هذا الطوفان الشديد من الأحزاب هل سببه طول فترة العطش المصرية إلي التعددية الحزبية.. علي مدي 60 عامًا.. ولما سمحوا للأحزاب بالعودة.. لم تعرف مصر إلا حزبا حكوميا رئيسيا هو حزب الوسط.. وحزبا يساريا علي يساره هو حزب التجمع وحزبا يمينيا علي اليمين هو حزب الأحرار الاشتراكي. .ولما فكت السلطة الحزام بعض الشىء رأينا حزب العمل وكلها نبتت من حضن السلطة.. إلي أن جاء حزب الوفد ليفرض نفسه من جديد.. ولما ضيقوا الحزام عليه أعلن تجميد نشاطه، بعد شهور قليلة.. ولما أراد الوفد أن يستأنف نشاطه قالوا له: لقد قررتم في الوفد حل الحزب.. ولكن فؤاد سراج الدين بدهائه الشديد ومن حوله ردوا: لقد جمدنا النشاط.. ولم نحل الحزب فكان أن عاد الوفد بحكم قضائي شهير. وكانت هذه هي كل الأحزاب التي رأتها مصر منذ سمح الرئيس السادات بعودة النشاط الحزبي. ** وظلت مصر بهذه الأحزاب التي لا تتعدي أصابع اليد الواحدة فقد كانت لجنة الأحزاب تسيطر علي كل شيء، ولم يكن مسموحًا بإنشاء الأحزاب إلا في أضيق الحدود. حتي وإنه بعد 25 عاما لم يزد عدد الأحزاب إلا حزبًا أو حزبين.. كانت القيود رهيبة علي إنشاء الأحزاب.. وكأنها رجس من عمل الشيطان!! وقامت ثورة 25 يناير. وأطلقت فرص إنشاء الأحزاب لنجد أنفسنا في النهاية أمام أكثر من 50 تنظيمًا سياسيًا وحزبيًا واتحدي أن كانت لجنة الأحزاب نفسها تعرف العدد الحقيقي للأحزاب الآن.. بل واتحدي أي وزير حالي في مصر حتي ولو كان المسئول عن هذه التنظيمات، أن يعرف عدد الأحزاب في مصر الآن.. فإذا عرف العدد اتحداه أن يقول لنا أسماءها وإن عرف أسماء الأحزاب اتحداه إن كان يعرف أسماء رؤسائها أو وكلائها. ** وبعد أن كنا نري حزبًا يسمح به كل عدة أعوام.. وجدنا العديد من الأحزاب يسمح بها الآن كل يوم.. كما لو كان الهدف هو تسفيه فكرة الأحزاب.. بتعددها.. ويبدو أن الشعب بعد أن طال انتظاره سنوات عديدة ليخرج لنا حزب واحد.. ها نحن نعيش عصرًا نري فيه الأحزاب الآن في مصر وهي «زي الرز»!! فهل الهدف هو القضاء علي معني التعددية الحزبية.. حتي يتوه الشعب بين هذه الأحزاب ووسطها.. أنا نفسي لا أري غير ذلك!! ** ورغم أننا نعيش غمار تيارات حزبية متصارعة.. الكل يريد أن يحصل علي أكبر قطعة من تورتة الثورة.. إلا أننا يجب ألا ننسي أن الأمية تمثل أكثر من 40٪ من الشعب.. ولهذا نجعله يختار علامة مميزة أو رسمًا واضحا يدل علي كل مرشح.. وما عليه حتي يحسن الاختيار إلا أن يضع علامة أمام «الرسم» الذي يريده.. فكيف سيختار هذا الناخب حزبًا بذاته، أو تجمعا بعينه هل سيختار أيضا بالرسومات والعلامات القوائم التي يريدها. ** ولما كنا نلح - من سنوات - بفتح باب انشاء الأحزاب إلا أننا لم نكن نتصور أبدًا أن يصل العدد إلي ما نراه الآن.. ومعظم هؤلاء ينسبون أنفسهم إلي ثورة 25 يناير.. مجرد انتساب وليس عضوا أساسيًا. والمشكلة أن أصحاب الثورة الحقيقيين لم يتحدوا وتفرقوا.. ولم ينشئوا أحزابا وتركو الساحة أو معظمها لمحترفي الأحزاب ذلك لأن الثورة قامت بدون قائد، أي بدون رأس مفكر للجماعة.. ربما لأنهم لم يتوقعوا أن تنهار السلطة تماما خلال أيام معدودات. فلما سقطت لم يكونوا مستعدين لقيادة الأمور، وتركوا إدارة كل شيء لغيرهم. ** ونتج عن ذلك تعدد التنظيمات التي خرجت أقلها من رحم هذه الثورة.. وأكثرها من غيرهم ومنذ شهور كان عدد التنظيمات والجماعات يصل إلي 138 جماعة وتنظيمًا.. ولم نسمع عن حزب قوي من بينها ينتسب حقيقة إلي الثورة.. وهكذا تركوا الساحة للباحثين عن.. التورتة!! والقضية الآن أننا علي أعتاب الانتخابات البرلمانية والأحزاب القديمة ليس فيها إلا حزب الوفد العريق.. وبجانبه حزب الإخوان المسلمين ثم العديد من الأحزاب المتأسلمة من سلفيين وجماعات وجهاد إلخ إلخ.. ومعها العشرات من أحزاب لا لون لها.. كيف سيختار الناخب من بينها القائمة أو القوائم التي يراها الأفضل.. ولا كيف سيختار من المرشحين الفرديين من يحسن تمثيله للشعب. ** هل هذا التعدد الحزبي متعمد ليختار المواطن من يشاء أو يرمي صوته علي من يشاء، بعد أن يكون المواطن قد كفر بهذه التعددية.. وللحديث بقية نقلا عن الوفد