل أن ينقلب عليها ويبدأ في التوسع والتمدد وتهديد دول الخليج ذاتها، ويمكن القول إن هذا المصدر من تمويل داعش قد تراجع إلى حدٍّ كبير الآن. خصوصًا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع حول قطع التمويل عن كلٍّ من تنظيمَيْ داعش وجبهة النصرة، باعتبارهما تنظيمين إرهابيين(6).
4- التمويل الدولي: طبقًا لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية السابق الإشارة إليه، وجد أن التمويل الذي تحصل عليه داعش يأتي من حوالي 31 دولة عبر العالم، من: الخليج، وباكستان، والجزائر، وتركيا، ومصر، ولبنان، وغانا، والسودان، وبريطانيا، والسويد، وهولاندا، وأستراليا، والسنغال، وتايلاند، وبنجلاديش، وغيرها من الدول؛ حيث تعتمد داعش (وهي في ذلك مثلها مثل القاعدة) على شركاء محليين مسجلين تحت أسماء وهمية، وتمارس نشاطها من وراء ستار قانوني وشرعي.
5- عوائد تحرير الأجانب المختطفين: حيث دأبت داعش على اختطاف المواطنين الأجانب، والموظفين الدوليين، والصحفيين الغربيين، ومساومة ذويهم ودولهم على الإفراج عنهم مقابل ملايين الدولارات كفدية. وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية أن عوائد هذه الطريقة بلغت أكثر من 25 مليون دولار سنويًّا.
6- نهب الموارد والسلع من الأماكن المسيطر عليها: من مستشفيات، ومراكز تسوق، ومطاعم، ومرافق الكهرباء والمياه في هذه المناطق، وهي المرافق التي توفر لها عوائد تُقدر بالملايين كل شهر.
7- عوائد التهريب: من النفط، والأسلحة، والآثار، والمخدرات، والاتجار في البشر.. إلخ؛ حيث ذكر تقرير لقناة ABC الأمريكية وغيرها من المصادر أن العوائد اليومية من النفط المهرب ما بين 2 إلى 4 ملايين دولار.
8- الهبات من مؤيدي التنظيم: المنضمون لهذا التنظيم يأتونه محملين بكل ما يملكونه، ويتنازلون عنه، كونهم يؤمنون بأنهم في مهمة إلهية سامية. وذكرت بعض المصادر أن مؤيدي التنظيم في مدينة الموصل وفروا لداعش -حسب أحد المصادر- حوالي مليون دولار شهريًّا.
9- الابتزاز: إلى جانب فرض الترويع والقتل على المواطنين الأبرياء، فإنه يقوم بابتزاز الفلاحين والموظفين في هذه المناطق، ويجبر غير المسلمين على دفع الجزية، بصورة أدت إلى تهجير مئات الآلاف منهم. إلى جانب ذلك أيضًا تقوم داعش بفرض ضرائب شهرية على المؤسسات المحلية بحوالي 8 ملايين دولار.
10- السرقة والنهب: المثال على ذلك حادثة سطو داعش على البنك المركزي في الموصل، والاستيلاء على عشرات الملايين من الدولارات.
11- عائدات الحبوب: حيث قال أحد مسئولي وزارة الزاعة العراقية ان داعش بدأت تسطير على حوالي ثلث إنتاج العراق من القمح.
12- مناجم الذهب التي استولت عليها داعش في مدينة الموصل بعد سيطرتها عليها.
النفط في خدمة داعش:
يُعتبر الاستيلاء على حقول النفط في كلٍّ من العراق وسوريا من أهم وأكبر مصادر تمويل داعش، وصار لديها استقلال مالي واقتصادي كبير بفضلها، بصورة جعلتها توقف وتراجع المصادر والتمويلات القادمة من الخارج بحيث لا تؤثر على قوتها واستمراريتها. فبفضل هذه العوائد التي تصل إلى حوالي 4 ملايين دولار يوميًّا، وإلى حوالي مليار دولار كإجمالي(7)؛ أصبحت داعش قادرة على تمويل نفسها بصورة ذاتية، وهو الأمر الذي يُفسر سبب توسعها وتمدد نفوذها واتساع حجم المناطق والأقاليم التي باتت تقع تحت سيطرتها، بصورة جعلتها تبدو في الحقيقة كدولة.
كما نجحت داعش في استغلال حالة الهشاشة التي تمر بها الحكومة المركزية في العراق، وقامت بتوسيع نفوذها، وفرض قوتها على المناطق التي لا تخضع لسيطرة هذه الحكومة، وقدمت نفسها كبديل لهذه الحكومة، وهو الأمر الذي دعمه وسانده توافر العوائد المالية اللازمة للإنفاق على هذه المناطق، وتدعيم أسس التنظيم ووجوده على أرض الواقع.
ويُعتقد أن داعش باتت تُسيطر على حوالي 3060٪ من حقول النفط في سوريا؛ حيث تُسيطر داعش على أكبر ستة حقول في سوريا، وحوالي ثلاثة عشر حقلا في شمال وشرق العراق، إلى جانب ثلاث مصافٍ للبترول في العراق(8).
ففي سوريا، تسيطر داعش على حقول "غاز الشعار" القريب من تدمر، وحقل "التنك" القريب من دير الزور، وحقل "عمر" وحقل "نجمة". وغيرها من الحقول. وفي العراق، تُسيطر داعش على حقلي "عين زالة" و"بطمة" العراقيين اللذين تبلغ طاقتهما الإنتاجية اليومية حوالي 30 ألف برميل من النفط الخام، وحقل "القيارة" الذي تبلغ إنتاجيته اليومية حوالي 7000 برميل، وتُقدر احتياطاته بحوالي 800 مليون برميل، وحقل "الدجيل"(9). وسيطرت أيضًا على الحقول الموجودة في الجنوب من تكريت، على حقل "حمرين" الذي يبلغ إنتاجه حوالي 5000 برميل/يوميًّا، وحقل "عجيل" الذي ينتج حوالي 25 ألف برميل يوميًّا من النفط الخام، و150 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وتقدر بعض التكهنات أن داعش تقوم باستخراج وإنتاج حوالي 80 ألف برميل/يوميًّا (50 ألفًا في سوريا، 30 ألف برميل في العراق)(10).
تقوم داعش ببيع النفط الذي باتت تسيطر على حقول استخراجه وإنتاجه في السوق السوداء أقل من السعر العالمي بحوالي 75%؛ حيث تبيع البرميل بسعر يتراوح بين 25 إلى 50 دولارًا، في حين أن السعر العالمي للبرميل أكثر من 100 دولار. وهو الأمر الذي ستكون له تداعياته الكارثية على مستقبل الاقتصاد في كلٍّ من العراق وسوريا، خصوصًا إذا ما علمنا أن النفط يُمثل مصدر الدخل الرئيسي لهذه الدول. وطبقًا لبعض الدراسات، فإن عوائد داعش من النفط وصلت إلى حوالي مليار دولار، مقابل 500 مليون دولار لتنظيم القاعدة، وهو ما يجعل من داعش أكبر وأقوى تأثيرًا من القاعدة على الأمن الإقليمي والعالمي من القاعدة التي ظلت محتلة قمة أكثر التنظيمات الإرهابية خطورة على العالم.
شبكات تهريب إقليمية للنفط:
ليس المطلوب فقط السيطرة على حقول إنتاج النفط كي تتمكن داعش من الحصول على تمويل أو تدفق نقدي يساعدها في تمويل استراتيجيتها الداعية للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي والأقاليم داخل العراق وسوريا، ولكن مطلوب أيضًا إيجاد شبكة تهريب دولية وإقليمية تساعدها في بيع وتصدير هذا النفط.
وتُشير التقارير المنشورة إلى أن المخرج/الباب الوحيد لتهريب النفط من العراق وسوريا هو عبر الجيران، وتحديدًا إيران وتركيا والأردن(11). حيث أوردت تقارير أمريكية وفرنسية أن هناك عصابات جريمة منظمة في كلٍّ من كركوك والموصل وتركيا وإيران تتولى التنسيق والترتيب والإعداد لتهريب هذه الكميات الكبيرة من النفط على شبكات تهريب دولية تتولى العملية برمتها، حيث يباع الصهريج الواحد بحوالي 10 آلاف دولار أمريكي، ووصل عدد الصهاريج التي كانت تهرب يوميًّا حوالي 60 صهريجًا(12).
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية؛ فإن النفطَ الذي يتم استخراجه من العراق (وتحديدًا من المناطق القريبة من جبل حمرين) يتم تهريبه قبل تزايد الاهتمام الدولي بداعش بصورة علنية عبر طريق قادر كرم إلى السليمانية وإلى أربيل في إقليم كردستان. وبعد تزايد الاهتمام الدولي بداعش بعد توسعها في عملياتها الإجرامية البشعة، تحول الأمر ليتم الآن عبر شبكة من المهربين ومالكي مقطورات وصهاريج نقل البترول أنفسهم عبر مناطق إقليم كردستان، وفي مناطق مثل الحفنية والبوغانم وسليمان بك وطوزخورماتو، ثم عن طريق تكريت وناحية رشاد التابعة لمحافظة كركوك، ومنها إلى الموصل ثم إلى سوريا وأخيرًا إلى تركيا(13).
وتشير التقارير المنشورة حول هذا الموضوع إلى أن المستفيد الأول من هذا النفط هو داعش بالدرجة الأولى، والتي تقوم بتوزيع هذا النفط والاستفادة منه في دعم وتمكين وجودها في الأماكن التي تسيطر عليها. ثم في الدرجة التالية لها النظام السوري الذي تحدث بعض الخبراء السوريين المستقلين عن وجود صفقة ضمنية بين داعش والنظام السوري على توفير داعش النفط للنظام مقابل إطلاق أيديها في البلاد، ثم تستفيد إيران من شبكات التهريب التي تملأ البلاد، وأغلبها من الموالين لها للحصول على النفط بمبالغ زهيدة، وإعادة تصديره مرة أخرى بأسعار مرتفعة(14). وهناك بعض التقارير التي تشير إلى استفادة الأردن أيضًا من هذه الشبكات القريبة جدًّا من حدوده مع العراق بصورة خاصة، على الرغم من النفي الرسمي من المملكة لوجود مثل هذه الممارسات، وأخيرًا هناك بعض التقارير تشير إلى تورط الحكومة التركية، أو على الأقل علمها، بوجود صفقات تهريب نفط تتم بينها وبين داعش داخل الحدود التركية دون أن تتحرك بجدية لمحاربة مثل هذه الممارسات الإجرامية وغير القانونية(15).
لكن يبدو أن الجميع يستفيد من هذه الشبكات المنظمة، فالنفط أسعاره في تزايد مستمر، وداعش تبيعه بأسعار خيالية، ولأن هذه الشبكات لا تهتم إلا بالربح، فلا تسأل عن مصدر هذا النفط، وفي ظل حالة التسيب والسيولة والفوضى وعدم القدرة على حماية وحراسة الحدود في كلٍّ من سوريا والعراق (اللتين تشتركان في حدود مع حوالي ثماني دول) فإن هذا يجعل داعش قادرة على الحصول على الأموال الكافية لتمويل أجندتها الإرهابية والتوسعية، خصوصًا مع عدم وجود استراتيجية دولية أو إقليمية لمجابهتها بجدية.
داعش وسوق النفط العالمي:
في حالة استمرار نفوذ داعش وعدم نجاح التحالف الدولي في القضاء على التنظيم، فمن المتوقع أن يكون استمرار داعش سيطرتها على النفط العراقي تداعيات اقتصادية على سوق النفط العالمي، كونه بات يتحكم في أكبر عدد ممكن من حقول البترول في العراق الذي يُعتبر من أكبر دول العالم تصديرًا للنفط، إلى جانب المخاوف المتزايدة من تأثيره على سوق تصدير النفط العالمي المعتمد بالأساس على منطقة الخليج، لما قد تمثله داعش من تهديد على مناطق استخراج النفط، وعلى طرق نقله وتصديره عبر مواني الخليج القريبة جدًّا من العراق(16).
كما سيؤثر استمرار وجود وتوسع نفوذ داعش على حجم الاستثمارات الدولية في مجال النفط والصناعات المرتبطة به في العراق وسوريا وما يجاورها. حيث نشر اثنان من خبراء النفط مقالا في صحيفة "وول ستريت" يتوقعان فيها تراجع حجم الاستثمارات الأمريكية في مجال الطاقة في الشرق الأوسط في حال استمرار داعش وحالة الفوضى في العراق وغيرها(17).
والخوف أيضًا ليس فقط من استنزاف الاحتياطات النفطية أو الإضرار بالأسعار العالمية، ولكن أيضًا من تدمير البنية التحتية لصناعة النفط في كل من العراق وسوريا وكافة المناطق التي تسيطر أو ستسيطر عليها داعش في المستقبل، نظرًا لأنها تستخدم وتلجأ إلى وسائل بدائية جدًّا في استخراج النفط، وهو ما يعني تدمير هذه الحقول في المستقبل القريب جدًّا(18).
تجفيف المنابع:
تؤكد لنا الخبرة التاريخية في التعامل مع التنظيمات والجماعات الإرهابية أنه يبدأ ويكون بالأساس عبر خطوتين رئيسيتين؛ الأولى هي القيام بتجفيف مصادر تمويلها ودعمها المالي، الذي هو بمثابة شريان الحياة لها، والخطوة الثانية هي بإقامة تحالف دولي لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية(19). والقضاء على داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية يبدأ بالتأكيد عبر تجفيف منابع تمويلها، ولعل الخطوةَ التي قامت منظمة الأمم المتحدة باتخاذها منذ شهور (وإن جاءت متأخرة بعض الشيء) تعتبر خطوة على الطريق الصحيح؛ فوضع داعش وجبهة النصرة وغيرها ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيعطي للمجتمع الدولي الحق في فرض عقوبات على من يقوم بانتهاك هذا الميثاق. مثل هذه الخطوة ستسمح للدول وللمنظمات المالية الدولية والإقليمية والمحلية المتخصصة بمراقبة وتتبع رءوس الأموال التي تمول داعش، وبالتالي معرفة مموليها ومسانديها ومعاقبتهم ومنعهم وإجبارهم على قطع هذه الإمدادات، وبالتالي قتل هذا التنظيم بشكل بطيء.
الخطوة الأخرى هي إقامة تحالف دولي وإقليمي لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية التي باتت تمثل تهديدًا وخطرًا على الأمن الإقليمي والدولي. والتحالف الدولي المقصود هنا ليس تحالفًا عسكريًّا فقط، ولكنه بالأساس تحالف سياسي واستراتيجي متعدد الأطراف والوظائف. حيث سيساعد الوصول إلى تفاهمات وتنسيقات دولية وإقليمية حول كيفية مواجهة هذه التنظيمات العابرة للحدود وللقوميات على تفعيل أي مسعى لمحاربة هذه الجماعات.
والوصول إلى حالة من التوافق والإجماع بين جيران العراق وسوريا حول اعتبار داعش تهديدًا مشتركًا للجميع؛ سوف يسهل من عملية خنق داعش، والتحكم في الحدود والمناطق التي يتم استغلالها لتهريب النفط الذي تقوم داعش من خلاله بتمويل والإنفاق على عملياتها الإرهابية والإجرامية. كذلك، فإن وجود تحالف دولي وإقليمي حقيقي سوف يساعد كل دولة من دول التحالف في استغلال نفوذها وقوتها وتأثيرها الداخلي في كلٍّ من العراق وسوريا بصورة تساعد في نزع الشرعية والشعبية التي تحظى بها داعش في الداخل، وبالتالي تسهيل سقوطها والقضاء عليها. وحتى يتم التوافق والتفاهم حول ضرورة قيام هذا التحالف في أقرب وقت ممكن، والتخلي عن التناقضات وتضارب المصالح الآني بين الأطراف الإقليمية والدولية حول كيفية التعامل مع هذا التنظيم الإرهابي - ستظل داعش مستمرةً، وقوتها في تزايد مستمر بفضل تدفقات مبيعاتها من النفط الذي تُسيطر عليه، بل وربما سنجد حجم داعش والمناطق التي تسيطر عليها قد فاق كل احتمال، وكل ذلك سيرجع بالأساس لغياب طرف قوي يواجهها، تمامًا كما كان ذلك هو السبب وراء نشأتها الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.