وهو التمدد الذي يرافقه اهتمام من القيادات السياسية الإيرانية بمصر كدولة لها وضعها في منطقة الشرق الأسط، لتعزيز مواقع المتشيعين من المصريين"، خاصة وأن أتباع المذهب الشيعي يتأثرون بشكل سلبي أو إيجابي وفقا لطبيعة العلاقات بين النظامين الحاكمين في مصر وإيران، ولا يستبعد أن تستخدم إيران هذه الورقة للضغط علي الحكومة المصرية وتحقيق أهداف سياسية. فمن الجدير بالذكر أن العلاقة السيئة بين طهران والقاهرة منذ أواخر سبعينات القرن الماضي كان لها أثرا سلبيا علي تحركات التجمعات الشيعية في مصر وأنشطتهم الثقافية وشعائرهم الدينية، ولكن وبعد قيام ثورة 25 يناير في مصر والانفتاح الحر لممارسة العمل السياسي باتت جيوب الشيعة في مصر تخرج عن صمتها وتتحرك معلنة عن نفسها وحقها في المشاركة في رسم ملامح الدولة الجديدة علي أساس مبدأ المواطنة بل ويسعون لإعلان حزب سياسي لهم .. النهار تفتح هذا الملف الشائك للوقوف علي حقائقه ومخاطره وواقعه ومستقبله :- في البداية نشير إلي أن خلاف كبير حول أعداد الشيعة في مصر فهم بحسب تقرير " الحرية الدينية في العالم " الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية يقدر عددهم في مصر بحوالي 750 ألف شخص من إجمالي عدد السكان، وعلي النقيض تماماً فقد أكد " محمد الدريني" أحد أبرز الشخصيات الشيعية في مصر أن عدد الشيعة في مصر يبلغ مليون ونصف شخص، أما عن المصادر الغير رسمية فتؤكد عدم زيادتهم عن بضعة آلاف . هذا كما يذكر تقرير "الملل والنحل والأعراق"الذي تم صدوره عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة في سنة 2005 أنه مع تحسن العلاقات المصرية - الإيرانية في التسعينيات، طرحت بقوة علي بساط البحث فكرة استجلاب السياح الإيرانيين والشيعة للقيام برحلات سياحية في مصر، وزيارة أضرحة آل البيت. وبدأت وزارة السياحة المصرية بحث الأمر، لكن المخاوف الأمنية والتحفظات من جانب علماء أزهريين أجهضت الفكرة وأفشلتها. البداية من المعروف عن المصريين أنهم يحبون أل البيت حباً شديداً ، والتاريخ يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التشييع قد إزدهر مع سيطرة الدولة الفاطمية حيث كانت تؤذن الجوامع قائلة " حي علي العمل " وهو المقطع الذي يضيفه الشيعة بخلاف السنة . ومع سقوط الدولة الفاطمية بوفاة الخليفة " العاضد " عام 567 ه انحسر التشييع وتراجع بشده، ورجعت مصر مرة آخري للمذهب السني ، حيث يعتبر مذهب الإمام " أبي حنيفة النعمان " هو المذهب السني الرسمي في مصر في ذاك الوقت . ليبدأ الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون التحول ليكون منارة علمية و دينية للمذهب السني علي صعيد العالم الإسلامي كله . وبالرغم من أن الشيعة في مصر كانوا منذ الأربعينيات حتي نهاية السبعينيات يتمتعوا بحرية نسبية الا أن انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 قد قلب الطاولة علي رؤوس الجميع وبدأت المحاصرة ! . لتكون فترة الثمانينيات هي بداية السواد الأعظم للشيعة في مصر، ليطلق الرئيس المخلوع " محمد حسني مبارك " تصريحاً قاضياً يتهم فيه الشيعة بأن ولائهم لإيران وليس لمصر، وذلك في مقابلة تلفزيونية في قناة " العربية بتاريخ 8 إبريل 2006 ليوضح بهذا الاتهام نظرة الأجهزة الأمنية للشيعة . أما علي المستوي الشعبي ووجهة نظرالشارع تجاههم فمناهضة للشيعة بأقصي الحدود، فالمصريون يعرفون عن الشيعة " سبهم للصحابة " و " إيمانهم بعصمة أئمتهم من الخطأ " و " طقوس عاشوراء " فتلك التصورات جعلت الشارع المصري متشككاً في نظرته تجاههم وجعل الخوف هو المسيطر علي فكره. الأزهر والشيعة ! تناقضت مواقف الأزهر الشريف حول رؤيته للشيعة ، حيث أباح في وقت سابق الشيخ "محمود شلتوت " شيخ الجامع الأزهر الأسبق، التعبد بالمذهب الجعفري (الإثني عشري)، فقط وهو معترف به من قبل أعلي مرجعية دينية في مصر، وهو الأزهر. ويذكر أن شيخ الأزهر الشريف الأسبق محمود شلتوت كان قد أصدر فتوي في عام 1959 تجيز التعبد بالمذهب الجعفري (الإمامي) كسائر مذاهب أهل السنة. وقد أكد شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي استمرار العمل بالفتوي في يناير 1997 . وبالرغم من ذلك فالمذهب الجعفري غير معترف به رسمياً حتي الآن، حيث يجب عند الاعتراف رسمياً بجماعة دينية أن يتم التقدم بطلب لإدارة الشئون الدينية بوزارة الداخلية، والتي تحدد بدورها إن كانت هذه الجماعة تشكل خطراً علي "الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي." ويصدر قرار الاعتراف بالجماعة الجديدة من رئيس الجمهورية، وفقاً للقانون رقم 15 لسنة 1927. وفي حالة تجاهل أي جماعة دينية لعملية التسجيل الرسمية علي هذا النحو، فإن أعضاءها يكونون عرضة للاعتقال، وقد يواجهون حكماً بالسجن، وفقاً للمادة 98 (و) من قانون العقوبات. كما أن شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب له رأي قال به في اكثر من مره وهو أنه يرفض تكفير الشيعة، مشيرا إلي انه لا يوجد مبرر واحد لتكفيرهم لا من القرآن ولا من السنة. المثلث المتشابك كما ذكرنا في السابق' فقد فجرت الثورة الإيرانية مخاوف المصريين من الشيعة ونفورهم من التشييع،وعندما تأسست في عام 1986 أول دار نشر شيعية " دار البداية " لتغلقها السلطات الامنية بعدها بعامين . كما هاجم الدكتور " محمد سليم العوا" المرشح الرئاسي السابق الشيعة في ندوة له بنقابة الصحفيين بالقاهرة في 6 سبتمبر 2006 ليقول أن بعض المتشيعين يتخذون "الدعوة للتشيع وسيلة للزعامة والكسب المادي." وفي محاولة منهم لإثبات أنفسهم وحقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بعد مباركة الأزهر لهم. وفي أوائل العام 2004 تقدم بعض الشيعة وعلي رأسهم المتشيع المعروف الدكتور أحمد راسم النفيس، بطلب إلي وزير الداخلية للاعتراف بالشيعة كطائفة دينية رسمية بموجب القانون، إلا أن الوزارة لم تقم بالرد علي الطلب حتي الآن. ويري بعض المحللين أن علاقة الحكومة المصرية بالشيعة تتأثر سلباً وإيجاباً بحسب علاقاتها بإيران. فحينما تتوتر العلاقات بين البلدين يتم التضييق عليهم، وحينما تنفرج يتم تخفيف الحصار عنهم، وخصوصاً أن العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين طهران والقاهرة لم تستعد بعد حتي وقتنا الحالي . وفي محاولة بعد الثورة لمنع هذا الأمر، فقد عقدت مشيخة الأزهر اجتماعاً موسعاً شارك فيه ممثلون عن جماعة الإخوان المسلمين و الدعوة السلفية في مصر بالإضافة لعدد كبير من علماء الأزهر الشريف و أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، أكد فيه الأزهر رفضه التام لكل المحاولات التي تهدف لبناء دور عبادة لا تسمي بإسم المسجد أو ثقافة كره الصحابة أو الإسائة إليهم. ليصدر المشاركون بالاجتماع بياناً في النهاية أكدوا فيه أيضاً علي رفضهم التام للمد الشيعي في مصر، حيث لن يسمح لأحد بالاحتفالات الحسينية الشيعية هنا، لأن مصر دولة سنية وستظل سنية في المقام الأول . السلفيون يرفضون أكدت الدعوة السلفية علي تحفظها للزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد التي اجراها في فبراير الماضي ، وطالبت الدعوة في بيانها الرسمي الذي صدر قبل الزيارة برفضها زيارة أحمدي نجاد لميدان التحرير ، محذرة في الوقت نفسه من التقارب السياسي "الإخواني الإيراني " والذي يأتي علي حساب مصالح مصر العليا من أجل تحقيق بعض الطموحات السياسية للجماعة . بينما جاء الموقف الإخواني مرحباً بشدة بهذا التقارب مؤكداً ان فيه الخير لمصر ويتوافق مع مصالحها العليا مشدداً علي أن التشيع مرفوض نافياً أن يكون الجانب الإيراني يسعي لتشييع أهل مصر . السياحة الإيرانية رفضت الجبهة السلفية وبعض الأحزاب التابعة لها والذي أتي علي رأسها حزب النور فتح الباب أمام السياح الإيرانيين لزيارة المواقع الأثرية بمصر وهو الموقف الذي آثار أزمة في وزارة السياحة التي تعاني من نقص كبير في عدد السياح وتري أن السياحة الايرانية لا علاقة لها بالتشيع ، لكن الجماعة السلفية لا تكتفي بالرفض لكنهاحاصرت مقر القائم بالاعمال الايرانية كما قامت بتنظيم عدداً من المؤتمرات الجماهيرية في بعض المحافظات للتوعية بمخاطر جلب السياحة الإيرانية علي الأراضي المصرية ، ليؤكد عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي بإسم الجبهة السلفية بأنهم رافضون لدخول السياح الإيرانيين لمصر ، ليأتي موقف الإخوان معارضاً ايضاً ويؤكدون بأن السياحة المصرية سوف تنهض من جديد ، وان الشعب المصري يرحب بالإيرانيين. من جانها قامت حركات "ثوار مسلمون" و"أمتنا" و"ائتلاف الدفاع عن آل البيت والصحابة" بالتظاهر، الجمعة، بمحيط مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم تحت شعار: "العزة للمسلمين والذلة للشيعة"، وذلك لرفض إقامة علاقات مصرية إيرانية خلال الفترة المقبلة، والتأكيد علي رفض المد الشيعي للبلاد خلال المرحلة المقبلة، مشيرة إلي أن هذه المظاهرات هدفها توصيل رسالة إلي جماعة الإخوان بعدم قبولها للمد الشيعي في مصر. وبحسب علاء السعيد، أمين عام "ائتلاف الدفاع عن آل البيت والصحب"، أن تلك الفعاليات تسعي إلي تأكيد الدفاع عن المقدسات الإسلامية وعمل حائط صد إسلامي ضد المد الشيعي، وذلك للمطالبة بإخراج بيان رسمي من القيادة السياسة يطالب فيه الكيان الصفوي بالاعتذار للشعب المصري علي اتهام أبنائه بأنهم عملاء للكيان الصهيوني، ووقف كل أشكال التعامل مع إيران واتفاقية السياحة المصرية الإيرانية الباطلة قانوناً ودستوراً، والذي ينص الدستور علي ضرورة عرض مثل هذه الاتفاقات والعلاقات علي مجلس النواب، إضافة إلي إيقاف عمل شركة "ممفيس اير"، المملوكة لرامي لكح والمتعهدة بنقل الركاب الإيرانيين إلي مصر. قلق خليجي كما أن التقارب الذي بدأ من جانب السياسة المصرية بالجانب الإيراني ، لم يصدر القلق للشعب المصري أو الساسة فقط ، بل أقلق دول الخليج التي تخشي من إزدياد النفوذ الإيراني في المنطقة وسيطرتها علي السياسة المصرية ، والتي تُعتبر الحصن الحصين لهذه الدول ، علي الرغم من قيام هذه الدول الخليجية بعقد علاقات شبه كاملة مع النظام الإيراني وعقد اتفاقات تجارية وأمنية ، إلا ان التقارب المصري الإيراني يقلق هذه الدول وبشدة بعد ان شعرت بانكشاف ظهرها السياسي - بعد ابتعاد مصر - وتركها في مواجهة إيران بمفردها ، علي الرغم من تعهد الرئيس محمد مرسي بأن أمن الخليج مسئولية قومية، وان العرب سيقفون جميعا صفا واحدا لحماية أمنهم ، إلا انهم يروا أن تطمينات الرئيس مرسي غير كافية ليستمر الجدل بشأن هذا الملف الشائك.