يشغله كثيرا هم الإنقسام والتشرذم العربي، ويطمح نحو العيش فى وطن عربى واحد يستطيع التنقل فيه بحرية تامة، ويرى أن الدول العربية لم تعنى بحقوق الملكية الفكرية، وأصالة الإبداع بقدر اهتمامها بالسلطة والأمن، ويؤكد بأن الحلم العربى ليس ببعيد فهناك شباب مذهلين بثقافتهم وطموحاتهم لكنهم لا يمتلكون القيادة الحكيمة التى توجههم، مشددا على دور مصر الريادى والمحورى فى مسألة صنع التوازن السياسى والثقافى فى المنطقة؛ إنه الروائى البحرينى أحمد الدوسرى الذى صدرت له العديد من الأعمال التى صور فيها هم المواطن العربى والخليجى على وجه الخصوص، والذى التقته «النهار» فأدلى بدلوه وباح بما يختنق فى صدره، فكان معه هذا الحوار: بداية من هو أحمد الدوسرى ؟ - كاتب وروائى عربى غير مجزأ أعتبر الوطن العربى كله وطني، وعليه فأنا أتدخل فى شؤونه كما تتدخل الطيور فى أعشاشها. نظرة فاحصة لإنتاجك الأدبى ، وماذا يمثل لك ؟ - انتاجى الأدبى يمثل مرآة لحياتي. أو هو حياتى كلها ولكن بطريقة أخرى. أعتقد بأن الإبداع، الكتابة على وجه الخصوص، هو العيش بطريقة أخرى غير تلك التى يفرضها علينا العالم قسرا. وأنا أتوق لذلك اليوم، والذى أرجو أن يكون قريبا جدا، الذى أستطيع أن أعيش فقط لحياتى كما أريدها، ولن تتحقق إلا فى عالم الكتابة. كيف ترى مستقبل الثقافة العربية بعد الربيع العربى ؟ - لن يكون هناك ثقافة عربية إلا بإسقاط حوائط برلين ..! هذه هى قناعاتى التامة. فالرأس من غير الجسد والأعضاء الأخرى مهما صغرت. لذا فالوطن العربى يبقى ليس وطنا وهو مجزّأ ... أبدا مهما كان حجم هذا الجزء وعدد سكانه ... المائة عام الأخيرة أثبتت ذلك. لذا ينبغى على كل مثقف عربى أن يسقط حائط برلينه. غير معقول أن ترضى أمة بالتجزئة التى جلبت عليها مهانة لم تمر على أمة من الأمم عبر التاريخ ... إنهم يفترسوننا افتراسا ... لو تم تقسيم أمة إلى قسمين لناضلت حتى تعود مرة أخرى متحدة ... فما بالك بأكثر من عشرين جزء !؟ إنهم يخططون لجعلنا 40 جزء أو يزيد ... فعن أى ثقافة عربية سنتحدث الآن وبعد ذلك ...!؟ ما الفريضة الثقافية الغائبة ؟ - الوحدة. وحدة الثقافة بوصفها مظلة كبيرة بحجم السماء العربية، بتنوع ثرى تحتها. تتمترس الحدود الصغيرة وتفرض الأتاوات على العابرين والمارة وعابرى السبيل، وهى هنا الجمارك والرقابة وتعقيدات المرور ... وإن كانت المواقع الاجتماعية اليوم حلت جزء بسيط ... لكن الإنسان العربى لا يستطيع التنقل بحرية بين مناطق وطنه العربى ... لقد سرقوا وطننا وفتّتوه إلى أوطان صغيرة ... المثقف الحقيقى هو المقاوم لكل أشكال التطبيع مع هذا التفتيت ... هل أنت راض عن أداء المثقفين خلال الربيع العربى ؟ - المثقفون فى الربيع ليس لديهم أى أداء أصلا ...!؟ أغلبهم يصطف مع الطغاة والمتجبرين والأعداء ... هذا هو الواقع للأسف الشديد والقلة النبيلة التى تمتلك الرؤية الصافية لا تتقدم الصفوف ... لم تتعود ، إيقاعها أبطأ بكثير من إيقاع الشارع ...جيل الشباب أذهلنا بحيويته وفهمه. ولكنه للأسف بلا قيادات تمتلك الخبرة والحكمة والقدرة على التوجيه نحو الأهداف والأحلام. لذا نرى كهول الأحزاب القديمة وقدامى الطغاة يستعيدون الشارع منهم سريعا فى بعض المناطق. وأنا أخشى على هذه الأمة من الاثنين ... أغلب المثقفين يخون أمته ببساطة. الدور الثقافى المصرى .. هل مازال فاعلا أم تراجع ؟ - لا شك أن الدور المصرى فى الوطن العربى ثقافيا قد شهد هو الأخر مدا وجزرا غير أنه دور رئيسى لا يستهان به. ففى أدوار ضعفه تشهد الثقافة العربية ككل ضعفا وتراجعا والعكس صحيح، ومصر عموما تمر بمرحلة مخاض يتحدد على ضوئه فى ىخر المطاب الدور الذى ستلعبه مستقبلا فى هذا الشأن. مصر لا حياة لها فى أدوار الضعف. مصر فى أدوار القوة هى مصر الحقيقية. وهى التى أرجو أن تكون عليه فى الفترة المقبلة إن شاء الله تعالى. هى مثل شخص لديه إمكانات هائلة ولكنه لا يستعملها او يستثمرها. يجب أن تستثمر مصر امكاناتها الحقيقية وتفعّلها على نحو ايجابي. الوعى بالقدرات أهم من القدرات نفسها فى بعض الأحيان. هل هناك أدب ذكورى وأدب نسوى ؟ - لا ...لا أظن . هذا اختراع تسويقي. الأدب أدب ! تذكرنى هذه الحكاية بقصة عطر نسائى وعطر رجالى ...! هذا لا يوجد أبدا فى الطبيعة. إنه من اختراع الإنسان. لأغراض تسويقية. فبدلا من يشترى الرجل عطرا واحدا يستعمله هو وزوجته، سيشترى اثنين: واحد رجالى والآخر نسائي. وقد سمعت روبرتاجا تلفزيونيا فى محطة سويسرية أو فرنسية لا أذكر يتحدث عن هذه الكذبة التى روّج لها الأذكياء وصدقها ....الخ فالعطر واحد .. مركز أو غير مركز ... عموما فالأدب من قبيل العطر ... واحد للرجال وللنساء. هل النقد يواكب الإبداع ؟ - ليس هناك حركة نقدية. النقد بمعناه القديم أعتقد بأنه انقرض أو يكاد. ما هو موجود كتابات سريعة ترويجية لبعض الكتب. كما إن الصحف والمجلات لم تعد تنشر نقدا، خاصة الأكاديمي. النقد اليوم فى الجامعة لأغراض التخرج والحصول على رسائل الماجستير والدكتوراه. هناك شيء غير النقد. قد يكون بأهمية النقد وأكثر. لكنه بالتأكيد ليس نقدا بالمعنى القديم. ما سؤال النقد اليوم ؟ - ليس لديه أسئلة بل هو تائه ... النقد ملاّح تائه ... هل نحن فى زمن الرواية أم الدراما التلفزيونية ؟ - زمن الرواية زمن جميل كما أن الرواية واكبت أو العكس السينما والتلفزيون فى الغرب. لدينا روائيون كبار ومبدعون حقا لكن السينما والتلفزيون لا يأخذ عنهم .. لا أعرف لماذا ...! فالأصل الرواية وليس العكس. فأشهر الأعمال السينمائية هى بالأصل روايات عظيمة. هناك مهنة فى المنتصف بين الرواية والشاشة: إنها مهنة السيناريست. هذه المهنة هى التى تنتشل علاقة الاثنين من الإنفصام. تعرف مع وجود كتاب سيناريست عظام ستزدهر العلاقة ...هناك حواديت تتحول إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية لا أكثر ...أنا من أنصار أن تتحالف الرواية والسينما أو التلفزيون كما حدث كثيرا فى مصر ... كالكيتكات لدواد السيد عن رواية مالك الحزين لإبراهيم أصلان. المثقف والسلطة والمنطقة الآمنة بين سلطة المثقف وثقافة السلطة ؟ هل أنت مع أم ضد لتلك المنطقة الآمنة ؟ - المثقف فى النهاية انسان. لديه نقاط ضعف. أنت تتحدث عن الفرسان من المثقفين. وهم قلة. تماما كما يحدث فى الجيوش فالفرسان الشجعان الذين هم فى المقدمة. فالجيش كمعشر المثقفين، فيه من كل نوع. أما الفرسان فهم الذين فى المقدمة وهم الذين يضحون بأنفسهم ولا يخضعون الأمور فى العالم لحسابات الربح والخسارة المادية. قد يموت من اجل وطنه. لذا أنا أنظر للمثقف من هذا الباب. بعض المثقفين لا يستطيع مجابهة السلطة. السلطة ماكينة تطحنه بلا رحمة. وتطحن من معه. لذا فالمثقفون الذين يجابهون السلطة ويحققون الاستقلالية التامة عنها هم قلة جدا. والأكثرية تفضل البقاء فى المنطقة الآمنة فالسكوت من ذهب. ظاهرة تزوير الكتب وغلاء أسعار الكتب وعدم وجود قوانين لحفظ الملكية الفكرية ؟ ما هى رؤيتك للقضاء عليها ؟ - هذه ظاهرة ناتجة عن انحلال القوانين أو وجودها مع عدم تطبيقها. الدولة العربية غائبة وضعيفة إلا فى موضوع الأمن ! فهى تستقوى فقط فى هذا الجانب على المواطن. فلا يمكن القضاء على كل هذا الهراء إلا بانجاز مشروع الدولة الواحدة. مشروع الدولة الديمقراطية. شئنا أم أبينا. هذه هى الحقيقة المؤلمة. روايتك ابن زريق البغدادى - عابر سنين لاقت نجاحا كبيرا ... ولكنها لم تتحول إلى مشروع دراما تلفزيونية ...؟ - كانت على وشك التحول إلى دراما تلفزبوينة لدى شركة فرح التى يمتلكها المنتج القدير إسماعيل كتكت ولكن الذى حدث هو أن قيام ثورة 25 يناير فى مصر قد عطل المشروع الذى آمل ان يرى النور قريبا جدا رواية قبو الكوليرا ... - تنتمى إلى أدب السجون والمعتقلات كما وصفها احد النقاد، إنها تحكى قصة الموت والحياة ...رواية معذبة جدا ... لماذا لم تحظ هذه الرواية بشهرة واسعة مثل ابن زريق البغدادي...!؟ بالفعل هذه الرواية تختنق بالوجود والعدم، بالموت والحياة، وأنا احب هذه الرواية ولكنها للاسف الشديد طبعت ووزعت على نطاق محدود بسبب الناشر. اتمنى أن أعيد طباعتها قريبا جدا هل كتبت الرواية التى تتمنى كتابتها ؟ - لا يكتفى الروائى ولا يقنع بما أنجزه. لدى رواية اشتغل عليها منذ فترة اتمنى أن ترى النور قريبا جدا وأعول عليها كثيرا.