لا شيئ ابدع من ان تشعر ان لك جذورا عميقة ممتدة ... لا شيئ اجمل من ان تفتخر امام اطفالك انك تعيش ببلد يشبه المتحف المفتوح .... لا شيئ اروع من نظرات الانبهار التى اراها على وجوه اطفالى حين نمر بمبنى اثرى تفوح منه رائحة وعبق التاريخ الجمل ... الماضى العظيم الشامخ .... كنت كلما مررنا بمنطقة اثرية او بمبنى عتيق اشرع فى الاشارة اليه وشرح ما اعرفه من تاريخه لاطفالى حتى يشعروا مثلى بهذا الفخر ويتذوقون مثل هذا الجمال حتى صاروا على صغر سنهم يميزون المبانى القديمةو الاثرية لدرجة انه احيانا ما يرون مبان حديثة البناء قديمة الطراز فيشيرون مبنى اثرى فاقول لهم لا انه حديث لكنه اقتبس طرازه من المبانى القديم الجميلة. لكن الاصعب على على الاطلاق حين يشير اطفالى الى تهدم لجزء من جدار لمبنى اثرى او قمامة ملقاه على بابه او كتابه على حائطه .... انه الموقف الاصعب على لانه يتوجب على وقتها ان اواجه براءتهم بواقع اليم نعيشه من اهمال وتشويه لا حدود له لتاريخ عظيم اشبه لى بقطعة مجوهرات تمتلئ بحبات من الماس تجعله متلألئ ومثالى فى جماله. واتى من لا يقدر هذا الجمال وابدل الماس والؤلؤ بحبات من زجاج ملون مخلوط بتراب سنوات من الاهمال والتضييع .
فى النهاية نجد لمبانينا الاثرية ماض عظيم يزخر بامجاد من الجمال والروعة والذوق ... ونجد لها حاضر مؤسف من الاهمال والقبح الذذى غطى على كل ما هو جميل به .... لهذا قررت ان اطوف بمبانينا التاريخية ارصد ما حل بها من تشويه واهمال وعدم تقدير .... ارصد ما حل بها من تهدم من جراء عدم الصيانة وعدم الاهتمام .... اليوم ارصد ما حدث لقصر عظيم كبير .. مررت به بالصدفة بباب اللوق بوسط القاهرة ... النقوش والزخارف اوحت لى بتاريخ عظيم ... نوافذ كبيرة يحوطها زخارف بارزة ... نقوش رائعة على خشب النوافذ ... ابواب منقوشة نقوش رائعة .. يعلوها ايات قرآنية منحوتة بالحائط ...اعمدة كبيرة شاهقة بطول المبنى منقوشة بأكملها ... قصر يبدو عليه فخامة ولت ... من عهد مضى ولن يعود ... بحثت عن تاريخه فوجدت انه بنى فى اوائل القرن العشرين على يد المعمارى العبقرى مصطفى باشا فهمى مهندس الملك والذى كان فريقا بالجيش المصرى ووالد السيدة صفية التى تزوجت الزعيم الراحل سعد زغلول فيما بعد وابن المهندس محمود باشا فهمى والذى كان كبير مهندسى وزارة الاوقاف وقد بنى بتعاون من الاب وابنه على ثلاث مراحل فى الاعوام 1898 و 1911 و 1929 على الطراز المملوكى الشهير عن عمد لانه كانت هناك مخاوف فى هذا الوقت من المعماريين المصريين على هوية مصر المعمارية ومعارضة لبداية انتشار الطراز الغربى فى البناء فى ذلك الوقت غرقت فى تاملاتى للمبنى ونقوشه وما كانت عليه وحديقته المهملة وتخيل ما كانت عليه ... صحوت على طفلتى تشير لى على القمامة التى احتشدت عند بوابة من بواباته ... وتشير لى على الاهمال والحوائط البشعة المهملة التى كتب عليها وتركت باهمال ..
مررت برجل طيب يجلس بجوار السور فسألته عن المبنى فقال لى انه لا يعلم عنه شيئا غير انه مقر وزارة الاوقاف ورآنى اصوره فدعانى لتصويره مع القطط التى يربيها بجوار سور المبنى واوحت لى الملابس المعلقة على حبل يتصل بالسور وكانه يعيش بهذا المكان مع قططه سألته عما اذا كانت هناك صيانة تحدث لهذا القصر فقال لى انه لم ير طوال تواجده هنا فى هذا المكان اى يد تمتد الى القصر بطلاء او ترميم او صيانة عدا الفتحات التى تم عملها بالجدران لتركيب التكييفات ... اخذت اطوف بالقصر الجميل فلم اسعد بما رايت على الاطلاق ... اهمال بالحديقة وبالجدران وابواب متآكله ومشردين جعلوا من سوره مأوى لهم حاولت الحديث مع اى شخص بالوزارة عن حال المبنى فلم اهتد لأحد يهتم اترككم الان لتتجولوا بين صور ماض راق انار هذا المبنى تحضرا وجمالا وفخرا ... وبين حاضر مؤسف اودى بهذا الجمال بلا رجعة .